يصدر قريباً عن دار روافد للنشر، كتاب الرسائل القصصية "ثلاثون وجهًا للقمر"، وهو أول الأعمال الإبداعية للكاتبة والصحفية رشا بكر.
وقالت رشا، في تصريح خاص لـ"البوابة نيوز" إن العمل على الكتاب استغرق ما يقرب من 4 سنوات، أخذ فيها العمل العديد من التحولات حتى استقرت على شكله الحالي وهو الرسائل القصصية.
وأضافت: هكذا نرى أن الحديث دومًا إلى طرف من الآخر. أحدهما شريك في الحكاية بينما يرويها له الآخر.
وكتب الناشر: ثلاثون وجهاً للقمر
للأرض قمرٌ وحيد ، يرافق الأرض كلما دارت ، كأنه ملاك حارس لها أو كأنه الحادي الذي يسير بجوار القافلة ليرشدها ، وليسبر لها أغوار سبيلها.
القمر أيقونة البهاء والعظمة، النّور والوحدة، التّفرد والجمال، فالقمر في عليائه يتربّع على عرشه في السّماء والنّجوم تحيط به، كما الملك المهاب بين حاشيته ورعيته، سيبقى القمر المؤنس الوحيد في ظلمة اللَّيالي المعتمة، وسيبقى رمزًا للأمل والنّور وسط الظَّلام، بل سيظل ملجأ للمحبِّين والعاشقين الذين يضربون المواعيد ويلتقون تحت ضوئه.
من خلال انتقال القمر في جميع أطواره ، تكون الروح الحالمة قد مرت بدورة القمر بأكملها معه، فتارة تكون هلالًا ، وتارة بدرًا ، ثم محاقًا ضعيفًا .
القمر هو ذاك الشفرة الزّمانيّة التي تقرِّب الأحباء من بعضهم، فمهما فرّقتهم مساحات الأرض ستجمعهم تلك النظرة إلى القمر والتي تطوي معها كلّ تلك المسافات والحدود والسُّدود، بل ربما يشدُّنا إلى القمر هو تلك الهالة السّحرية التي تحيط به، وكأنَّنا ننظر إلى آمالنا البعيدة وأمنياتنا الَّتي حُرمنا منها يومًا ولا نعرف لها شكلًا إلَّا من خلال ما رسمته أحلامنا.
والانثي طالما ربطها الادباء والشعراء بالقمر ، ولم لا ؟ فالقمر هو حواء الأرض، والأرض هي آدم القمر، وما بينهما قصة حب أزلية.
بين صفحات هذا الكتاب ، ستطالع ثلاثين وجها للانثي ، ثلاثين شكلا للقمر في مراحله المختلفة ، ستستطلع البدر في أوجًه ، وتكتشف الهلال في مداره ، وتتعاطف مع المحاق الذي ينزوي في ركن السماء.
ستدرك الرباط الوثيق الذي يربط المرأة بهذا الكائن النوراني البديع ، وكيف تماثلا حد التطابق ، ستحكي كل صاحبة رسالة من الرسائل الثلاثين قصتها ، ستقرأ مابين خلجات نفسها ، و تندهش من فرط العذوبة التي تجري علي لسانها وتخطها أيديها ، قد تتعاطف معها ، أو تحنق عليها ..لكنك في النهاية ستفغر فمك دهشة من مدي التماثل بين كل أنثي وبين احدي مراحل القمر.
وتنشر "البوابة نيوز" الرسالة الثامنة والعشرون من الكتاب، والتي جاءت تحت عنوان" سانسيفيرا".
عزيزي..
رغم انقطاع وشاح رسائلي وشحها، فإني في آخر المطاف أعي جيدًا أن رسائلنا غير الكتابية تنساب عبر الأثير بكل رقة ورفق وانسيابية.. أنك تشعر بي جيدًا..
إنها ظهيرة الجمعة، أفقت على أجراس صحوة روحية أخرج من ركني المنعزل بالجنوب الغربي من غرفتي المعششة بالبيت الذي ومضت فيه ألوان الحظ والسعادة.. مجدداً
هنا على هذه الأريكة تقبع كتلة متكومة من أنوثة معتقة تتشربها الجدران، تتسرب إلى الأعلى إلى أسفل وفي جميع الاتجاهات بحثاً عنك.
أتحرك باتجاه الضوء، كنبتة سانسيفيرا أقتات بضع قطرات، لا أملك رجلين للرحيل، لم تهبني الطبيعة ذيلًا أضرب به الماء كحوريات البحر، ولا حتى أجنحة طيران كي أطلقها واكون حيث أنت، يتطلب تنقلي الحَملَ والمشقة، أنا حِملٌ وإني أعي ذلك، أتقبل حياتي على قدر ما تحمل من مرارة، أنا علقم سام ودواء، لكنني على قدر قوتي القليل ربما أهب الكثير.. وأكثر..
متجذرة في الأرض أحظى بدور صامت في نص الحياة، لكنني أشعر الآن بالسعادة استثنائية من أبسط الأشياء.
لم أعد أشعر بمزيد من أحاسيس العار غير المبررة، والخجل الزائد والانغلاق.
سعادتي لم تنبع يوما بفضل امتلاك مال أو زينة أو رفاهية أو حتى التفاف المتطفلين، متجذر حبك رغم كل العابرين.
في المساء أتجه إلى حيث يسكن نومي وسرير طمأنينتي، ألقي بنفسي على غابات صدرك، وأغمض وأتكوم في وضع الجنين، أحتضن أرضك مطمئنة.. أنا أزهر.
على سور الشرفة تكاثف الندي مُحمل بعبق مسك الليل، ما زال فنجاني يجلس تترسب في قاعه بقايا قهوة ذوبت فيها حبة من السكر، معدن أنا تصهره نارك، منذ عرفتك وأنا لم يهددني خوف من زيارة بعض الذئاب المسعورة التي تخترق ثقوب الجدران، ولم أخشي التماسيح المنبثقة من بين شقوق بلاط غرفة مقبضة، صفقت بابي في وجه الجميع، وتعلمت كيف أتقبل مقاديري وأحافظ على اتزانها.
ثم أغمض عيني فترسل إلي عصافير جنانك أثيرًا، القبلات على شامة عنقي الخضراء، ورسالة فحواها:
“أنتِ ملاك لا يمكنك الاندماج مع عفاريت الجحيم. فقط توقفي عن انحرافاتكِ العدوانية، ثم اتركي نفسك لرغباتك الحقيقية التي يجب أن تعيشيها، قيودك التي لا تقهر ينبغي أن تهجريها”.
– أعتقني منها!
تحمل يدي أصابعك البنفسجية، أضغط جبهتي لتفتح لي عين ترى.
تعتذر لي عن سوء ظنك منذ البداية وعن التأخير، رفقي بحبر قلبي الوردي أكتب إليك رسالة مفتوحة لتقرأها كل أصقاع الأرض، أناس وجبال سهول ووديان، فلم يدرك أحد ما تحمله معاني سطورها سواك.
في الليل تفرش العتمة سكونها البارد على جبهتي، يتجمد العرق، أناجيك فيعترض صوتي حجر مدبب، الشوق سماء تمطر بحبات الكوارتز الشفيف، أتوارى من وابل تساقطها، احتمي بغطائي، أغمض عيني حتى إذ وصلت لجنتك، أشم عبقها، أعشابها سجاد من الجاد الأحمر، ووردها من الياقوت، أسبح مع هديل جداول ماء الفضة شاطئين من عقيق البحار.
أنعرج حيث زهرة لوتس بتلاتها العالية تضامنًا، عثرت على مفتاح التجاوز أولى مراحل التشافي، وها هو قلبي تحت يديك تربة خصبة يصعب على المزارع المستهتر إنباتها، ويدي هنا أكتب بمداد الرحيق قصائد وأجدل من نداها حبال أرجوحتي، تهزني ذراعك على حافة الهاوية احاول أن أستند إليك فتنزلق من تحت يدي كزئبق، أجري خلفك مثل ظلك أجمع ما تلقيه من حلو نفسك وعلى أمل أن أعيد حشو فراغات أعماقك، متفردة أنا بمعرفة السبيل إلى ممرات روحك، فأضيء شعلة للطريق، تضيء بدورك شعلة طريقنا المتوازي، توأمين على جانبي باب مجهول لا أتذكر ما كان يخبئ خلفه، أركض وراءك أعبر من خلالك مثل شبح، فتتبعثر مع الرياح صورتك وتتلاشى، تبعث بصوتك “إني أخاف الحب فمرني نفسك على الغياب”.
وتسيح في الأرض تقتات على فتات من يشبهونني، وأبحث عنك في وجوه العابرين في حين يفصلنا حاجز مرتفع من الصمت.
أيام مرت كم كنت فيها بحاجة إلى أن أفرد انطباعاتي فوق رأس هذا العالم معك وبك في محاولات تخليد وجهي فيك، أيقنت متأخرة أني من دونك لم أقوَ على ترك بصمتي على جبين الحقيقة.
ولكن ماذا لو كنت أملك الاختيار بأن نتبادل الأدوار، وأكون أنا الهاربة منك؟ أن أصير في تلك اللحظة أنا أنت؟
لماذا أبقى محصورة في دور المطاردة التي تريد دائمًا ؟ أن تمتلك نبضك الحسي في جسدك؟ دائمًا أنا من أضم مخاوفك اللا واعية، مستندًا إلي قص أفكارك التالفة من أغصان عقلك، التي كلما قصصت منها نبت المزيد.
إلى متى أقضي الساعات في جمع حطامك وإعادة بنائك؟ هل أنا سيدة الأشلاء المهشمة؟
فماذا لو اتفقنا أن نجمع كل متناثراتنا، نتبادلها، نتحد في نسيج واحد لا ينفصم؟ لأجد جوهري من جديد والذي هو جوهرك، نصفين من روح واحدة فرعين من نفس الجذر، ألست وجهي الآخر؟
أرى بمرآة قلبي عينًا بلمعة النشوة تضيء، نشوة طفل رفعته أياد في الهواء، خاف السقوط ثم تلتقطه فبات فرحًا مطمئنًا، ثم تتبع تلك الفرحة دمعة من ندم ربما غبطة، شوق، افتقاد، ثم اقتراب يتبعه نشوة. إنها ملخص قصتك معي بين الحضور واللا حضور.
أقلب صفحات كتاب الماضي الساذجة، تلتصق بأصابعي لزوجتها، عصارة أسوأ تجاربي الحياتية التي لم تعِها، لم تجشم نفسك عناء الاستماع.
كانت آخر صفحة فيها تحكي عندما أتى شيطان من الشرق زائرًا لنا، وفرد أمامي بركة زائفة من الذهب اقتربت استكشفها، أنها تلمع، تبهر، تجذب، كذب، يكذب، حفنة من تبر يطفو على السطح، وتخبيء بركة من الوحل، انزلقت قدمي.. كم كان ذلك مقززًا مثيرًا للاشمئزاز! تداركت نفسي، وسحبتها، استدرت، أسترجع توازني.
أمد ساعدي للفراغ يشدني وأتلفت بحثًا عنك، أنادي اسمك.. هل كنت محض شبح أم بريق سراب؟ ما زلت أذكر تلك الرعشة وأعرف هذا القلق والارتجاف، أين أنت يا ابن ال…
يتردد صوتك “توقفي عن السباب واللهاث، أنا جوارك فدعيني أحملكِ إلى الخصب الذي خلفه.