أصبحت ظاهرة الإرهاب واحدة من الظواهر العالمية والتي تلقى اهتماما بالغا على المستوى الدولي، ومع انحصار داعش في منطقة الشرق الأوسط وكذلك التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، تتجه العيون إلى منطقة البلقان حيث كانت واحدة من المناطق المهمة التي تمد هذه التنظيمات بمجندين جدد، وتعد روسيا والصين من أهم الدول التي تؤرقها إشكالية وجود تنظيمات إرهابية في هذه المنطقة ففي بداية ديسمبر ٢٠٢١، أكد «دميترى بوليانسكى» النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة أن الفرع الأفغاني لتنظيم «داعش»، أحد العوامل الرئيسة في زعزعة استقرار أفغانستان، ويهدد دول آسيا الوسطى.
وقال فى اجتماع لمجلس الأمن الدولي: «الجناح الأفغاني لداعش (الخلافة الإسلامية في خرسان) يظل أحد العوامل الرئيسية في زعزعة استقرار الوضع في أفغانستان».
وأضاف: «الخطر يتمثل في توسع أنشطته الإيديولوجية والدعاية والتجنيد مع الاستخدام الماهر لتقنيات المعلومات والاتصالات».
وأشار الدبلوماسى الروسى إلى أهمية التنفيذ الفعال لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن نظام العقوبات ضد تنظيمى «داعش» و«القاعدة».
وشدد على ضرورة التركيز على مشكلة الإرهابيين الأجانب المنخرطين في قوائم عقوبات مكافحة الإرهاب لمنع أنشطتهم الإجرامية وقمعها. وتعاني هذه المنطقة بالفعل من انتشار جماعات متطرفة بداخلها أبرزها «الجماعة الإسلامية الأوزبكية»، والتي كانت موالية لتنظيم القاعدة ومؤسسة أسامة بن لادن، كما أسهمت في العمليات التي نفذها التنظيم، وذلك بحسب مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة التي أدرجت الجماعة على لائحتها للإرهاب في أكتوبر ٢٠٠١.
ومع بداية نشاط تنظيم «داعش» وانتشاره على الساحة الدولية أعلن تيار من الجماعة الإسلامية الأوزبكية انضمامه للتنظيم، ما يعني أن استفحال وضع «داعش» في المنطقة وبالأخص الحدودية، سيضع دول آسيا الوسطى في مواجهة مباشرة مع علاقات تعاونية قد تجري بين فرع خراسان وأتباعه بالداخل، غير أن النجاح الظاهري لحركة «طالبان» في أفغانستان قد يستميل الإرهابيين بالداخل لمساعدة داعش في تكوين ولاية مترامية الأطراف بالمنطقة تستوعب متطرفي الداخل إلى جانب القادمين من سوريا والعراق ومناطق انحسار التنظيم لمنافسة النموذج الطالباني.
ولا يقتصر الانتشار الإرهابي بداخل آسيا الوسطى على ارتباطات أيديولوجية بالتنظيمات الراديكالية ذات البعد الدولي وحسب، ولكن تتورط الجماعات بالداخل في تنفيذ الهجمات المختلفة من آن لآخر.
ووفق تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسى» في نوفمبر بعنوان «الشبكات الجهادية تتعمق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في آسيا الوسطى»، فإن نشاط التنظيمات الإرهابية يتنامى بصورة واضحة في دول المنطقة منها طاجكستان، حيث يسعى تنظيم داعش لاستقطاب عناصر من الشباب من هذه الدول عبر شبكات مواقع التواصل الاجتماعي من خلال جيل جديد ممن يعرفون بـ«المتطرفين الرقميين» في آسيا الوسطى.
وقال التقرير إن عدد القنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصل إلى ما يقرب من ٥٠٠ قناة وموقع تستخدمها التنظيمات المتطرفة في آسيا الوسطى عبر تطبيق «تليجرام»، بالإضافة إلى «فيسبوك» و«إنستجرام» و«تويتر» و«يوتيوب».
ويحاول تنظيم «داعش» بشتى الطرق تجنيد أنصار جدد من منطقة أسيا الوسطى ودول البلقان، وخلق قنوات جديدة للتوسع والانتشار، وقد تمكن بالفعل خلال النصف الثاني من ٢٠٢١، من إنشاء نحو ١٨٠ قناة مغلقة على «تليجرام»، ووصل عدد المتابعين إلى ١٢٣ ألفا، معظمهم مؤهلين لآلية الاستقطاب.
ويسعى تنظيم «داعش» أيضا للتوسع فى لغات الإصدارات التي بلغت ٤٠ لغة حتى الآن، علاوة على إعادة نشر محتويات التنظيم القديمة.
وأيضا ستكون لدى حركة «طالبان» الموارد الكافية لاستهداف دول آسيا الوسطى، وهي بالفعل تهدد طاجيكستان بشكل عام، وهناك مخاطر من نشر القواعد العسكرية الأجنبية في آسيا الوسطى ستتجاوز أي فوائد وستضع حدًا لمشاريع البنية التحتية الكبيرة في أفغانستان المتعلقة بمد أنابيب الغاز وخطوط الكهرباء وممرات النقل.
يذكر في هذا السياق أن، قال الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، إنه لا داعى للتسرع في الاعتراف الرسمى بحركة طالبان، وأضاف الرئيس الروسى خلال اجتماع رؤساء بلدان رابطة الدول المستقلة: «نحن نتفهم أننا بحاجة إلى التفاعل معهم (طالبان)، لكن يجب ألا نتسرع، حسبما نقلت «روسيا اليوم».
وقال «بوتين» إن هناك ٢٠٠٠ مقاتل من تنظيم داعش في شمال أفغانستان، ويخطط قادتهم للتأثير على دول ومناطق أخرى في روسيا.
كل هذه المعطيات وغيرها إنما تؤكد تخوفات المجتمع الدولي من أن تكون آسيا الوسطى مسرحا للجماعات الإرهابية وملاذا آمنا لها بعد ما فقدته في منطقة الشرق الأوسط والمتمثل في هزائم الإخوان المتتالية في مناطق نفوذها وكذلك هزيمة تنظيم داعش في العراق والشام.