عندما حصل ابن الإسكندرية السيد يس على الدكتوراة من جامعة باريس عام ١٩٦٦ لم يكن العرب يعرفون معنى مصطلح الاجتماع السياسى ولا معنى علم اجتماع الأدب. عاد السيد يس للقاهرة ليهدى أمته ليس فقط أصول وقواعد تلك العلوم بل ومناهج تطبيقها على الواقع الاجتماعى العربى من خلال إصدارات أصبحت اليوم من كلاسيكيات دراسات علم الاجتماع- فى إشكاليات الحداثة، ثم الإسلام السياسى ثم العولمة.
انطلق السيد يس ليؤسس مع محمد حسنين هيكل مركز الأهرام الشهير للدراسات السياسية قبل أن يترأسه لما يقرب من عشرين عاما جعل منه جامعة داخل الجورنال العريق وذلك قبل أن يدخل فى معترك دراسات الإسلام السياسى ليفتح الباب واسعا للتحليل الاجتماعى له ومن هنا يأتى أهمية التعاون الذى قام به مع د. عبدالرحيم على فى المركز العربى للبحوث.
كانت باريس للسيد يس هى الحى اللاتينى بمكتباته وسوربونه وصديقه المفكر المصرى والباريسى القديم أسامة خليل. كان حضور السيد يس لمكتب الأهرام بالقرب من الشانزليزيه غربة وسط سياح الدنيا وفى غياب شبه تام للمكتبات بالشارع الشهير. وهنا يجب الإشارة إلى أن الراحل الكبير كان أحد أربعة مصريين يأتون إلى باريس خصيصا لشراء الكتب. -تماما كما يأتى آخرون لشراء الملابس- وهم محمد حسنين هيكل ومحمد سلماوى وأنيس منصور وهو رابعهم وقد أسعدتنى المقادير فى أن أصحبهم فى أغلب الأوقات.
من أطرف ما سمعته منه -وكم كان الحديث معه شيقا وثريا- هو وصفه لظاهرة الكتابة بحروف عربية -للسب فى فرنسا فى الغالب- فى ضواحى باريس من الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية بأنها «تبجح ثقافى» وأن ظاهرة التدين فى المجتمعات العربية «مقاومة بأقل التكاليف» للحداثة على الطريقة الغربية.
تحية لذكرى دوركهايم العرب الذى لا يعوض.