حملت الدورة الحادية والعشرون من مؤتمر إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافى التى أقيمت بمركز الجيزة الثقافى اسم الراحل جمال حمدان تكريما له لما قدمه للثقافة والمكتبة العربية من تراث خالد إلى يومنا هذا.
ويعد حمدان أحد العلماء العباقرة، الذين دفعوا حياتهم ثمنا لأفكاره ونظرياته، فقد سبقه الكثيرون من أصحاب الفكر المستنير والرؤية التى قد تختلف مع الدول العظمى وسياساتها، وبالطبع لن يكون الأخير وسيبقى سبب وفاة هؤلاء المفكرين لغزا غامضا، إلا أنه مما لا شك فيه أنهم فقدوا حياتهم من أجل أن يمنحونا الحياة والفكر الواعي.
ترك حمدان تراثا كبيرا فله ما يقرب من 39 كتابا و79 بحثا ومقالة، أشهرها كتاب شخصية مصر دراسة فى عبقرية المكان والذى عرض فيه كل يتعلق بالجيولوجيا والجغرافيا المصرية والصحراوات المصرية التى تمثل النسبة الأكبر فى مساحة مصر سواء الغربية أو الشرقية.
ذكر حمدان فى كتابه «شخصية مصر»: إن العرب من رحالة وجغرافيين ومؤرخين عبروا بطريقتهم الخاصة أو بأسلوب العصر عن تفرّد النيل ومصر اللذين تفردا عندهم أيضا بالمناسبة بالذكر والنص فى القرآن دون غيرهما من الأنهار أو الأقطار، فإذا لم يكن النيل نهرا ينبع من الجنة أو نهرا من أنهار الجنة كما نسبوا إلى النبى أو نهر العسل فى الجنة فهو على الأقل سيد الأنهار كما روى عمرو بن العاص، أو هو أشرف أنهار الأرض إذ يسقى عدة أقاليم من ديار مصر وماؤه أفضل المياه.
قال حمدان: إن نهر النيل هو أعظم الأنهار الذى لا يعدله فى عظم نفسه شيئا لعظم ما عليه من البلاد وطوله فى الأمم، فالنيل من عجائب الدنيا وليس فى الربع المسكون من يشاكله غير نهر الملتان بالهند فهو من سادات الأنهار وأشرفها لأنه يخرج من الجنة على حسب ما ورد به الخبر الشريف.
أوضح حمدان أيضا أن مصر النيل عند ابن خلدون هى بستان الدنيا بل إن يكن النيل نهرا من الجنة فإن مصر جنة على الأرض.
بيّن حمدان أنه لولا المبالغة لقلنا الطبيعة شكلّت وصنعت ورتبت كل ما حوض النيل أطول أنهار الدنيا مجرى وحوضا وثانى أكبرها حوضا، ليستقطب هذا فى قمة وحيدة فى مصر كل ما فيه موظف لخدمتها وفى الوقت نفسه يعمل على حمايتها وتأمينها حتى من سلبياته وأخطاره هو ذاته والواقع أن رحلة النيل من بدايتها إلى نهايتها تكاد تكون عملية متصلة من سباق الحواجز، حواجز تتعاقب وراء بعضها البعض كحلقات السلسلة ولكن النهر لا يفتأ بقوة ومهارة أو بحسن الحظ أن يتجاوزها واحدة واحدة لمصر إلى أن يصل إليها.
يقول حمدان: إن نهر النيل يخرق القاعدة من البداية إلى النهاية لصالح مصر فأحدث أنهار أفريقيا جيولوجيا مخالف فى اتجاهه لكل أنهار القارة تقريبا فهو يتجه طوليا من الجنوب إلى الشمال بينما هى فى معظمها عرضية تتجه من الشرق إلى الغرب أو من الغرب إلى الشرق، وهذا الاتجاه الأخير هو عند «جريجورى» من بقايا وآثار الزمن الثانى الغالب على أنهار القارة لكن النيل أفلت منه لحداثته حيث ارتبط وتأثر بحركات القشرة الطويلة فى الزمن الثالث، كما أنه معاكس فى اتجاهه لمعظم أنهار العالم القديم فهو ينبع من الجنوب ويصب فى الشمال فى حين أن معظمها يجرى بالعكس من الشمال إلى الجنوب.