الإنسان أو جنسيته، دينه، أو لغته، أو مكانته الاجتماعية، رجل أكان أم امرأة، وربما يكون الفارق منذ بدء الخليقة والصراع بين الخير والشر موجود داخل النفس الإنسانية بغض النظر عن جنس الوحيد هو أن المرأة أكثر قدرة من الرجل على الخداع أو التخفى وأخطر من حيث الأساليب التى تتبعها للتعبير عن الشر عندما يتملك منها، ويخرج عن السيطرة فتمتد آثاره المدمرة حتى إلى أقرب الناس إليها.
الاعتقاد السائد بأن الجريمة يرتكبها الرجال وأن طبائع النساء التى تتسم بالنعومة لا تساعد على ارتكاب الجريمة. من المؤكد أن هذا الانطباع خاطئ حيث إن الجريمة ومنذ الخليقة ارتبطت بالإنسان وبصرف النظر عن جنسه، وإن كانت نسب الذكور تفوق النساء.
وقد اهتم علماء الاجتماع الجنائى وعلم الإجرام بأنماط الجريمة وحاولوا أن يفسروا أسباب ارتكاب الجريمة كما قدموا لنا تفسيرات متعددة للسلوك المنحرف والإجرامى فى المجتمع.
وبدأ الاهتمام فى الآونة الأخيرة كما تقول الكاتبة سلمى مجدى فى كتابها الذى حمل عنوان (أسوأ النساء فى التاريخ) لكثير من الباحثين بجرائم النساء وخصوصا بأن سجلات الشرطة والمحاكم كشفت بأن كثيرا من الجرائم تكون المرأة الدافع فى ارتكابها وإن نفذها الرجل.
وتقول إن العالم «بولاك» قد قام بدراسة جرائم النساء وخرج بمجموعة من النتائج والتى كان من أهمها أن إجرام النساء هو نتيجة شرور خفى ومقنع، وأن المرأة لا تختلف عن الرجل فى سلوكها العدواني، وربما تتفوق المرأة على الرجل فى سمات العنف.
كما أشارت بعض الدراسات فى علم اجتماع الجريمة إلى أن النساء يلعبن دورا ثانويا فى جرائم النصب والاحتيال مقارنة بالدور الرئيس الذى يلعبه الرجال، إلا أنهن يستخدمن الدهاء والحيلة ويؤدين دورا فى هذه الجرائم من خلال استخدام وسائل الإغراء التى تتمتع بها المرأة.
ومن الطرائف التى تم اكتشافها أن الجريمة لا علاقة لها بتفاوت القوة الجسمانية حيث تبين أن القوة البدنية لم تعد لها أهمية فيما يتعلق بارتكاب النساء للجرائم التى يرتكبها الرجال.
وما يدعم الحقائق العلمية أن المرأة لا تختلف عن الرجل فى تعبيرها عن الشر الذى يعتمل فى نفسها وارتكابها للجريمة أو إتيانها السلوك العنيف.
وبالعودة للتاريخ سنجده يقدم لنا نماذج بشرية تمثل فى نسوة فى غاية السوء تملك الشر منهن فرحن يقتلن ويدمرن ويخربن ويشوهن وجه الحياة، بعضهن ملكات، وبعضهن أميرات بعضهن نجمات مجتمع شهيرات وبعضهن من العامة خرجن من قاع المجتمع بشر متطير عبرن عنه بجرائم وحشية وضعتهن فى سجل أسوأ نساء التاريخ!
تقدم الكاتبة من خلال الكتاب عشرات النماذج لنساء هن الأسوأ فى تاريخ البشرية نساء من أهل القمة وأخريات من سكان القاع، يشتركن جميعهن فى ارتكاب أفعال خلعت عليهن جميعا لقب «الأسوأ».
ومن القصص الغريبة التى ضمها الكتاب هى قصة الملكة صفية إحدى سلكانات الدولة العثمانية ومدى تسلط وجبروت وقوة وتحكم المرأة. كمان أن من يزور القاهرة القديمة ويمر بمنطقة الداودية بشارع محمد على سيشد بصره مسجد من الحجر الأحمر كما هى العادة فى المبانى التركية بمصر هذا المسجد يسمى مسجد الملكة صفية وقد أنشأه أحد مماليك السلطانة صفية زوجة السلطان مراد الثالث العثمانى ووالدة السلطان محمد الثالث.
ولهذه الملكة أو السلطانة التركية قصة يرويها التاريخ. لم تكن الجارية الأولى التى يعشقها سيدها فيتزوجها فتصبح ملكة يخلدها التاريخ ويروى الراوة حياتها. ولم تكن الملكة الوحيدة التى جعلت من زوجها ألعوبة فى يديها وأيضا لم تكن تتميز عن سواها من ملكات حكمن باستبدادية ودموية خلدت فجائع مدمرة بين صفحات التاريخ لكنها صاحبة أول مجزرة يقتل فيها عدد كبير من أبناء سلاطين آل عثمان وذلك خنقا حتى الموت ومن أجل ألا يرثوا الحكم.
إنها السلطانة (صفية) التى كانت فى الأصل جارية من بنات البندقية والتى بعد أن أسرها القراصنة باعوها إلى رجال السلطان العثمانى (مراد الثالث) فضمها غلى صفوف حريمه.
ورغم عدم بروز جمالها إلا أنها اتصفت بالمرح والجاذبية جعلا السلطان يتعلق بها بسرعة وبشكل لافت للنظر وبعد عام من دخولها صفوف الحريم انجبت له ولدا أطلق عليه (محمد فاتح القسطنطينية) حتى إنها حظيت بلقب السلطانة دون سواها من الجوارى والحريم فأصبحت الشخصية الثالثة فى القصر بعد السلطانة والدته وأخته.
ويقول الكتاب إن الشائعات التى بدأت تطلق حول علاقتها بالسلطان بدأت أؤكد أنه لا يكتفى بمشاركتها الفراش فقط بل يقضى الساعات فى محادثتها ومناقشتها فى أمور الدولة تبدى رأيها بل توجهه فى رسم الخطط وتنفيذها.
إلى الآن بإمكاننا أن نعتبر أن قصة السلطانة صفية لم تبدأ أحداثها فقد بدأت فعلا بعد وفاة زوجها وذلك انه وبعد دخوله دور الاحتضار وأثناء الاستعدادات لإعداد جثمانه للدفن وإجراء مراسم العزاء سارعت إلى ولدها محمد خان تطلب منه الجلوس فى صدر القاعة على كرسى العرش ليستقبل وفود المعزين بصفته السلطان الجديد بعد والده.
لكن (محمد خان) تلفت حوله يبحث عن إخوته الثمانية عشر ليشاركوه فى تقبل العزاء فلم يجد أحدا منهم وعندما سأل والدته عن سر غيابهم طلبت منه أن يقوم بواجبه دون قلق لأنهم سبقوه إلى الضريح ليكونوا فى استقبال جثمان أبيهم.
لم يكن (محمد خان) يعلم أن إخواته الثمانية عشر غير الأشقاء قد سبقوه فعلا إلى داخل الضريح قبل شروق الشمس ولكن كجثث هامدة الواحدة تلو الآخر فقد كانت والدته الملكة صفية قد دبرت قتلهم مع عدد من مماليكها الذين انفردوا بأبناء السلطان وقتلوهم حيث قاموا بخنقهم داخل غرفهم بهدوء ودون إثارة ضجة ومن ثم وفى جنح الليل حملوهم لينفذوا أمر السلطانة التى أرادت أن تسبق جثامينهم جثمان والدهم السلطان قبل إنزاله إلى الضريح.
كان لا بد أن يعلم السلطان ابنها (محمد خان) بما حصل وعندما علمت أنه علم بما فعلته، سارعت إليه لتخبره عن سبب ما أقدمت عليه قائلة: (خلصتك منهم حتى لا ينازعك أحدهم على السلطة، ها أنت وحدك السلطان دون منازع، ألا تعلم أن أباك السلطان (مراد خان) كان قد فعل الأمر نفسه وبالتعاون مع زوجته اليهودية فقتل إخوته الخمسة حتى لا يزاحموه على السلطة بعد وفاة أبيه (سليم الثاني).
ويتابع الكتاب: إن ما قالته السلطانة وما فعلته لم يثر استغراب ولدها فهو يعرف أنها تنتسب إلى عائلة (بافو) أحد دوقات البندقية الذين كانوا يخنقون أعداءهم ومنافسيهم على السلطة وذلك ضمن زنزانات القصر ليقوموا بعدها بإلقاء جثثهم من فوق (جسر التنهدات) فيغرقوا سرا ولا يعرف أحد أو لا يتجرأ أحد عن السؤال عما أصابهم.
ولأنه كان من الطبيعى فى حالة صفية أن يسأل الناس عن سر اختفاء الشباب الثمانية عشر فلقد عرفت الملكة كيف تخرس ألسنة الناس ذلك عندما بدأت تطلق اشاعة تردد الناس فى تصديقها دون أن يستطيعوا إعلان ذلك وقبل أن يوارى زوجها السلطان التراب كان الخبر قد شاع بأن ولدها (محمد خان الثالث) أصبح صاحب العرش بعد وفاة والده وأن إخوته تآمروا على قتله لهذا السبب فاكتشف أمرهم مما جعلهم يختفون خوفا من عقابه.
ويعود الكتاب إلى السلطان الجديد (محمد خان) الذى ورغم إدراكه لما كان يعنيه جده (سليمان القانوني) فى قوله (إذا أردت خراب مملكة فسلط على ملوكها النساء) إلا أنه وقع بالخطأ نفسه الذى وقع فيه جده ووالده فقد استسلم للنساء بشكل أعمى ليس ذك فقط وإنما كان أشبه بالدمية بين أيدى حريمه ومحظياته وأيضا أمه صفية التى استغلت كونه لا يرفض لها طلبا فقامت بإشعال الفتن ودس الدسائس فى الخفاء ذلك لخدمة وطنها البندقية وأيضا للانتقام من مكل من يقف فى طريقها أو يجابهها ويعاديها.
هذه هى حكاية السلطانة صفية التى كانت صاحبة أول مجزرة لأبناء السلاطين العثمانيين وهى الظاهرة التى توالت بعد ذلك فى عهود جميع سلاطين آل عثمان.
هذه هى السلطانة المرأة الداهية التى جعلت من زوجها وابنها ألعوبة فى يديها لكنها لم تستطع فعل ذلك مع حفيدها السلطان أحمد الذى تولى العرش بعد موت أبيه فرفض الانقياد لأهواء جدته واضعا تحت تصرفها قصرا جميلا على ضفاف البوسفور تقضى فيه بقية حياتها بعيدا عن القصر وأمور الدولة.
الكتاب ذكر العديد من الحكايات التى تركز على شرور بعض النساء وكغيره من الكتب التى من هذه النوعية لم يخل من حكاية ريا وسكينة وهى القصة المرعبة التى عاشها المصريون فى العشرينيات من القرن الماضى لدرجة أن مجرد ذكر اسمى هاتين المرأتين كان يثير الهلع والذعر فيما بين الناس.
بالرغم من أن أحداث هذه القضية قد مر عليها سنوات طوال إلا أنها لم تزل عالقة بأذهاننا لأنها ليست قضية بسيطة فى جحمها وفى موضوعها فالجريمة راح ضحيتها عشرات من النساء البريئات والطريقة التى ارتكبت بها الجرائم كانت بشعة. وتم كشف أمرهما بعد أن ضاق الجيران بسلوكهما ومن النساء الخليعات اللاتى يترددن عليها مع بعض الرجال البلطجية. واكتشفت الشرطة جثث بعض السيدات التى تم الإبلاغ عن اختفائهن من قبل ولم يعثر لهن على أثر. وبدأت محاكمة ريا وسكينة ومن ثم إعدامهما.