ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر.
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "كشوف بو عثمان" للشاعر السوري أحمد يوسف داود، وذلك تزامنا مع ذكرى ميلاده، التي تحل اليوم الأحد.
عن وقت أغنيةٍ لـ"بوعثمان"
معذرة إذا فاجأته كالطيف متكئًا على غسقٍ
ولم ينهض
فبوعثمان ما زالت سفينته تهيم وحيدةً في الحلم
وهْوَ رأى..
كما لو أن رؤياه مصادفةٌ, رأى!
وارتاح من حالاته الوسطى
تحوَّلَ
كان يذهب في تحوّله إلى كينونة الطير
انتهى من ذاته عصرًا فصافحها
وجرّ خطاه نحو الباب
باب: نصفه أرواد، والثاني سفينةُ حلمِهِ!
والمغرب الصيفيّ يأتي ضيقًا:
شمسٌ تسيل على المياهِ.. وتختفي
منقار نورسةٍ يقبلها،
كما لو كان ذلك صدفةً!.
لابحرَ كي يضع القصيدة فيه
مدّ عصاه عبر الباب..
ها جسدٌ تساقَطَ من مَلاحةِ روحه البحري
تهجره الأغاني كلها،
وبظلّ أغنية يدافع!
ـ هل بلغت الباب، بوعثمانَ؟
لا.. لا شيء هذا البابُ!
بو عثمان، هل أصبحت عبدًا للذي عاينتَ:
للموتى.. وللأحياء
للأشياء والأسماء..
أم صرت الذي (لا شيء)!
أم لا شيء للاشيء؟
مرَّ الجار منسكبًا إلى المقهى
وبوعثمان يرقب كيف يمشي الليل في أرواد
زاروبٌ يخبئ طفلتين.. وضحكتين..
صبية ترمي رسالة عشقها في علبة الكبريتِ
بضع حجارة فرشتْ ملوكًا تحتها وغفتْ..
وفاطمة العتيقة ما تزال تبعثر الأصداف
ثم تلمّها كيما تبعثرها..
مساء الحزن يا فطّومُ!
أهلا/ قال سورٌ ملتح/ أهلا..
وغطى ساقه بالماء ثم غفا
وضوء خافت خلف النوافذ
ربما أحد سيشرب من نبيذ
ثم يبارك الأيام
ها غسقٌ يوزع آخر الأنباء..
أغنية تعالج في حنان الليل مرساةً..
صفير للوداع..
ارتاح بو عثمان فوق عصاه
ما زالت سفينته ترود الحلم من مينا الى مينا
وتصفر للوداع
إذن
سيأخذ جرعة ويبارك الأيام والدنيا
كما لو كان ذلك صدفةً!
ما زال في الأوقات متسعٌ ليرحل
إنما.. لا بحرَ كي يضع القصيدة فيه
هل هزمت قصيدته؟
تنهّد..
لم تؤرقه القصيدةُ
سوف يأخذ جرعة ويسير في كينونة الطيرِ
النوارس حرة..
والقلب حر..
والصخور تقوم:
صخرة مصطفى فتحت حقيبتها لتُعِلنه..
أتذكُرُ كيف كابد مصطفى؟
بيدين عاريتين كابد!
كان يعرف أيَّ موت لائق يختار
إذ تأتيه حورياته في النوِّ!
بو عثمان، هل أصبحتَ عبدًا للذي عاينتَ؟
لا.. لا
وأصبح مصطفى: لا شيءَ..
صخرة مصطفى: لا شيء..
بو عثمان يمضي وحده ليراهما: ملكًا على عرشٍ
وفاطمة العتيقة بعثرت أصدافها وغفتْ
سيغلق شاطئين على حقيقتها
فليلةَ عرسها كذبتْ
مساء النار يا فطومُ
فاطمةُ انتهت
هل كان ذلك صُدفةً، أم كان؟
لا..
ما زال يخترع ابتسامتها،
وتخذله الأصابعُ حين يبصر في غدائرها هديل يمامتين
سدًى
رماد في رمادٍ
جرعة تكفي وهذا البحر أضحى مزبلةْ
البحر يغرق في التجارة
حين يخدعه مغنٍّ تافهٌ: يرتاحُ
إذ ترمى مجارير المدائن فيه: يضحكُ
صار خداعًا
ونصف محايدٍ
لا وجه لهْ
البحر ينسى أولهْ