قال باحثان في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" IISS إنه مع غياب الصراعات الإقليمية بين دول منطقة أمريكا الجنوبية، ألقت حكومات المنطقة بثقلها وتركيزها على عمليات مكافحة تهريب المخدرات،ومكافحة التمرد وأعمال العنف محليًا والعابرة للحدود بين الدول، وهو أمر أثر سلبًا على الإنفاق العسكري ومتطلباته في أرجاء المنطقة.
وأفاد الباحثان، أماندا ليبو وبابلو بيكل، بأن أنشطة التسليح والتدريب والتعاون لمكافحة الجريمة المنظمة في منطقة أمريكا الجنوبية، تعتمد بكثافة على تعاونها مع الولايات المتحدة الأميركية، غير أن الحضور الصيني الأخير في قطاعي الدفاع والأمن بالمنطقة أثار قلق واشنطن لأنه بات يشكل تحديًا للنفوذ الأمريكي هناك.
جاء ذلك في مقال لقائد سلاح الجو الأميركي نشرته مجلة "ديفينس نيوز" الأمريكية، ضمن ملف موسع للتوقعات العسكرية والأمنية لعام 2022، استقطب أكثر من 26 شخصية بارزة من الدول الغربية والحليفة من بينهم وزراء دفاع، وقادة عسكريون، وباحثون وخبراء استراتيجيون بارزون، ومديرو شركات دفاعية وتكنولوجية كبرى.
وتابع الباحثان في مقالهما المشترك القول: "إن "دراسة الصراع المسلح 2021"، التي أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS، كشفت أن تركيز جيوش أمريكا الجنوبية لا يزال ينصب بصفة رئيسية على التهديدات الأمنية المحلية، في ظل طموحات تخطيط قوة مقيدة، في أغلب الأحيان، بتحديات تتعلق بقدرتها على توفير العتاد الرئيسي إضافة إلى نقص التمويلات المخصصة لذلك.
وأبرزت الدراسة أن استمرار عصابات الجريمة المنظمة في إشعال فتيل العنف والاضطرابات في المنطقة، أدى إلى توليف النفقات الدفاعية بما يخدم الإنفاق على الأمن الداخلي.
وتعد البرازيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها جهود ملحوظة لشراء عتاد عسكري وتحديثه، فضلًا عن توسعها في التعاون الدفاعي الدولي رغم ضغوط الموازنة لديها.
وتعتمد معظم الدول في أمريكا الجنوبية على دعم الولايات المتحدة في العديد من الأنشطة المرتبطة بقطاع الدفاع، كشراء العتاد، وتدريب القوات، والتعاون الأمني، ومحاربة العصابات الإجرامية العابرة للحدود، كما تعتمد المنطقة على صادرات المعدات والعتاد من البلدان الأوروبية، لكن ازدياد الحضور الصيني في مجالات الدفاع والأمن يمثل تحديًا لنفوذ الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
وأوضح الباحثان في مقالهم المشترك أنه مع غياب الصراعات الإقليمية بين دول منطقة أمريكا الجنوبية، تلقي حكومات المنطقة بثقلها وتركيزها على عمليات مكافحة تهريب المخدرات ومكافحة التمرد وأعمال العنف محليًا والعابرة للحدود بين الدول.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تزايد نشر القوات في مهمات أمنية داخلية، وهناك دول في المنطقة لديها قدرات محدودة لا تمكنها من نشر قوات خارج حدودها بشكل مستقل- ونخص بالذكر البرازيل والأرجنتين، وشيلي، وبيرو- غير أنها تشارك بصفة منتظمة في مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وإن كانت بأعداد وإسهامات قليلة.
وأفاد المقال أن القوات البحرية في أمريكا الجنوبية تركز على مكافحة عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود، والقرصنة، والصيد غير المشروع، كما تولي اهتمامًا بالحفاظ على سيادة شواطئها، وتعد البرازيل أكبر دولة تتمتع بأقدر قوات بحرية في المنطقة، بينما تتمتع كولومبيا بأكبر عدد من القطع البحرية في أمريكا الجنوبية، وتتألف من سفن حربية وسفن للدوريات الساحلية.
ولدى الدولتين خطط تحديث أسطولهما بشكل جوهري، فمن جانبها تسعى كولومبيا للحصول على خمس سفن قتالية جديدة، وأربع غواصات تعمل بالديزل، إلا أن تقدمًا ضئيلًا تم إحرازه في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه، تقوم البرازيل ببناء غواصة هجومية تعمل بالوقود التقليدي، بموجب اتفاق مع فرنسا للتعاون التكنولوجي والدعم الفني لبناء الغواصة، كما أنها تخطط لبناء أول غواصة تعمل بالطاقة النووية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وبموجب عقد مبرم عام 2020 مع شركة "ثايسينكروب مارين سيستمز" الألمانية لبناء أربع فرقاطات جديدة محلية الصنع بحلول نهاية العقد الحالي.
وذكر الباحثان في مقالهم أنه رغم أن العديد من الدول لديها متطلبات لامتلاك مقاتلات حربية جديدة، فإن البرازيل هي الدولة الوحيدة التي لديها برنامج لذلك قيد التعاقد، فمن المنتظر أن تستلم 36 طائرة مقاتلة من طراز "جريبن إي/إف" بموجب "برنامج F-X2" الذي أبرمته مع شركة "ساب" السويدية لصناعة الطائرات.
وتتضمن الصفقة استثمارا كبيرًا في الصناعة المحلية البرازيلية، حيث افتتحت شركة "ساب" مصنعًا لهياكل الطائرات في البرازيل، وستقوم شركة "إمبراير" تجميع 15 طائرة فيه، وكان سلاح الجو البرازيلي أكد في وقت سابق أنه يحتاج شراء 108 طائرات مقاتلة، رغم أن ضغوط الموازنة سيصعب من مهمة تحقيق ذلك.
وتظل الأرجنتين وكولومبيا في مراحل الاختيار والمفاضلة لإحلال أسطولهما الجوي المتهالكين من طرازات "إيه-4 سكاي هوك" و"كفيرز" على التوالي، حيث خصصت الأرجنتين 664 مليون دولار لشراء مقاتلات جديدة، ويقال إنها ستكون الطائرة الباكستانية- الصينية الصنع "جيه إف-17 ثاندر".
أما كولومبيا فلا تزال تدرس خيارات عديدة، إذ تفاضل بين "اليوروفايتر" الأوروبية، و"جريبن إي/ إف" السويدية، و"إف-16 بلوك 70"، ومحتمل أيضًا "إف-35" الأميركيتين.
ومع تصاعد التوترات مع الجارة فنزويلا- التي لأزالت، رغم مصاعب التشغيل التي تعانيها، تمتلك أقدر أسطول طائرات مقاتلة في المنطقة يتألف من مزيج "إف-16إيه/بي" (الأمريكية) و"سو-30إم كيه في" (الروسية)- فإن الحكومة الكولومبية ربما ستفضل إرجاء عملية إحلال مقاتلاتها من طراز "كفير" لتعطي الأولوية لبرامج الأمان الاجتماعي.
ونوه الباحثان إلي أنه طرأ تقدم طفيف على القدرات الفضائية في منطقة أمريكا الجنوبية، فقد وقعت حكومة شيلي هذا العام اتفاقًا مع شركة "سبيس إكس" الأمريكية لإطلاق 10 أقمار صناعي، من بينها ثمانية سيتم بناؤها محليًا بموجب الاتفاق الذي يدوم 10 سنوات.
ومن المقرر أن تحل كوكبة الأقمار، التي أُطلق عليها "منظومة الأقمار الصناعية الوطنية"، محل القمر الصناعي FASat Charlie، أول نظام شيلي للمراقبة الأرضية عالية الوضوح، الذي تعرض لعطب في عام 2017 جراء اصطدامه بحطام فضائي.
وفي أبريل من العام الماضي، وكجزء من منظومات برنامج الفضاء الاستراتيجي، وقعت "وكالة الفضاء البرازيلية" و"سلاح الجو البرازيل" اتفاقًا مع شركة "فيرجين أوربيت"، أول شركة محلية لإطلاق أقمار صناعية في الفضاء، في "مركز ألكانتارا الفضائي"، حيث يتيح هذا الاتفاق للبرازيل الدخول إلى السوق الإقليمي للإطلاق التجاري للأقمار الصناعية في الفضاء، الذي تهيمن عليه حاليًا جويانا الفرنسية.
من المتوقع خلال العام الحالي 2022 أن تُلقي المصاعب المالية، التي فاقمتها جائحة كورونا الراهنة، بتداعيات سلبية على الاستثمارات الحكومية على الدفاع وسياسات الأمن الداخلية على المديين المتوسط والطويل.
وحال حدوث ذلك، فإن القدرات الدفاعية الإقليمية قد تواصل تراجعها، ما يؤدي إلى حدوث ثغرات في إمكانيات المنطقة وقدراتها، ويجعلها غير مهيأة لمواجهة التحديات المستقبلية".