أكد محسن الزيني، الباحث الأكاديمي في دراسة بعنوان "الشباب ما بين التحديات الراهنة والفرص الواعدة"، أن الشباب هم القوة الحيوية الفاعلة للمجتمع، وهم مستقبل وطننا في كافة المجالات سواء سياسةً أو اقتصادا، ثقافةً أو تعليما.
وتتعدد التحديات التي تقف عقبة أمام مسيرة الشباب، وأولها مشكلة المشاركة السياسية، التي تمثلت في إحجام الشباب عن المشاركة في الانتخابات العامة أو في أنشطة الأحزاب أو في التمثيل النيابي. كما يواجه الشباب أحد أخطر التحديات الاقتصادية، البطالة، حيث زيادة معدلات البطالة وزيادة نسبة الفقر وتدهور الخدمات الصحية. وكذلك، يعاني الكثير من الشباب من الأمية الثقافية وقلة الوعي نتيجة عقود سابقة من نظام تعليمي عقيم عفا عليه الزمن وتجاوزته الثورة الرقمية والمعلوماتية بسنوات ضوئية.
وقال: ونحن على أعتاب انطلاق فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الرابعة فى "مدينة شرم الشيخ" خلال الفترة من 10 إلى 13 يناير المقبل، تحت رعاية وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، وسط الكثير من التحديات وذلك بعد تأجيل نسخة المنتدى التى كان مقررا انعقادها العام الماضي؛ بسبب جائحة كورونا. إلا أن إصرار الدولة المصرية على استضافة فعاليات المنتدى لهذه الدورة يأتي إيمانا منها بأهمية مواصلة العمل على الإستراتيجية التى تنتهجها الجمهورية الجديدة نحو تمكين الشباب .
وأشار إلى أن وضع وتنفيذ سياسات وخطط إصلاح تهدف إلى مجابهة هذه التحديات وتجاوزها وإيجاد حلول لها يعتبر تحقيقا واقعيا لمصطلح "تمكين الشباب"، والذي يحتاج ليس فقط تأهيل هؤلاء الشباب وإعدادهم الإعداد اللازم، وإنما يحتاج أيضا إلى بنية أساسية وظروف مواتية، سياسية واقتصادية واجتماعية ومعرفية.
وتابع: هناك بعض الظروف والعوامل التي ساهمت في صنع التحديات التي تواجه الشباب في مصر. وعلى الناحية الأخرى هناك الكثير من الفرص التي وفرتها السياسات الإصلاحية للدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو والتي تهدف إلى التغلب على هذه التحديات بهدف الوصول إلى "تمكين الشباب في مصر".
وبشأن التحديات، وخصوصا ما يتعلق بالمشاركة السياسية، قال إن العزوف عن المشاركة السياسية والمقاطعة السلبية لأي استحقاقات انتخابية تعد أحد أهم المشكلات الرئيسية في دول العالم الثالث.
وتابع: وهنا لا يمكننا أن نلقى باللوم فقط على الشباب، فلقد ساهمت عوامل كثيرة في ظهور وترسخ هذه المشكلة ومنها: غياب التنشئة السياسية الحقيقية لفترات طويلة امتدت لثلاثة عقود خلت، والجمود السياسي وعدم توافر قنوات للاتصال المباشر بين الشباب والسلطة الحاكمة، وسيطرة الوجوه القديمة والأجيال السابقة على التنظيمات السياسية كالأحزاب والنقابات وغيرها، وارتفاع نسبة الأمية وضعف درجة الوعي السياسي، الفساد السياسي والإداري الذى يقوم باستغلال السلطة أو الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة.
ومن بين التحديات أيضا مشكلة البطالة، حيث أشار محسن الزيني، إلى أن معدلات البطالة في مصر تزايدت خاصة بعد عام 2011 حيث قدر متوسط معدل البطالة خلال الفترة (2011 – 2017) حوالي 12,56 %.
وقال: خطورة مشكلة البطالة لا تقتصر على تأثيرها البالغ على الاقتصاد فحسب، وإنما يمتد إلى مناح أخرى شديدة التعقيد والأهمية. فالخطر الناجم عن التزايد المستمر في أعداد العاطلين عن العمل، يحدث مضاعفات هائلة في تكوين المجتمع وفى القلب منه الشباب. حيث تعد البطالة هي البيئة الخصبة لنمو الجريمة والعنف والتطرف. كما أن قلة أو انعدام الدخل يسبب آثارا بالغة الشدة على الاستقرار المجتمعي.
وحول إشكالية التعليم، قال: كان النظام التعليمي في مصر خلال العقود الماضية – نتيجة مجموعة من الظروف والسياسات-يركز بصورة كبيرة على الحفظ والتلقين وصب معلومات جامدة مجردة في ذاكرة المتعلم، على حساب إعمال العقل وبذل الجهد في اكتساب المهارات والخبرات عن طريق التجريب والاستكشاف.
وتابع: نجد أن المنظومة الفرعية للتعليم قبل الجامعي في مصر منذ نشأتها وحتى وقت قريب ركزت على "تلقين المعلومات" وغالبا ما تنطوي عملية التلقين بصفة أساسية، بطبيعتها على تكوين رؤية ذات جانب واحد للمشكلات محل الدراسة في مراحل التعليم المختلفة.
أما عن التعليم الفني، أشار إلى أنه تتشابه جذور مشكلة التعليم الفني أيضا مع التعليم قبل الجامعي من ناحية الطابع الأحادي. وأخيرا، في مجال التعليم الجامعي، تجدر الإشارة بصفة خاصة إلى الضعف النسبي للوظيفة البحثية في الجامعات بالتطبيق على حقل "العلوم الاجتماعية"، وأن هذا الضعف يعود إلى عدة عوامل، منها: غياب سياسة واضحة للبحث العلمي، وتفشي نوع من البيروقراطية المقيدة للإبداع في عدد من الجامعات ومراكز البحث، وعدم وجود مدارس فكرية وعلمية تتمتع بالاستقلالية الحقيقية.
وتناول الباحث في دراسته تحت عنوان الفرص، "المشاركة السياسية"، قائلا: إنها من أهم دعائم الديمقراطية، وحقق الشباب المصري نجاحا ملموسا في تحريك المياه الراكدة بالحياة السياسية المصرية بعد دوره الرئيس والفعال في ثورتي 25 يناير و30 يونيو مما فتح الباب واسعا أمامه فيما بعد استقرار الأوضاع إلى المشاركة الفعالة في الحياة السياسية.
وقال: ظهرت خلال السنوات الأخيرة فرصا واعدة ومبشرة، ممثلة في المشاركة بفعاليات مؤتمرات الشباب التي انعقدت لعدة مرات في مدن مصرية متعددة وكذلك منتديات شباب العالم التي انعقدت لثلاث مرات حتى الآن بمدينة شرم الشيخ، خلال أعوام 2017 – 2018 – 2019 أو التجربة الأبرز والأحدث في الحياة السياسية المصرية. وهي تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، تضم "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" 25 حزباً سياسياً بالإضافة إلى 9 من الشباب السياسي المستقلين من مختلف التوجهات والأيديولوجيات السياسية.
وتابع محسن الزيني: اللافت للنظر أن التنسيقية تقدم تجربة جديدة في ممارسة العمل العام، وفتح قنوات الاتصال المباشرة مع الدولة ومؤسساتها، والتنسيق بين شباب الأحزاب والقيادات السياسية والقواعد، والشباب المستقل والمهتم بالعمل العام.
وفيما يتعلق بفرص العمل، أكد أن البطالة تعد ظاهرة عالمية ذات آثار سلبية علـى العديـد مـن المتغيـرات الاقتصادية والاجتماعية. وتُعد تلك المشكلة من أهم وأخطر المشكلات التي تواجه معظم النظم الاقتصادية في العالم.
وقال: وللتغلب على هذه المشكلة تعمل الدولة المصرية على أكثر من اتجاه للمساعدة في خلق فرص عمل للشباب وذلك من خلال تشجيع المستثمرين على إنشاء مشروعات جديدة، وتقديم قروض للشباب للبدء في تأسيس مشروعات صغيرة ومتوسطة. ومن ضمن هذه الجهود ما أعلن عنه البنك المركزي من توفير 200 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة لا تتجاوز 5% وذلك في بداية عام 2016.
وأوضح أنه بعد تلك المبادرة بعام، قامت "وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري" في عام 2017 بإطلاق مشروع رواد 2030 وذلك في إطار اهتمام الدولة بدعم الشباب من خلال دعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، لمساعدة الشباب على خلق وظائف لهم ولغيرهم. ويهدف المشروع إلى تمكين الشباب من تأسيس المشاريع الخاصة والعمل على تكريس ودعم دور ريادة الأعمال في تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل من خلال تنفيذ محاور المشروع. كما يساهم المشروع في توفير مجموعة من الخدمات مثل المنح التعليمية والماجستير لدراسة مجال ريادة الأعمال بشكل أعمق وعلى نطاق أوسع، ودعم وتأسيس حضانات أعمال للشركات الناشئة التي تقدم أفكاراً جديدة في سوق العمل.
وفيما يتعلق بالتعليم والتدريب، أشار الزيني، إلى أنه بدأت خطة التطوير الشامل للتعليم في مصر ليصبح من أهم الفرص التي تتيح للشباب أن يندمج في المجتمع بالإضافة إلى اكتساب المهارات الشخصية والعلمية والاجتماعية ومن ثم يستطيع ان يرتقي بنفسه ويضحى قادرا على التفكير المنظم وأن ينمي ذاته وأن يحظى بفرصته في بناء مستقبله. وتنقسم استراتيجية تطوير التعليم إلى أربعة محاور هى: تطوير نظام التعليم، وتعديل نظام الثانوية العامة، وفتح المدارس اليابانية، والمدارس التكنولوجية بالنسبة للتعليم الفني.
ولفت إلى أن عام 2016 شهد انطلاق بنك المعرفة المصري، حيث قدم خدماته المعلوماتية في مختلف مجالات المعرفة الدولية بالمجان.
أما عن مجال التدريب، لفت إلى أنه تم إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب في 28 أغسطس 2017 كهيئة عامة طبقا للقرار الجمهوري رقم 434 لسنة 2017 ويترأس مجلس أمناءها رئيس الجمهورية.
وقال محسن الزيني في الدراسة: من ضمن البرامج المتعددة التي تقدمها الأكاديمية الوطنية للتدريب، في إطار الاهتمام بخلق قاعدة شبابية واعدة مؤهلة لحمل لواء القيادة في كافة المجالات، البرامج الرئاسية لتدريب الشباب، والتي تعمل الأكاديمية من خلالها على ضخ الكفاءات الشبابية في شرايين القطاع الحكومي وغيره من القطاعات. كما يمتد تأثير البرامج الرئاسية لدعم قيادات وكفاءات البلدان العربية والأفريقية الشقيقة.
وأكد أن الأكاديمية خلال الفترة الماضية، نجحت في أن تقدم بالفعل نماذج مضيئة شغلت مواقع تنفيذية وتشريعية، فتم تعيين ٨ من خريجيها نوابا للمحافظين كما تم اختيار ٦ من خريجيها أعضاء معينين بمجلس الشيوخ، بالإضافة لتعيين اثنين فى مجلس النواب وانتخاب أربعة آخرين به.
وقال: نستطيع أن نخرج مما سبق بنتائج هامة .. من ضمنها أن هناك ضرورة قصوى لدعم وجود المزيد من الشباب في المواقع القيادية بالأجهزة الإدارية في الدولة، والعمل المستمر على رفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي وترسيخ قيم المواطنة لديهم، بالإضافة إلى مواجهة الاختراق الفكري والثقافي، والتركيز على النقاط الناصعة في تاريخنا القديم والحديث لتكون أكبر حافز لشبابنا على النهوض والحفاظ على هويتنا.
وأشار إلى أن الأهم يجب إشراك الشباب في التنمية الاقتصادية، فهم الهدف والوسيلة ولن تفلح أي جهود للإصلاحات الاقتصادية بدون سواعد هؤلاء الشباب.
واختتم محسن الزيني، دراسته قائلا: على الجانب الآخر، هناك أيضا واجبات ومسئوليات عدة تقع على عاتق الشباب، أهمها التسلح بالعلم والمعرفة واكتساب الخبرات العملية والحياتية، واستيعاب التطور التكنولوجي والاتجاه إلى الاستخدام الإيجابي لمنجزاته، والاعتداد بتاريخنا وثقافتنا، والتمسك بجذورنا وهويتنا.