قال نائب رئيس المجلس الأوروبي، جوزيب بوريل،إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي التأهب للدفاع عن مصالحه وقيمه في ظل نظام عالمي تتصاعد فيه النزاعات، لافتًا إلى أن التهديدات لا ترتبط فحسب بصراعات بين جيوش أو حول أقاليم، بل لها صلة أيضًا بنوعيات أخرى من التهديدات الهجينة، والتضليل، والهجمات السيبرانية.
جاء ذلك في مقال للمسؤول الأوروبي نشرته مجلة "ديفينس نيوز" الأمريكية، ضمن ملف موسع للتوقعات العسكرية والأمنية لعام 2022، استقطب أكثر من 26 شخصية بارزة من الدول الغربية والحليفة من بينهم وزراء دفاع، وقادة عسكريون، وباحثون وخبراء استراتيجيون بارزون، ومديرو شركات دفاعية وتكنولوجية كبرى.
وتوقع بوريل في مقاله أن تلعب الصناعات والابتكارات العسكرية دورًا جوهريًا في تحفيز التعاون الأوروبي على صعيد الصناعات العسكرية الاستراتيجي قائلا "إننا نعيش في عصر تزداد فيه المنافسة الاستراتيجية بين الدول والتهديدات الأمنية المعقدة، التي استدعت سياسات القوة لكي تحتل المشهد مجددًا،و ليس هذا هو العالم الذي اختاره الأوروبيون- إنه العالم الذي نواجهه، لذا يتعين على الاتحاد الأوروبي التأهب للدفاع عن مصالحنا وقيمنا في ظل نظام عالمي تتصاعد فيه النزاعات.
وقال إن التهديدات الجديدة ليست مرتبطة فحسب بالنزاعات بين جيوش أو حول أقاليم، فقد أصبحت التهديدات الهجينة، وحملات التضليل، والهجمات السيبرانية جبهات جديدة للصراع الجيوسياسي، كما غدا الاعتماد المتبادل مثيرًا للصراع، حتى القوة الناعمة جرى تسليحها، وخير مثال على ذلك، ما شهدناه من "دبلوماسية اللقاح" الخاصة بتسليم اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19.
وأوضح أنه في ظل بيئة أمنية تزداد عدائية، لا يمكننا تحمل نتائج أن نتعامل مع أمننا وفق مبدأ "الأمور تسير كالمعتاد"، فالأمر يتطلب منا زيادة قدرتنا وإرادتنا على الفعل، وتلك هي الجوانب التي تسعى لعلاجها "البوصلة الاستراتيجية"، التي طرحتها أمام الدول الأعضاء في نوفمبر الماضي.
وأضاف أن مفهوم "البوصلة الاستراتيجية"، هو مقترح سياسي يرسم ملامح الطموح الأسمى لسياستنا الأمنية والدفاعية، ويحدد السبل الواضحة لكي يصبح هذا الطموح واقعاُ، ويصوغ لنا تقييمًا للتهديدات والتحديات التي نواجهها، ويقترح الإرشادات العملية لتمكن الاتحاد الأوروبي من أن يصبح مزودًا للأمن العالمي الذي يحمي مواطنيه، وقيمه، ومصالحه، ويساهم في إحلال السلم والأمن الدوليين.
وأفاد بوريل تقدم (البوصلة الاستراتيجية) مقترحًا سياسيًا لإعداد رؤية استراتيجية مشتركة للأمن والدفاع، في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر المقبلة، إنها خطة طموحة لكن يمكن تحققها لتقودنا إلى تقوية سياستنا الأمنية والدفاعية.
وذكر أن البوصلة تسهم في بناء ثقافة استراتيجية مشتركة، لتقوية الوحدة والتضامن، ولتحفيز قدرات الاتحاد الأوروبي وإرادته للعمل سويًا، ولحماية مصالحنا، وللدفاع عن قيمنا حول العالم، وأخيرًا إنها تقدم لنا جملة مقترحات لتحقيق تماسك أكبر، وخلق شعور عام مشترك لقبول الغرض من الأفعال الأمنية والدفاعية، وتعيين أهداف واضحة ودلالات لقياس التقدم الحاصل.
وأشار إلى أن الخيارات المطروحة على الطاولة طموحة وبعيدة المدى، وتغطي طيفا واسعًا من القضايا الأمنية والدفاعية؛ بدءًا من إدارة الأزمات إلى التهديدات الهجينة، ومن الدفاعات السيبرانية إلى الأمن الفضائي والبحري أو الشراكات بينها، لكن لتحقيق الغاية القصوى من البوصلة الاستراتيجية، فإننا بحاجة أيضًا إلى التأكيد على أن أفعالنا واستثماراتنا لتطوير القدرات الدفاعية والتكنولوجيات الجديدة تسير في نفس المسار.
وقال بوريل في مقالته أنه على هذا الصعيد لدينا واجبات يتعين القيام بها فالاتحاد الأوروبي ثاني أكبر منفق عسكري في العالم، إذ تصل ميزانية الدفاع المجمعة له إلى 226 مليار دولار، ويلي في ذلك الولايات المتحدة لكن الولايات المتحدة تتجاوز الاتحاد الأوروبي إلى حد بعيد في القدرات المتاحة، فلا يزال الاتحاد الأوروبي يعاني بشدة تفتتًا ونقصًا في الكفاءة.
وأوضح لا يزال حوالي 80% من المشتريات الدفاعية يدار على أساس قومي بحت، وغالبًا ما يقودنا ذلك إلى ازدواجية مكلفة في القدرات، كما أن 9% فقط من البحوث الدفاعية والتكنولوجية يتم إجراؤها عبر التعاون بين الدول الأعضاء، وللتغلب على ذلك وضعت "البوصلة الاستراتيجية" مقترحات للاستثمار فيما تجتاحه أوروبا من قدرات، وتحفيز عمليات الشراء المشترك للمعدات والتكنولوجيات التي تُطور على المستوى الأوروبي.
وأضاف تقترح "البوصلة الاستراتيجية" أيضا سبل الاستثمار في الابتكار، والاعتماد الاستراتيجي، وتأمين سلاسل الإمداد، ولا شك أن التقنيات الجديدة والاعتراضية تغير من نمط جبهات القتال المستقبلية، ولديها تأثير متزايد على قطاع الدفاع،ويعد تطوير هاتين التقنيتين أمرًا حيويًا للحفاظ على التفوق العسكري.
وذكر بوريل لقد حددنا هياكل طموحة لتحقيق ذلك، لكن يتعين علينا الاستفادة القصوى من جميع الآليات المتاحة مثل "التعاون الهيكلي الدائم"، و"المراجعة السنوية المنسقة"، و"صندوق الدفاع الأوروبي"، مع ضرورة العمل على تحديث تلك المشروعات وتطوير برامج أخرى جديدة.
ونوه إلى أنه تعد الآلية الأخيرة (الصندوق) محورية لتعزيز التعاون، حيث تمثل ميزانية "صندوق الدفاع الأوروبي" EDF البالغة 8 مليارات يورو (بما يعادل 9 مليارات دولار) خلال الفترة 2021- 2027، خطوة تغير مهمة تجعل الاتحاد الأوروبي من بين أكبر ثلاثة مستثمرين في البحوث الدفاعية داخل قارة أوروبا.
ولفت إلى أن تأكيد الترابط بين مبادرات الدفاع للاتحاد الأوروبي بات أمرًا محوريًا، وهناك "القبعات الثلاث" التي تحدثت عنها- الممثل الأعلى ونائب رئيس المجلس الأوروبي ورئيس وكالة الدفاع الأوروبي- التي أعمل فيها وأشارك زميلي المفوض، ثيري بريتون.
وأوضح غير أن الحصول على منظومة دفاع أوروبي قوية تتطلب أيضًا صناعة دفاع أوروبية منافسة ومبتكرة؛ تلك القادرة على تقديم إمكانات ضرورية متطورة ومتفوقة لقواتنا المسلحة، ولا شك أن تجديد الحافز للتعاون الدفاعي- عبر مبادرات الدفاع المتنوعة، و"البوصلة الاستراتيجية"، مع زيادة شاملة في ميزانيات الدفاع- سيخلق ظروفًا ملائمة لتقوية تقنيات الدفاع الأوروبي والقاعدة الصناعية به.
وأفاد سيلعب التعاون الصناعي الدفاعي دورًا جوهريًا في تحفيز التعاون الأوروبي في ذلك المجال الاستراتيجي، لهذا السبب ينبغي على الدول الأعضاء وصناعات الدفاع الانخراط في حوار نشط وفعال لدعم تحقيق دفاع أقوى للاتحاد الأوروبي، وليصبح الاتحاد الأوروبي أقوى على المستوى العالمي".