تعد إيران من أكثر الدول التي يصعب على الكثير من الباحثين والمحللين التوقع برد فعلها في الكثير من القضايا المصيرية المشتركة، و بخاصة ما يتعلق باستمرار مفاوضات الإتفاق النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا، بعد أن دخلت إيران في الجولة السابعة لتلك المفاوضات، فيما إعتبرتها حكومة إبراهيم رئيسي الجولة الأولى لها ووضعت عددًا من الشروط التي رفضتها واشنطن والدول الكبرى، فيما تسعى كل الأطراف لتحقيق تقارب في وجهات النظر من أجل تسريع الوصول لإتفاق في القريب العاجل، وبالتحديد في بدايات العام الجديد 2022.
الشروط الإيرانية الصعبة
تكمن أزمة تأخر الوصول لإتفاق بين إيران وأمريكا رغم مرور الجولات السبع في أن الأولى تطلب رفع العقوبات الأمريكية دفعة واحدة سواء العقوبات الإقتصادية أو حتى تلك الرمزية التي تتعلق بالمرشد وبعض كبار رجال الدولة، فضلًا عن تعويض الجانب الإيراني ماليًا عما لحق بالبلاد من أزمة إقتصادية تسببت في إنهيار كبير في سعر العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، علاوة على السماح لإيران بتصدير نفطها بشكل فعال، في الوقت الذي تعتمد فيه 70% الموازنة العامة الإيرانية على الإيرادات الناتجة عن صادرات النفط بشكل أساسي، فضلًا عن الإفراج عن مبلغ 10 مليارات دولار هي أموال إيرانية مجمدة لدى بنوك الولايات المتحدة الأمريكية.
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن تلك الشروط لا تناسب أبدًا طبيعة التفاوض مع الجانب الإيراني الذي مازال يستمر في تطوير البرنامج النووي الإيراني، خصوصًا وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها قلق كبير من وصول نسبة تخصيب اليورانيوم في مفاعلات ومنشآت إيران النووية إلى 60%، فيما سعت لزيادة نسبة التخصيب منذ أكثر من شهرين إلى ما يقارب نسبة الـ90% وهي نسبة لا تتناسب مع الإستخدام السلمي للطاقة النووية، إذ أن الوصول إلى نسبة الـ90% من التخصيب يدخل إيران إلى العتبة النووية.
تخصيب اليورانيوم
وفيما تماطل إيران في المفاوضات النووية في فيينا خلال الجولات السبع، عمدت من جانب آخر على تسريع تخصيب اليورانيوم في عدة منشآت، ومنعت المفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى تلك المنشآت الحساسة، بغرض تعطيل التوصل لإتفاق من جهة، ومن جهة أخرى تتحدث من موقع قوى ما إذا وصلت إلى نسبة الـ90% التي تمكنها من صناعة القنبلة النووية، وبذلك تصبح إيران دولة عصية على توجيه ضربة عسكرية إليها.
ورغم أن الكثير من الدول المشاركة في المفاوضات تأمل في الوصول إلى إتفاق بين إيران وأمريكا في القريب العاجل، إلا أن كافة التقديرات تشير إلى عناد متبادل بين الطرفين فيما لم يتم التوصل إلى نقطة إلتقاء واحدة يتم من خلالها البناء عليها من أجل بلورة إتفاق كامل وشامل يمكن التوقيع عليه من الطرفين، يشمل ضمانات لعدم تجاوز الطرفين ذلك الإتفاق خلال الفترة المقبلة، حيث تطلب إيران ضمانات غير متوقعة من الولايات المتحدة يمكنها من التوقيع على الإتفاق المرتقبة مادامت تلك الضمانات ستجبر الولايات المتحدة الأمريكية على عدم الإنسحاب من الاتفاق الجديد مرة أخرى كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في يناير من عام 2018.
ورغم التفاؤل الحذر الذي ينتج عادة من تصريحات الكثير من المفاوضين في جلسات الإتفاق النووي، إلا أن الأجواء غير مهيئة للتوصل السريع لإتفاق بين الطرفين، خاصة وأن حجم التنازلات السياسية من الطرفين لا يزال دون المستوى المأمول، فلا يمكن أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات كاملة عن إيران مادام الثانية لم تعود عن تقليص إلتزاماتها من الإتفاق النووي، ولعل دلالة ذلك ما تم فرضه من عقوبات أمريكية في نهاية شهر أكتوبر الماضي على كيانات وأفراد إيرانية تشارك في صناعة الطائرات المسيرة الإيرانية التي تهاجم المملكة العربية السعودية من وقت لآخر، وهي دلالة على إستمرارية الأزمة بين الطرفين.