الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

هناء ثروت تكتب: مريم والتربية المثالية

هناء ثروت تكتب : مريم والتربية المثالية

هناء ثروت
هناء ثروت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مريم والتربية المثالية

هناء ثروت 

هي فتاة صغيرة هادئة وديعة مطيعة لوالديها ولمجتمعها دخلت الهيكل صغيرة وخرجت منه وهي فتاة تنتظر زواجها كعادة الفتيات في مثل سنها، لكن حدث لها ما لم يخطر على بال، فبعد أن خُطبت لنجار يُدعى يوسف معروف عنه الخُلق الحسن ظهر لها جبرائيل الملاك ليخبرها بأن الله اختارها لتكون شريكة في خلاص شعب الله، وبدون تفكير أجابت مريم "هأنذا أمة الرب" إلى هنا فنحن جميعًا نعلم هذه القصة جيدًا، واعتبرنا أن رد مريم على الملاك جبرائيل هو نتيجة الطاعة التي اعتادت عليها طيلة حياتها، ولكن من وجهة نظري أن رد مريم كان به من القوة ذات الثقة التي جعلتها تجيب وهي تعلم جيدًا ما ستمر به، فهي في مجتمع شرقي متزمت فكيف لها وهي ما زالت مخطوبة أن تحمل في طفل غير معروف من يكون أبوه، من سيصدق هذه القصة؟ كيف ستواجه هذا المجتمع وأهلها وصديقاتها، وأتصور أن القوة والثبات التي كانت عليهما العذراء مريم هي نتيجة تربية إيجابية حقيقية، نتيجة بيت يعرف قيمة أولاده وبناته ويعلمهم ويعطيهم الوعي الكافي لاتخاذ أصعب القرارات في حياتهم.

نعم، فكان من الممكن أن تخاف مريم من هذه المهمة الصعبة التي أوكلت إليها، فما الذي سيجبرها على هذه المتاعب ومواجهة الأخطار ومواجهة مصير غير معلوم، ليس الأمر فقط مرتبطا بالثقة المفرطة في الله، ولكن في القوة بقبول تعاليم الله بدون خوف حتى لو كانت هذه التعاليم مخالفة لعادات أو تقاليد أو "الموضة"، فكم من بناتنا في هذه الأيام تعاني من معاملة صعبة وقاسية في بيوتهن تجعلهن عُرضة للضياع والابتعاد عن أحضان أسرهن، كم من القضايا والحوادث والتي زادت في الآونة الأخيرة عن خروج فتيات ونساء ويتركن أولادهن للهروب من قسوة المعاملة، وندفن رءوسنا في رملة الاضطهاد والاختطاف.

إن كنا نقول إن مريم واجهت المجتمع، فواجهته وهي مستندة على أسرتها، وهي تعلم أن أسرتها التي ربتها ودربتها على حب الله وطاعته وأعطتها الثقة والحرية ستكون سندا وضهرا لها، فهل هذا السند متوافر لدى فتياتنا في هذه الأيام، سامحوني فأنا لا أحب أن أعلق أخطاءنا على شماعة الآخرين.

كم من الآباء يعتقدون أن القسوة والضرب والإهانة من أدوات التربية حتى لا ينحرف الولد أو البنت، كم من حالات اختفاء البنات يكون سببها عدم الشبع في البيت من محبة وتفاهم وقبول؟ كم أبا يعتبر أن حضنه لبنته وإظهار حبه لها ضعفا؟ كم أبا لا يعطي فرصة لبنته أن يكون لها رأي او يُعلمها أن يكون لها رأي؟ فتصبح كالقشة التي تتلقاها الرياح وتقع فريسة لأول يد تحن عليها، كم من الأسر يعتبرون إلى الآن أن "خلفة البنات عار" كالمثل الذي يقول "يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات" أو "لما قالوا دا ولد اتشد ضهري واتسند ولما قالوا دي بنية اتهدت الحيطة عليّ" وغيرها من الأمثال التي كونت وأثرت في طريقة تربيتنا لبناتنا، وأصبحنا في مجتمع ينظر الى الفتاة نظرة دونية ويحصرها في دور معين، حتى مع الطفرة التي حدثت للمرأة في السنوات الأخيرة، وكيف أنها وصلت لمناصب نافست فيها الرجال ونجحت في هذه المنافسة بجدارة، لكن ما زالت هذه الفكرة عن المرأة تجد مرعى خصبا لدى الكثير  من الأسر، هناك آباء كثيرون لا يعلنون عن حبهم لبناتهم خشية كسرة هيبتهم، لا يقول لابنته أنه يحبها ولا يربت على كتفيها، لا يحتويها في أشد احتياجها إليه.

وعلى قدر أهمية دور الأم مع بناتها، فأعتقد أن دور الأب مع بناته له أثر مختلف، فالأب هو أول رجل في حياة ابنته، وهو من يعطيها الصورة الأولى عن الحب والحنية والاحتواء، فحضن الأب لابنته ليس عيبًا فهو يقيها من أحضان أخرى غاشة سالبة لها ولمشاعرها، كلمة الحب من الأب لابنته تعطيها القوة والثبات لتواجه كل الكلمات المزيفة الخادعة، الثقة التي يعطيها الأب لابنته هي السلاح التي تعيش به وتواجه به مجتمعا تحتاج دائما للدفاع عن نفسها أمامه.

القديسة العذراء مريم أعطتنا درسًا مهمًا جدًا، فهي مارست الحرية الحقيقية، وكانت على قدر المسئولية التي أعطتها لها أسرتها، لم تخش السيف الذي جاز في قلبها، كانت من القوة أن تكمل الرسالة التي أعطاها لها الله، في النهاية احضنوا بناتكن اشبعوهن حبا وحضنا وحرية، ليتعلمن أن يواجهن الحياة بشخصية سوية غير مضطربة، فنحن لن نعيش دوما لهن.