واقعة مأساوية تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي خلال 24 ساعة، حيث أقدم موظف على الانتحار داخل إحدى الشركات بمنطقة التجمع الخامس، فقام بإلقاء نفسه من الطابق الثالث، إثر خلافات بينه وبين مديره، بعد أن قام الأخير بتوبيخه وخصم 4 أيام من راتبه لدخوله الحمام لفترات طويلة بسبب إصابته بإحدى الأمراض، فضلًا عن تهديده الدائم بفصله من العمل.
تباشر النيابة العامة، التحقيق في الواقعة، وذلك بعد أن تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة، إخطارًا من قسم شرطة التجمع الخامس، بورود بلاغ من الأهالي يفيد بسقوط موظف من الطابق الثالث بالشركة التي يعمل بها، وبالفحص تيين أن الموظف «ن.ع»، انتحر إثر خلاف وقع بينه وبين مديره المباشر، قام على إثره بالتوجه ناحية الشباك الموجود بأحد المكاتب وألقى نفسه من الطابق الثالث ليسقط جثة هامدة، قبل أن تستطع الأجهزة الطبية إنقاذه.
أكدت التحريات، أن الموظف المنتحر، كان يمر بحالة نفسية سئية، بسبب وجود خلافات بينه وبين مديره باحد الشركات الخاصة، والذي كان يتعامل معه بقسوة، وهدده بالفصل من العمل أكثر من مرة.
كواليس ما قبل انتحار الموظف
قامت فتاة تدعى «روشن بغدادي»، بنشر فيديو لها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تروي ما حدث قبل انتحار الموظف «ن.ع»، ونظام العمل داخل الشركة والتي دفعت المنتحر على الإقدام على هذا الفعل، قائلة: «صديقها المنتحر كان يقف بجانبها قبل انتحاره بدقائق، وأقدم على الانتحار بسبب معاملة مديره السيئة وتوبيخه المستمر له وخصم عدة أيام من راتبه وهدده بالرفد وكان يمر الضحية بضائقة مالية».
وتابعت: «الشركة تعمل بنظام الكروت لو غلطت كارت أصفر، بعدها أحمر، وأسود، بعدها تترفد من الشغل»، واصفة طريقة تعامل مسئولي الشركة مع الموظفين بـ«خرفان»، «دي مقبرة» بتلك الكلمة وصف أصدقاء «ن.ع» في العمل داخل الشركة، «الناس كلها بتشتكي من التعسف والمديرين»، كل ما يهم المدير هو تحقيق الأرقام:«أحقق أرقامي إزاي؟.. أني أعصر الموظف ينزل أرقام».
وأضافت: «أنا كنت واقفة جنبه وهو بياخد آخر نفسه في المكان، أنا لحد دلوقتي مش عارفة أقوم من السرير ولا أدخل المكان تاني.. يا جماعة أنت كتيم ليدر أو مدير حط نفسك مكان أي حد، أنت مسؤول، لازم تحسوا بالناس اللي تحت إيديكم، أنت الموظف بيقضي معاك وقت أكتر ما بيقضي في بيته، بتعاملوا الناس على إنه عبيد، إحنا مش عبيد، زي ما أنت عاوزه يتعامل مع الزبائن وبتعاطف معاهم، أنت كمان لازم تشوف مشاكله فين وتتعاطف معاه، الراجل كان واقف جنبي وهو بيموت، بتاع الأمن بقوله ربنا يرحمه قالي الله أعلم، أنت مين عشان تقول مين ربنا يرحمه ومين ربنا ميرحموش».
التحليل النفسي لشخصية المدير متسبب الواقعة
ومن ناحيته، يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن المدير في العمل لابد أن يتعامل مع الموظفين على أساس هام جدًا، وهو أن مكان العمل عبارة عن ناس وليس مكان أو موقع، لافتًا إلى أنه هناك مدراء بتصرفاتهم يدفعون الموظفين إلى كره مكان عملهم والعمل نفسه، سواء كان العنف الذي يمارسه المدير إيجابي أو سلبي، فإن هذا العنف يجعل الموظف يكره مكان عمله، وبهذا الأمر يعتقد المدير أنه يحقق وظيفته.
ويستكمل فرويز، في تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن المدير هدفه تحقيق التارجت المطلوب، ويكون عليه ضغط أيضًا من قبل المدير الرئيسي، ومن خلال هذه الضغط يعتقد المدير أنه كلما ضغط على الموظفين فإنه يحقق الهدف المنشود، ولكنه يدفع الموظفين لكره العمل.
التحليل النفسي لشخصية المنتحر
أما عن الموظف المنتحر، يشير إلى أن المنتحر هو شخص عُصابي نتيجة الضعوط المادية أو النفسية لم يستطع تحمل الضغوط وأقدم على الانتحار، وليس لأن المدير وحش فقط، ولكن المنتحر لم يتسطيع تحمل الضغوط، ناصحًا أنه كلما كان المدير بسيط مع الموظفين ويضحك معاهم ويعاونهم في العمل بيده فإن الموظفين سيعملون أكثر ويحبون مكان عملهم، وهذا ما نجده في الأماكن الناجحة، وجعل الموظف يشعر أن هذا مكانه ويستفيد منه ويحبه جدًا وبالتالي سيقوم بإخراج أفضل ما لديه في مكان عمله.
المدير القاسي شخصية سيكوباتية
كما يوضح الدكتور علي عبد الراضي، استشاري العلاج والتأهيل النفسي، أن المدير القاسي من الشخصية المُعادية للمجتمع وشخصية سيكوباتية، حيث أنه يتلذذ في إيذاء الآخرين نفسيًا، ويجعل الموظف لا يشعر بالأمان الوظيفي، وكل فترة يقدم «كبش فداء» ويفصل موظف من عمله، الأمر الذي يترتب عليه تغذيته لأمراضه النفسية على الآخرين، موضحًا أن ممارسة سلطة رأس المال والشعور بالإذلال والاستغلال والاستبداد يدفع الموظفين للانتحار أو تقديم تنازلات للجنس الآخر، ويسمى الاغتصاب المُقنع.
ويواصل عبد الراضي، في تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن المدير الشاطر يعمل على تقديم الترقية الطبيعية للموظفين، وفي حالة وجود كسور لدى أي موظف لابد من تعليمه ودفعه للحصول على المزيد من الكورسات لتطوير ذاته وتطوير عمله، مضيفًا أنه في حالة وجود وظيفة براتب معين، فتكون هي المعنى بحياة الموظف، وجعلته له دور وتواجد حقيقي، وفي حالة انسحاب معنى العمل أو الإبداع يدفعه للتفكير في سبب حياته واستمرارها وهو ما يدفعه للانتحار.
ويضيف، أن رسالة المنتحر هو أن موته كان الحل الوحيد، مطالبًا بتفعيل قانون العمل في العمل الخاص لحماية الموظف، فهو يوقع على استقالته دون رغبته، وهذا ما يسبب مشكلة خطيرة له، واستمرار قيام المدير بإذلال الموظف وأدائه الوظيفي أنه ليس جيد، فإن الموظف يشعر دومًا أنه مهدد بسبب تهديد المدير له، ولابد أن يكون هناك أمان وظيفي، وأن يفعل وزير القوى العاملة قانون قطاع الأعمال الخاص بما يضمن حقوق العمال، ويحميهم من التعرض لكافة هذه الأمور، متمنيًا أن يرحم الله الموظف المنتحر، لأنه يأس من الحياة وكان غير مسيطر على أفكاره وعقله، كما لابد من تقديم خدمات الدعم النفسي داخل شركات قطاع الأعمال، حيث أن الشركة محل الواقعة ستحاسب على التهديد وعدم وجود إجراءات السلامة والأمان بداخلها، فضلًا عن ضرورة وجود تأهيل نفسي لمتابعة حالة الموظفين.