إخوتي، كلّم الله آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء مرّات كثيرة وبمختلف الوسائل، ولكنّه في هذه الأيّام الأخيرة كلّمنا بابنه الذي جعله وارثًا لكلّ شيء وبه خلق العالم. هو بهاء مجد الله وصورة جوهره، يحفظ الكون بقوّة كلمته. ولمّا طهّرنا من خطايانا جلس عن يمين إله المجد في العلى، فكان أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا أعظم من أسمائهم. فلمن من الملائكة قال الله يومًا: "أنت ابني وأنا اليوم ولدتك؟" ( عب 1:1-5)
ولد يسوع في مذود، حيث وضعته أمّه. لا شيء يميّزه عن أولاد الفقراء في أيّامه. ومع ذلك، جاء الرعاة يسجدون له ويخبرون كلّ ما قيل لهم في شأنه. كان في بيت من البيوت، لا في قصر، ومع ذلك جاء إليه المجوس، هؤلاء الوثنيّون الذين يمثّلون البشريّة منذ العهد القديم، فسجدوا له وقدّموا له هداياهم من ذهب ومرّ ولبان. فمن هو هذا المقمّط الموضوع في مذود والذي لا يفترق في شيء عن الأطفال الذين وُلدوا في تلك الليلة الفريدة التي فيها أنشد الملائكة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر؟
أنه شعاع مجد الآب ولأن الخلاص كان ناقصًا بسبب الإنسان، تجسّد ابن الله، ووُلد على أرضنا، حينها صار الخلاص كاملاً. فبدون اسم يسوع لا خلاص لإنسان. وهذا المجد لم يشعّ بكلّ إشعاعه. إلاّ حين وُلد الابن. حينئذٍ ظهر مجد الله في كلّ قوّته. صار الله نفسه حاضرًا على الأرض. صار النور الذي أنار ليلة الميلاد، وامتد إلى البشريّة جمعاء فأفهمها أين هو الخلاص الحقيقيّ، أين هو السلام، وأين هو الرجاء.
كما وأن يسوع هو صورة جوهر الآب. فالله لا يُرى، والله لا يحيط به إنسان، ولا يدركه ، ولا يعرف اسمَه. هو من هو. في يسوع الذي هو وحده صورة الله الكاملة، صار الله منظورًا.
إنه ضابط الكلّ بكلمته. هذا الذي وُلد في ملء الزمن هو فوق الزمن. نعم أيها الإخوة والأبناء الأعزاء إن ذاك الذي نحتفل اليوم بميلاده ليس مجرد طفل بشري أو مجرد نبي موقّر أو مجرد ملاك طاهر ولا حتى مجرد إله... من نحتفل بميلاده اليوم هو الذي قال فيه مار يوحنا بالوحي المقدس في بداية إنجيله المقدس: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله،والكلمة هو الله. (يو :1:1)"
ومن سر التجسد الذي خط تاريخ الخلاص ننتقل للحديث عن حاضرنا الذي نعيشه اليوم والذي تسعى أمنا الكنيسة جاهدة وعلى مر العصور أن تنقل لنا هذا السر الذي لا يزال حياً إلى الآن. وأحدث ما نقلته لنا الكنيسة لتدخلنا في فهم أعمق لسر التجسد، هو السينودس الذي أطلقته هذا العام تحت عنوان السينودسية- السير معا: شركة ومشاركة ورسالة. وكأنها بهذه الكلمات الثلاثة تعيد لنا قصة الميلاد بعبارات الألفية الثالثة.
فالميلاد هو شركة، يجمعنا الله معه من خلال، تجسده واتخاذه جسدا بشريا مثلنا. فالمسيح هو الذي يصالحنا مع الآب ويوحّدنا بالروح القدس.
والميلاد هو مشاركة أي دعوة لإشراك كل من ينتمون إلى شعب الله - العلمانيون والمكرسون وأصحاب الدرجات الكهنوتية - للانخراط في ممارسة الاصغاء العميق لبعضهم البعض، وكأننا عائلة واحدة ولدت من رحم المذود.
وهو رسالة تدعونا الكنيسة من خلالها إلى الانخراط في نسب يسوع. فرسالتنا هي أن نشهد لمحبة الله في وسط العائلة البشرية بأسرها.
تجسد وعاش بيننا وسلمنا رسالته. جملة واحدة تلخّص كل العمل الخلاصي. هذه الجملة التي تعود إلى ألفي عام أعادت الكنيسة صياغتها بما يتناسب مع الألفية الثالثة فأصبحت: شركة ومشاركة ورسالة.
أيها الإخوة والأبناء الأعزاء أريد في يوم الميلاد هذا أن أشكر الرب لأنه تجسد وولد بيننا... يا لعظمة حبه.
كما أطلب منه أن يحفظكم دائما في محبته تلك المحبة التي تجسدت في مذود... يا لعظمة تواضعه.
كما أطلب منه أن يحمي بلدنا لبنان، وأن يقيه شرالخراب الذي يرفرف في أجوائه ويحوم فوق سطوحه معلنا نهاية عظيمة لبلد عظيم. ولكننا لا نخاف لأنه لبنان. لبنان الذي سكن الله في جباله واستخدم أرزه لمسكنه... إنه لبنان الذي وطئته قدما الرب يسوع وبشر فيه بولس... إنه لبنان الذي صدّر الحِرَفَ والحروف إلى العالم وأنتج أعظم رجالات الفكر والعلم والثقافة ... إنه لبنان وطن القديسين أمثال شربل ورفقا ونعمة الله و الطوباوي أبونا يعقوب والطوباوي إسطفان نعمة والمكرم البطريرك الحويك والمكرم البطريرك الدويهي.
لا تخافوا على لبنان فلبناني باقٍ لن يتزحزح ولن تقدر عليه أيادي البطش والطمع. إعتبروا من التاريخ ،كم أذل هذا البلد جيوشاً مؤلّفة وغزاة أرادوا السيطرة عليه.
فيا طفل المغارة نطلب منك أن تمتحنا الثبات وسط هذه المحنة التي يمر بها وطننا فنحن على يقين أن طائر الفنيق سينفض عنه الرماد ويقوم من جديد بحلّة أفضل ويحلّق بعيدا على مرأى من جميع أعدائه معلنا ولادة لبنان الجديد لأنه أرضك ووقفك وموطن قديسيك.
كما أصلي معكم على نية وطننا مصر. وما لمصر من حظوة في عيني الرب!
مصر التي استقبلت العائلة المقدسة وقد أتتها هربا من ظلم هيرودس وضمته في مزودها لسنين وسنين، وتركت عنده ذكريات الطفولة. تلك الذكريات التي ترافقنا في صبانا وتكبر وتشيخ معنا. إنها غالية وثمينة لدرجة أنها لا تفارقنا فهي مكتوبة في الكتاب المقدس.
فكم أنت يا مصر عزيزة على قلب طفل المغارة... فمن قمحك أكل ومن نيلك ارتوى ومن قطنك لبس وعلى عظمتك تربّى.
أصلى على نية مصر ومن أجلها لترفع الشكر والحمد لما نالته من حظوة في عيني الرب والتي نراها كلنا اليوم بالعين المجردة من خلال ما آلت إليه مصر من أمان واستقرار وعمران... هي يد الرب التي تعمل في بناء هذه الجمهورية الجديدة العظيمة. والشكر أيضا للأيدي التي تعمل دون كلل لقيام هذه الجمهورية هي ايدي المصريين الشرفاء المكافحين من اجل نهضة وطنهم مع رئيسهم، قائدهم الحكيم. وللعين التي تسهر دون أن يرفّ لها جبين على حماية أمنها واستقرارها.هي عين الجيش العظيم، والشرطة الباسلة. وللعقل المدبّر الذي يَنظُم أفكاره على سلّم الخير. ويعمل ويخطط من اجل الصالح العام ونهضة مصر. إنه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العظيمة ويدها البنّاءة وعينها الساهرة وعقلها الواعي صاحب الرؤى المستنيرة ومسيرة التجديد في البشر والحجر.
فخامة الرئيس نخصّكم بصلاتنا في هذا اليوم المبارك لما تحملون على أكتافكم من أحمال ثقيلة تكاد الجبال أن ترزح تحت ثقلها ونطلب من الرب أن يعطيكم الصحة والقوة لمتابعة رسالتكم مع كل القيادات السياسية والعسكرية والأمنية التي تسهر على أمننا وترعى خطواتنا ليكون كل مواطن مصري بأمان.
وفي الختام أرفع صلاتي من أجلنا جميعا لنكون أبناء رسالة وشهادة وعلى قدر المحبة التي خصنا فيها الله عبر تجسده بيننا، مرنمين : ولد المسيح... هللويا