ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، قداس رأس السنة الميلادية في الكاتدرائية المريمية في دمشق.
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: "نفتتح السنة الجديدة والوباء لم يزل حاضرا وبقوة. حصد أحبة لنا وما زال يحصد، ووسط كل هذا، ووسط خلاف على الوباء عينه وعلاجه، يستمر الإنسان وتستمر الإنسانية في مقاربة كل شيء بمنطق التنابذ والمواجهة بدلا من الحوار والتواصل، أطنان من الأسلحة ومن سائر الأنواع حشا بها الإنسان سطح هذه البسيطة تحديا ومجابهة لأخيه الإنسان.
تاريخ من حروب وصراعات أتاها ذلك البطش البشري وكرسها ويكرسها منطق التعالي والاستكبار والتنابز والتنافر. ومع هذا كله، يأتي الوباء الحاضر ليقول لكل منا. نحن على هذه البسيطة ركاب قارب واحد ومدعوون أولا وأخيرا إلى أن نمجد الله بإلفتنا وتعاوننا وتكاتفنا كبشر أرادهم الله في سلامه فجنحوا إلى سلامهم المبني على نبذ الآخر. نصلي اليوم ونرتمي على أقدام طفل المغارة لكي يرأف بعالمه ويزيل الوباء الحاضر. نصلي إليه أن يغرس سلامه ويشدده في قلوب الناس ليعلموا أن رايات السلام تستمد من العلاء وأن القلوب التي لا يسكنها رب السلام لا يمكن لها أن تبني إلا حضارة رقمية تبهر العين ولا تأسر القلب".
وتابع: "في رأس السنة الميلادية نصلي من أجل السلام في سوريا. نصلي من أجل سوريا التي تخرج من مخاض الحرب لكن تداعياتها تحاصر إنسانها بلقمة عيشه. تخرج من نار الحرب ويئن اقتصادها تحت نارها ويأخذ معه خيرة الشباب هجرة وراء لقمة العيش. آن لصليب هذا البلد أن يصل إلى عتبة قيامة. آن لأوجاع هذا الشعب أن تنتهي وللقمة عيشه أن تخرج من تحت وطأة الحصار الاقتصادي الآثم. آن لحربة هذا الشرق أن تنكسر بتلاقي بلدانه وشعوبه يدا واحدة. في رأس السنة الميلادية، نصلي من أجل لبنان والاستقرار في لبنان. نصلي من أجل شعبنا في لبنان الذي يرزح تحت الضائقة المادية وتحت وطأة انفجار مرفأ بيروت. الكل ينتظر، وعلى رأسهم أهالي وذوو المتوفين والمتضررين، ولهم الحق بذلك، ما ستسفر عنه التحقيقات في ملف المرفأ وفي الملف الاقتصادي عامة. ومن هنا الدور المحوري للقضاء وللهيئات المختصة، بعيدا من التسييس والتعاطي بمنطق النكاية، في الكشف عن ملابسات ما حصل سواء في المرفأ أم في المال العام وتفعيل منطق المحاسبة سواسية وعلى الجميع".
وأكد يوحنا العاشر، أنّه "رغم كل شيء، يبقى هذا الشرق قطعة من هويتنا المسيحية ومن صلب شهادتنا ليسوع المسيح ربا وإلها ومخلصا. يبقى هذا الشرق، ومهما جار عليه وجه الزمان، بعضا من كينونتنا المسيحية كمسيحيين أنطاكيين فيه وفي كل بقاع الأرض. أرضنا منا هوية وكيان. منها رضعنا الإيمان مع حليب الأم وإلى ثراها سنسند رؤوسنا إلى جوار من سبقونا من أجداد.
نعيد اليوم لميلاد المسيح بالجسد، وفي القلب غصة المخطوفين كل المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفان منذ نيسان 2013 وسط صمت وتعاجز دولي مستنكر ومشجوب. نصلي جميعا من أجل كشف ملابسات هذا الملف ووضع خواتيمه المرجوة. صلاتنا اليوم من أجل أهلنا الصامدين في كل أرض محتلة.
دعاؤنا من أجل فلسطين وشعب فلسطين. صلاتنا من أجل بيت لحم التي استقبلت يسوع بالجسد. صلاتنا من أجل القدس الشريف التي عرفته متألما وقائما من بين الأموات، والتي كانت وستبقى عاصمة فلسطين ومحجة القلوب إلى مراحم الله أبي الأنوار رب السماء والأرض. صلاتنا من أجل العراق الجريح ومن أجل كل بقعة من هذا الشرق ودعاؤنا نرفعه من أجل السلام في العالم أجمع. ولأبنائنا في الكرسي الأنطاكي في الوطن وفي بلاد الانتشار طيب سلام ميلادي وبركة رسولية من كنيسة الرسولين بطرس وبولس مؤسسي كرسي أنطاكية الرسولي. بارككم الله جميعا وأجزل عليكم من بركاته السماوية".