رجح مدير شركة "ألماز-أنتي" الدفاعية الروسية المملوكة للدولة، يان نوفيكوف، انتقال الصراعات العسكرية المستقبلية إلى ميادين معارك جديدة، مؤكدًا أنها ستكون أكثر قربا من محيطنا الجوي أو فوقه، ولفت إلى ما تطوره الولايات المتحدة من تكنولوجيات فضائية ومسيرات ورأى أنها ستكون أكثر خطورة وتهديدًا.
وسلط مدير الشركة الروسية الحكومية، التي تحل في قائمة أكبر عشرين شركة دفاعية في العالم،الضوء على أهم ما تحدثه الولايات المتحدة من تقنيات في قطاع الفضاء وعلى رأسها، من وجهة نظره، المركبة المدارية المسيّرة من طراز X-37، والتي اعتبرها سلاحًا متطورًا يحمل تهديدًا خطيرًا.
جاء ذلك في مقال ليان نوفيكوف، مدير شركة "ألماز-أنتي" الدفاعية الروسية، نشرته مجلة "ديفينس نيوز" الأميركية، ضمن ملف موسع للتوقعات العسكرية والأمنية لعام 2022، استقطب أكثر من 26 شخصية بارزة من الدول الغربية والحليفة من بينهم وزراء دفاع، وقادة عسكريون، وباحثون وخبراء استراتيجيون بارزون، ومديرو شركات دفاعية وتكنولوجية كبرى.
وبدأ مدير شركة ألماز- أنتي" الروسية، يان نوفيكوف، مقاله قائلًا: "من بين أهم التوجهات التي تميز تطورات الصراعات المسلحة في القرن الحادي والعشرين، يبرز مفهوم "التوسع القتالي على جبهات متعددة"، وهذا يعني أن الصراعات المستقبلية المحتملة سوف تدار وتندلع في كل ميدان: في البر، وفي البحر، وفي أعماق البحار، وفي الجو، وفي الفضاء. وحتى العمليات العسكرية المحدودة النطاق في وقتنا الحالي، لا يمكن تصور تنفيذها بدون استخدام المنظومات الجوية والفضائية للاستطلاع،والاتصالات، والملاحة.
أما التوجه الثاني فهو ازدياد كثافة العمليات القتالية في قطاع الفضاء ويتعزز نجاح العمليات العسكرية الحديثة من خلال التنسيق عبر جبهات متنوعة، لكن الضربات من المحيط الفضائي سيكون لها التأثير الحاسم.
وهنا فإن كفاءة السلاح الفضائي وتفوقه سيكون أحد العوامل الحاسمة والمؤثرة قبل سنوات، كانت المدة الزمنية ما بين اتخاذ قرار توجيه ضربة هجومية وتنفيذها بشكل فعلي تستغرق أيامًا ً أو أسابيع؛ الآن لا يستغرق الأمر سوى ساعات وأحيانًا دقائق. فالمرونة التي باتت تتمتع بها الأنظمة وقدراتها الشبحية فضلًا عن تصاعد استخدام المنظومات المسيًرة، جميعها ساهم كذلك في زيادة كفاءة الضربات.
تجري الولايات المتحدة في الوقت الراهن تطويرًا وتحديثًا لنطاقات واسعة من المعدات القادرة على توجيه ضربات سريعة ومركزة ودقيقة ضد أي نوع من الأهداف في أي مكان في العالم. وتأتي المقاتلات الفضائية متعددة البيئات والمهام، والصواريخ العابرة الفرط صوتية، والرؤوس الحربية الباليستية الفرط صوتية لتصبح أبرز تلك النوعيات.
لكن إذا تحدثنا عن أكثرها خطورة وتهديدًا، فمن رأينا، وقبل أي سلاح آخر، ستبرز المركبة المدارية المسيّرة من طراز X-37، ليس لكونها نوعية من الطائرات القادرة على البقاء في الفضاء لفترة طويلة من الزمن فحسب، بل لأنها تستطيع أيضًا أن تغير المدار الفضائي الذي تعمل فيه بشكل سريع، مع تنفيذها لعدد من المهام والوظائف الخاصة.
أول طائرة من هذا النوع أُطلقت في عام 2010، ويوجد منها حاليًا العديد. وكانت أولى عملياتها تركز على عمليات الاستطلاع.
وثانية تلك المعدات، الصواريخ العابرة- بدقتها العالية ومداها الكبير (مع ملاحظة، أن الولايات المتحدة تعمدت الانسحاب من اتفاقية الحد من التسلح في الثمانينيات)، فهي تتمتع بدور استثنائي ومهم في الوقت الحاضر. وهناك آلاف من القذائف التي يمكن استخدامها عبر منظومات متنوعة، قادرة على توجيه ضرباتها بدقة عالية وعلى نحو منسق من اتجاهات استراتيجية مختلفة.
ثالثًا وأخيرًا، المركبات الجوية المسيّرة بدون طيار UAVs، وتعد من بين المعدات الواعدة لتنفيذ العمليات القتالية، وبوسعها أن تتسبب في مشكلات خطيرة للدفاعات الجوية. فالقدرات والتكنولوجيات التي تتمتع بها المركبات المسيّرة طرأ عليها تحول مهم منذ بداية تطويرها. فبعد أن كانت لا تقوم إلا بتنفيذ مهام استطلاعية، نرى المسيّرات اليوم لديها قدرة على تنفيذ ضربات جوية. كما تسلح حاليًا بصواريخ وقنابل عالية الدقة، ويصعب رؤيتها، كما أنها زادت من أزمنة الطلعات الجوية، حتى أن بعضها بات قادرًا على البقاء في الجو لأكثر من يوم كامل. وبمقدورها أيضًا حمل شحنات أكبر وأن تُزود بترسانة واسعة من الأسلحة.
كما ان تلك المركبات المسيّرة أصبحت قادرة على العمل في شكل مجموعات، فيما بات يطلق عليه "أسراب"، وهو ما يشكل ضغطًا على منظومات الدفاع الجوي أكبر مما تسببه مجموعات مماثلة يقودها طيارون.
ومع تطور أسلحة الهجمات الفضائية أصبح لزامًا توفير العتاد المضاد الكافي لمواجهتها كي يتحقق التكافؤ أثناء أي مواجهة محتملة. لكن هناك أيضًا احتياج مستمر لتوافر القدرات الجوية ومنظومات الدفاع الجوي لمواجهة هجمات الأسلحة الفضائية الحديثة والمستقبلية.
من بين التجهيزات المضادة في تلك المواجهات، يبرز التطوير في الرادارت، والعدسات الإلكترونية، والموجات الإلكترونية المخصصة لاستخدامها على منصات حديثة فضائية، وجوية، وبرية، وبحرية، علاوة على استخدام المبادئ الفيزيائية الجديدة. ويتضمن ذلك أيضًا دمجها وتكاملها داخل نظام معلوماتي استخباراتي واحد لتحقيق ما يمكن أن يطلق عليه التوازن المعلوماتي الإيجابي بشكل يفوق الخصم.
وهناك مجال آخر، لا يقل أهمية، ويتمثل في تطوير عملية الرد التلقائي والآلي على هجوم فضائي. ففي حالة حدوث ضربات شبحية مكثفة، فإن توزيع الموارد وتنسيق الرد والهجمات على الأهداف المعادية يتم تنفيذه بصورة آلية، وهو ما يوفر الدفاع الأمثل ويحول دون تكبد خسائر فادحة.
يمكننا القول باختصار، إن العمليات القتالية في الصراعات العسكرية في المستقبل القريب ستجسد الصدامات بين تكنولوجيات متقدمة، وسيكون في مقدمتها الهجمات الجوية الفضائية، علاوة على منظومات الدفاع الجوي والصاروخي.