تربينا نحن جيل التسعينات على سماع "عايزينها تبقى خضرا الأرض اللي في الصحرا"، وكانت تلك الأغنية عام 1997 تشجيعا على انطلاق مشروع استصلاح أراضي "توشكى" جنوب أسوان.
كانت هناك طموحات عالية من المصريين تجاه هذا المشروع، والذي كان توقفه في عام 1999 بمثابة صدمة لكل من أراد أن يمتلك أرضا ويعمرها بعيدا عن القاهرة المتكدسة بسكانها ومعمارها الجاف.
وكان افتتاح الرئيس السيسي أمس لمشروع "توشكى الخير" بمثابة رد اعتبار لهذا المشروع القومي والذي أعاد لنا الأمل في أن نسترد ما بدأناه في امتلاك أمننا الغذائي.
هدف المشروع ما بين الماضي والحاضر
كان انطلاقه في عهد حكومة كمال الجنزوري في عام 1997 وكان فى إطار خطة الدولة لتوسيع رقعة المساحة المعمورة من 5% إلى 25% من مساحة مصر بكل ما يترتب عليه من آثار ديموجرافية واقتصادية واجتماعية، وتم تحديد عام 2017 كموعد للانتهاء من المشروع.
وكان مشروع توشكى مستقبل مصر للاستثمار الزراعى خاصة بعد إضافة مساحات زراعية جديدة فى الفترات الماضية لزيادة الرقعة الزراعية لتصبح أراضى زراعية جاهزة للاستغلال الأمثل.
وقامت وزارة الرى بإنشاء البنية القومية للمشروع على مساحة 350 ألف فدان.
ومؤخرا تم وضع المشروع ضمن خطة البرنامج الرئاسى لزراعة 4.5 مليون فدان، ويعد توشكى، أحد أهم المشروعات القومية فى مجال الزراعة لتوفير ملايين المنتجات الزراعية المختلفة للدولة، حيث يهدف الى استصلاح واستزراع حوالى 600 ألف فدان حول منخفضات توشكى.
وإذا كنت تتساءل كم ستتكفل الدولة بكل هذا المشروع الضخم، يتم ذلك من خلال تخصيص الأراضى لمستثمرين ولشركات تابعة للدولة.
لماذا توقف؟
أكد دكتور محمود أبو زيد، وزير الري الأسبق، والذي تم في وزارته مشروع توشكى وحضر التجهيز المشروع مع الدكتور كمال الجنزوري من بدايته، أن ما حدث هو رد اعتبار لمشروع توشكي خاصة أنه بني على دراسات مستفيضة تؤكد أهمية المشروع، وعندما توقف، توقف لاعتبارات سياسية في سنة 1999.
وأضاف، في تصريحات تليفزيونية له، ماتم تنفيذه حتى الآن يشير إلى أن الزراعات ممكنة والإنتاج الزراعي ممكن، بجانب توفير الميزانيات والأسمدة ومواجهة التحديات، فقد كانت الإرادة السياسية لاسترجاع المشروع هو ما كان مفقودا سابقا.
وتابع "أبو زيد" أن المشروع توقف بسبب عدم ضخ استثمارات به ولكن الاعتمادات المالية له كانت من الممكن أن تتوفر إذا توفرت الإرادة السياسية.
لا ننسى مجهود السابقين
وفي لفتة طيبة من الرئيس السيسي أمس وأثناء إعادة افتتاحه لمشروع توشكى الخير لم ينسى فضل الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر السابق والذي كان صاحب فكرة استصلاح الأراضي في توشكى وأعلن إطلاق اسمه على المشروع.
وعلق وزير الري السابق "أبو زيد" قائلا: " كمال الجنزوري صاحب الفكرة وصاحب استكمال الدراسات وكان يتابعها بنفسه يوما بيوم وكان هذا دعما كبيرا منه لذلك فتذكره وإطلاق اسمه على المشروع يعد حقا من حقوقه".
"الأرض اللي على مزاجنا راحت"
خلال الـ40 سنة الماضية خسرنا 400 ألف فدان زراعي صالحة للزراعة بسبب التعديات التي حدثت في الدلتا على الأراضي الزراعية والبناء عليها، وهو ما استلزم أن يكون هناك رد قوي لإيقاف هذا التعدي من خلال قانون البناء الذي صدر العام الماضي وكان به عدد من الأدوات الرادعة تتمثل في الحبس والهدم والغرامات.
وقال الرئيس السيسي، في حفل افتتاح مشروعات توشكى، إن الدراسات الأولية أثبتت أن 60% فقط من الأراضي في توشكى كانت قابلة للزراعة، قائلا " ولكننا مجبرين على ذلك لأن الأراضي اللي كانت على مزاجنا الصالحة للزراعة كانت في الدلتا، وتم استنزافها من خلال البناء عليها".
حائط صخري أحال التنفيذ
وأضاف الرئيس السيسي، أننا مجبرين على توشكى، لأن زراعتها مسألة أمن قومي، ولا يمكن إجبار المستثمرين على حل مشكلات الأمن القومي، وبالتالي كان يجب على الدولة أن تتدخل لمعالجة الأراضي، وكانت التحديات تتمثل في وجود حائط صخري، منع وصول المياه لـ 300 ألف فدان، وكان يجب عبور المياه عبر هذا الحائط لإيصال المياه.
وأكد الرئيس السيسي، أن الدولة المصرية في السابق لم يكن معها من المال لإزالة هذا الحائط الصخري، مشيرا إلى أن هذا الحائط الصخري مكون من الجرانيت احتاج إلى 3 ملايين طن مفرقعات لإزالته وكان يمتد إلى 9 كم وبعمق 20 مترا تحت الأرض.
تحقيق 50% من أمننا الغذائي
قال دكتور سامي السعيد، وكيل شعبة البحوث الاقتصاية والاجتماعية بمركز بحوث الصحراء، قامت بمسح الأراضي التي يجب استغلالها في كل شبر بمصر لتحقيق ما أحب تسميته بالجمهورية الجديدة.
وأضاف أننا نستغل 5% من مساحة مصر فقط وأن هناك 95% غير مستخدم، لذلك فكان اللجوء لإحياء مشروع توشكى وتوفير الإمكانيات والموارد المائية لدعمه من جديد بمثابة إحياء لتلك الرقعة التي تم استثمار ملايين بها ولكن أهملت.
الجمهورية الجديدة 2025
وتابع، في تصريحات تليفزيونية له، أننا بصدد بناء رؤية جديدة قائمة على التنمية الزراعية تحقق أمننا الغذائي خاصة أننا نستورد 50% من غذائنا، موضحا أن الجمهورية الجديدة لعام 2025 تحقق الأمن الغذائي وتحقق فائضا للتصدير وتوفر فرص عمل وفائضا للدولة وهي تقوم على عشر برامج رئيسية قائمة على التوسع في الاستصلاح والتوسع الرأسي والأفقي في زيادة المحاصيل الاستراتيجية والرقعة الزراعية.