الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إبداع الصانع لأوبرا 40 (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استمد الكاتب اسم رواية”أوبرا ٤٠” من فكرة الأربعين ليلة حب التى قضاها الشهيد/عبد الله مع عالية بعد زواجهما وقبل قتله، وكذلك فصول الرواية ال ٤٠.. أما مسمى”أوبرا” فربما لأنها عامل مشترك بين شغف بطلة الرواية”عالية” بالأوبرا، والليالى التى أمضتها الشخصيات فى رحاب فن الأوبرا.. كذلك الأعمال الفنية التى كتبت من وحى الرواية وقدمت فى شكل أعمال أوبرالية، بالإضافة لكون العمل مؤلفا دراميا حاول فيه المؤلف المزج بين عناصر فنية متعددة على الورق متشبه بفن الأوبرا على المسرح.. تمتد الرواية زمنيا بين القرن التاسع عشر والواحد والعشرين.. أما الحدود المكانية فتدور بين العراق والحجاز وتركيا وباريس وإيطاليا ومصر..وتقدم معلومات تاريخية حول العائلات الحاكمة ودسائس القصور وكأنها روايات صغيرة فى قلب الرواية الأم..كما تسجل الرواية لحظات تاريخية قد تبدو عابرة، ولكنها فى الواقع تدلل على شكل الحياة في المنطقة العربية فى أوائل القرن الماضي، والصورة الحضارية التى إتسم بها البعض فى بلداننا العربية، ومع ذلك لم تتصدى للأفكار العقيمة والجهل الذى كان أكبر.. فمثلا تنقل عالية بسيارتها بين بغداد وبيروت عام 1930..وإنشائها -مع المبتعثات العراقيات في الجامعة الامريكية ببيروت- حركة طلابية تطالب بإستقلال المرأة عن هيمنة الرجل!.. ويأخذنا الكاتب لثقافات متعددة من خلال زيارة الأبطال للمتاحف والمزارت الأثرية، فيستعرض معلومات عامة وطريفة.. ويتطرق لتفاصيل مهمة فيما بين السطور، فمثلا ألاعيب الحركة الصهيونية لإجبار اليهود للهجرة لإسرائيل، ونشر شائعات عنهم في مواطنهم الاصلية ومحاكماتهم وإعدامهم ظلما، ثم التمثيل بجسسهم ليشعر باقي اليهود بالإضطهاد ويجبروا على الهجرة لإسرائيل، من خلال ذكر وقائع تفصيلية وأسماء حقيقية.. ومعلومات حول الثورة الفرنسية ودور المؤسسات الصهيونية في التمويل والعبث بمقدرات الدول.. وكما يتطرق إلى أحداث تاريخية هامة أثرت على أفكار ابطاله في تلك الفترة، ويعرضها بطريقة شيقة مثل:وقوع البصرة تحت يد بريطانيا بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية عام 1914.. واختيار الإنجليز  للجنود في جيشهم من الطائفة السيخية الهنود حتى لا تأخذهم رحمة بالقوات العثمانية المسلمة، للعداء التاريخي بينهما.. فيجمع الكاتب بين الأسلوب الأدبى القصصى الروائى وعرض الأحداث التاريخية، وإن كان لا يعتمد فقط على قراءة الأحداث أو سردها، بل يطلق العنان لخياله لتصور الأفكار التى دارت فى خلد أبطاله، فقدم الحقائق بأسلوب أدبى إبداعى، واستخدم الخيال فى رسم الواقع بصورة جمالية.. لنرى قالبا أدبيا فريدا يجمع بين رواية السيرة بشقيها، والرواية التاريخية والرومانسية، وفى نفس الوقت الرواية النفسية التى تصف أحاسيس الأبطال وتحلل شخصياتهم وتخبرنا بأحاديث النفس التى تراودهم، فيجعل القارئ يعايش أبطال الرواية ويشعر بأدق مشاعرهم.. وقد قدم الكاتب تفاصيل دقيقة أشبه بالسيناريو، ورسم بكلماته الشخصيات التى تناولها، وبالتأكيد ساهمت اللوحات الفنية المعروضة فى توغل القارئ داخل أحداث الرواية وزمنها وأجوائها.. وإن كنت أرى أن الجانب الشكلى كان يتطلب الإشارة للصور بأرقام الصفحات، حتى لا يتوه القارئ عند البحث على الصور المشار إليها.. أما استخدام العامية الخليجية فى أجزاء كثيرة، فقد جعل للرواية خصوصية تربطها بالبيئة المحلية إلى حد ما، ورغم تفسير الكاتب لبعض المعاني ما بين الأقواس، وإمكانية تفسير المعنى من سياق الحوار والأحداث.. إلا أن غرابة الألفاظ قد تعيق بعض من لم يعتادوا اللهجة الخليجية.. أما المأخذ الذى أراه فهو الانتقال المفاجئ أحيانا من الماضي للحاضر دون منطق ظاهر..إلى جانب التكرار فى بعض الأحيان.. ورغم أن الكاتب سطر فى آخر الرواية أن”هذه قصة خيالية لا تمت للحقيقة بصلة ولا يهم إذا كانت أو لم تكن!”.. إلا أن كل الشواهد والوقائع تؤكد أننا أمام أحداث حقيقية، بعضها موثق بالصور.. وإلا ما كانت الأديبة/مى زيادة تتناول إستشهاد عبدالله فى مقال نشر بالرواية!..وقد دفعنى إعجابى بالرواية للبحث حول شخوصها، فتأكدت من واقعية الأحداث، وإن كان المؤلف قد إستخدم
أسماء مستعارة قريبة نطقا من الأسماء الأصلية -ربما كى لا يسبب حرجا لأى شخص- رغم أنه ذكر إسم القاتل ”بن فالح" كما هو.. وفى ختام فصول الرواية الاربعين وضع ما أسماه(الفصل المحذوف).. والذى كتبته (نوف أحمد العدل)، وذكرت أسماء عائلتها، وهى نفس أسماء عائلة الكاتب الذى ذكرها فى المقدمة!.. وكأنه اعتراف ضمنى بأن ما كتبه هو سيرته الذاتية، وسيرة عائلته.. فكل التحية والتقدير للطبيب والعالم المبدع دكتور/أحمد الصانع على تلك الملحمة الإبداعية، والتى حقق بها العدل، على الرغم من الأسماء المستعارة!..ورغم أن القاتل ربما أفلت من العقوبة الدنيوية، إلا أن الحق إنتصر فى النهاية بعد ما يقرب من قرن من الزمان، بنشر هذا العمل الإبداعى الذى خلد ذكرى أبطاله ومنحهم حياة أبدية، وإقتص ممن ظلموا وفجروا، فكانت الرواية عقابا دنيويا يظل يطاردهم حتى وإن أفلتوا من العقاب وهم أحياء.. ليثبت الصانع أن حق الدماء وإزهاق الروح واقتناص حقوق العباد لا يسقط بالتقادم، حتى وإن ظن البعض أنه ضاع بين البشر!