الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الدكتور أندرية زكي يكتب: ميلاد المسيح رسالة السلام والمحبة

الدكتور القس  أندرية
الدكتور القس أندرية زكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحمل ذكرى ميلاد المسيح البُشرى بالخير والسلام والمسرة لكل البشر. ويخبرنا إنجيل لوقا بأنشودة الملائكة المبشِّرة: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». لكن كانت هذه الرسالة المفعمة بالفرح والسلام في وسط واقع شديد القسوة؛ دينيًّا، انقطع الوحي لأربعة قرون من الزمان، وسياسيًّا عاش الشعب اليهودي آنذاك تحت عبودية المستعمر الروماني، واقتصاديًّا، استشرى الفقر بشدة، واجتماعيًّا، تفتت المجتمع وتفشت الكراهية على أسس عرقية ما بين يهود وسامريين وأمم. 

على المستوى الديني، كانت الصورة قاتمةً؛ فالنبوة انقطعت لقرون، لم ترسل السماء أي رسائل أو أنبياء لليهود، وتصدَّر التدين الشكلي والظاهري المشهد بأكمله. تورطت السلطةُ الدينيةُ حينها مع المستعمر الروماني، فاكتسى الدين برداء السياسة، وما أخطر أن يحدث هذا! 

على المستوى السياسي، كان الشعب مُستعبَدًا تحت سطوة مستعمر روماني باطش لا يعرف رحمة، ضيق الخناق سياسيًّا على الشعب، وأثقل كاهلَهم بضرائب كثيرة مما أدى لظهور جماعات متمردة. وفي ظل الاستعمار وضرائبه تردَّت الحالة الاقتصادية، فزاد الفقير فقرًا، وازداد الغَنيُّ ثروةً. هذه الحالة من الطبقية بالطبع أثَّرت على السياق الاجتماعي، الذي اتسم بعدم الوئام والتناحر بين فئات الشعب، فنجد فئات منبوذة ومكروهة، كالعشارين، ومن يعملون مع الاحتلال لأجل مصالحهم، بل وهناك جماعات تقصي بعضها على أساس ديني كالكتبة والفريسيين والصدوقيين.

وسط هذا السياق المحبط والأمل الغائب وانعدام التجديد، يبشِّر الملاكُ هؤلاء الرعاة بفرح عظيم. فيشرق الأمل ثانيةً، ويخبرهم بأن لازال هناك رجاء، بأن يحل السلام على الأرض. والمسرة التي غابت آنَ لها أنْ تعود لجميع الناس. كسر الميلاد روح الإحباط وفقدان الأمل. أعلنت السماء بشرى السلام والمسرة، وفتح أبواب الأمل والرجاء. 

هذه الرسالة بالسلام والمسرة لم تكن حكرًا على شعب بعينه، لكنها كانت رسالةً كونيةً تشمل كل البشر، إذ يخبرنا الإنجيل بحسب متى عن أناس لم يكونوا ضمن الشعب العبراني، لكنهم استدلوا على الصبي المولود وجاءوا إليه. إنهم المجوس الذين أتوا من المشرق. هؤلاء المجوس كان عملهم قراءة النجوم ودراستها ومعرفة أسرارها، لكن كان كل شيء يبدو طبيعيًّا إلى أن ظهر نجم مميز. كان يمكن أن يهملوا الأمر، إلا أنهم استخدموا أدواتهم، وبحثوا وفكروا، واستخدموا أدواتهم ثانيةً فساروا في الطريق متتبعين النجم. إلى أن وصلوا إلى هدفهم المنشود.

أزال السيد المسيح بميلاده حائطَ العداوة؛ إذ صنع سلامًا، بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وهنا وضع السيد المسيح اللبنة الأولى للعيش المشترك، المبني على المساواة والعدالة. وهذا أعطى العالم المـتألم رجاءً، رجاءً أن في عمق الظلام ترسل السماء رسالة: "على الأرض السلام وبالناس المسرة".

السلام والمحبة هما سبيل المسرة والفرح والتعايش والمجتمع القوي، هذه المعاني العميقة الواردة في قصة الميلاد، تحثنا اليوم على أن نكون جزءًا من هذه الرسالة، وكما كان السيد المسيح صانعَ سلامٍ، يدعونا أيضًا لنكون صناع سلام "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ" (إنجيل متى 5: 9). ويُؤسَّس هذا السلام على المحبة لكل الناس بصرف النظر عن انتماءاتهم أو معتقداتهم، ولقد مثلت حياة السيد المسيح وتعاليمه تجسيدًا حيًّا للمحبة، إذ أوصانا بمحبة الجميع حتى الأعداء "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (إنجيل متى 5: 44)، وهي التي أكد عليها الرسول بولس قائلًا: "أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 13: 13). حتى أن محبة الله مرتبطة بمحبتنا بعضنا لبعض "وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا" (رسالة يوحنا الأولى 4: 20). المحبة إذًا هي الطريق الأهم لسلام المجتمعات ورخائها.   

في ذكرى الميلاد، أصلي لوطني الحبيب، ليحل السلام والمسرة على كل أرضنا وشعبنا، وتزيد المحبة والرحمة في قلوب أبنائها، وأن يهبنا الله الحكمة، شعبًا وقادة، لندرك أدواتنا ونستخدمها من أجل تحقيق دورنا ورسالتنا في بناء مجتمع السلام.