شرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الفترة الأخيرة في برنامج لإعادة العلاقات مع عدد من الدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقد عزلت تركيا نفسها في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، كما يقول كريستيان براكيل، مدير مكتب اسطنبول لمؤسسة هاينريش بول الألمانية.
واستقبل مؤخرًا ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أنقرة، ووقع عدة اتفاقيات ثنائية قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويبدو أن الرئيس التركي قد أدرك أنه بحاجة إلى إصلاح العلاقات المقطوعة، مع عدد من الدول وعلى رأسها مصر والإمارات والسعودية.
واتخذ أردوغان خطوات نحو إصلاح العلاقات مع إسرائيل ومصر في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من أن رحلة إلى أي من هذين البلدين لا تزال غير مطروحة على الطاولة في الوقت الحالي.
وقد تزامن الحوار التركي الإماراتي مع فترة تقارب عام في الشرق الأوسط، حسبما كتبت في تعليقها صحيفة ديلي صباح التركية المقربة من الحكومة.
وقالت الصحيفة إنه من غير المنطقي إصلاح العلاقات بين الطرفين بشكل سريع، لكن الصحيفة التركية قالت إن المصالح الاقتصادية المشتركة قد تشجع المفاوضات بشأن الأزمات الإقليمية.
وأضافت في تعليقها: "يتناول هذا الفصل الجديد المنافسة المتزامنة والتعاون بين تركيا والإمارات في مناطق مثل شرق البحر الأبيض المتوسط واليونان وليبيا والقرن الأفريقي". وسيؤدي هذا التطور حتمًا إلى نوع جديد من العلاقة.
ولكن ما الذي أحدث هذا التحول في موقف تركيا، أي موقف أردوغان من هؤلاء الجيران؟
انهيار الليرة
إن ما شهدته العملة التركية الليرة خلال الفترة الأخيرة أدى بالضرورة إلى وضع أردوغان في موقف سيئ أمام بلاده، وهو الذي يدعي أنه صاحب النهضة الاقتصادية في تركيا.
وقد يسعى أردوغان إلى إصلاح العلاقات مع عدد من الدول في الشرق الأوسط من أجل إنقاذ العملة وعقد اتفاقيات اقتصادية مع عدد من الدول وعلى رأسها الإمارات.
ورغم تدخلات البنك المركزي، تراجع سعر صرف العملة التركية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
وقد اقترب سعر الدولار من خمس عشرة ليرة تركية، ما دفع البنك المركزي التركي للتدخل ببيع العملات الأجنبية في الأسواق، في محاولة للحد من تدهور سعر العملة الوطنية. تراجع بدأ بعد خفض البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي بأربع نقاط مئوية منذ سبتمبر رغم ارتفاع التضخم.
خيبة أمل
إن الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط وخيبة الأمل التركية خاصة في ليبيا لم يترك ذلك للرئيس التركي خيارًا سوى إصلاح العلاقات الإقليمية بأفضل ما يستطيع.
وسيكون هذا الأمر لا محالة من خلال السعودية والإمارات ومصر، كما أن سوء إدارته للاقتصاد يعني أن تأمين الاستثمار الأجنبي وفتح أسواق التصدير للسلع التركية أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.
تضم قاعدة حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان (AKP) العديد من شركات البناء التي استفادت من ازدهار المشاريع السكنية والتجارية التي تمولها الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر.
ووجد الكثيرون أيضًا عقودًا مربحة خارج تركيا، وهي أعمال يحتاجون إليها الآن أكثر من ذي قبل نظرًا للحالة المحفوفة بالمخاطر للوضع المالي للحكومة.
ويعرف أردوغان أن ثرواته السياسية مرتبطة بالاقتصاد، وإذا كان ثمن تأمين مستقبله هو علاقات أفضل مع جيران تركيا العرب، فهو على استعداد لدفعها.
ولقد غير أردوغان تكتيكاته وأجرى تحولات في السياسة الخارجية من قبل، دائمًا بهدف البقاء في السلطة.
ومن غير المرجح أن تساعد واشنطن أردوغان في هذا المسعى، لكنها لن تسعى أيضًا إلى إعاقته.
تغيير غير مفاجئ
جودت كامل، المحلل السياسي التركي كان له رأي في هذا الأمر، حيث قال إن السياسة الخارجية التركية تغيرت بشكل كبير بعد الانقلاب في 15 يوليو 2016، حيث تمكن أردوغان من السلطة المطلقة على كل المؤسسات من الجيش إلى الشرطة ومن الاقتصاد إلى البلديات المحلية.
وأضاف كامل في تصريحات لـ "البوابة نيوز " أن أردوغان قام بتصفية 80% من الكوادر السابقة وأنشأ نظام رجل الواحد، وغابت حرية الفكر والديمقراطية، يعني لا تستطيع مؤسسات الدولة القيام بدورها الدستوري إلا بقدر ما يسمح لها أردوغان، وبتالي توجيهات المستشارين والمعارضين لم تكن لها صدى، وانهار الاقتصاد ونزلت قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية أكثر من 30% خلال الشهور الماضية.
وأوضح أن اقتراب الانتخابات العامة والرئاسية جعل أردوغان يراجع أخطاءه ولو كان من باب المناورة السياسية، ورأى أن إعادة العلاقات التركية الإماراتية والتركية المصرية ستحل مشكلات تركيا اقتصاديا ودوليا.
وأكد أن قوة الاقتصاد الإماراتي هي من فتحت شهية أردوغان في وقت أفلست فيه خزانته ومحورية مصر جغرافيا وسياسيا في المنطقة جعلت تركيا ترجع إلى مصر لتتنفس في بحر المتوسط وليبيا التي فشلت سياسة تركيا فيهما.
كما قال عمرو الديب، المحلل السياسي، والمحاضر بمعهد العلاقات الدولية بجامعة نيجني نوفغورد الروسية، إن تركيا تحتاج إلى التهدئة في منطقة الشرق الأوسط بسبب دخولها حاليًا في مواجهة صامتة مع الاتحاد الروسي بسبب تحركاتها في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى وكذلك بسبب مساعدتها العسكرية الأخيرة لأوكرانيا خصوصا امداد أوكرانيا بطائرات بدون طيار.
وأضاف الديب في تصريحات لـ "البوابة نيوز" أن هذه التهدئة مرتبطة بالوضع الاقتصادي التركي الحالي، وعملية المواجهة مع دول مثل الإمارات العربية والسعودية ومصر وإسرائيل لن يعود عليها بالنفع حاليًا، ولكن لا ننسى هنا أن تركيا تتحرك بشكل تكتيكي لا استراتيجي مع تعاطيها مع دول الشرق الأوسط فهذه التهدئة يبدو أنها مؤقتة ونقصد بمؤقتة هنا بسنوات قليلة قادمة وليس شهور.
وقال إنه بالنسبة لدولة الإمارات بمصالحتها مع تركيا في الوقت الحالي، كما قلت مرتبطة بانخراطها في الملف السوري وهذا الانخراط يتطلب التواصل مع الجميع، وأهم لاعب في الملف السوري بجانب روسيا وإيران هي تركيا، فالتصالح الإماراتي بشكل عام مع تركيا لا يخص دولة الإمارات بشكل خاص وإنما يخص أصدقاء الإمارات الحاليين- روسيا ومصر ففشل صيغة أستانا يعطي أهمية كبيرة لأي تواصل إماراتي تركي.
أما على مستوى التدخل التركي في شئون دول المنطقة فبلا شك مؤقتًا سيتوقف، وهذا التوقف سيكون في صالح جهود الإمارات المتحدة داخل هذه الدول، مما سيقلل من النفقات والموارد التي تُبذل في سبيل ايقاف التحركات التركية الهدامة داخل دول المنطقة.
وأوضح أن هذا الأمر ينطبق على السياسة السعودية والمصرية مع تركيا، وجدير بالذكر أن الاتصالات التركية لم تُحصر مع هذه الدول الثلاث بل مع إسرائيل أيضًا، أي أننا أمام تحرك واضح من جانب تركيا هذه تهدئة الجبهة الشرق أوسطية من أجل الوضع الاقتصادي ومن أجل الجبهة القوقازية الآسيوية.