قال المستشار محمد خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، إن ما صدر من وزارتى الخارجية الأمريكية والألمانية وبعض المنظمات المدعوة بالحقوقية، حول قولها زورا وبهتانا "خيبة أملهم من جراء أحكام قضائية صدرت في مصر مؤخرًا في إحدى القضايا“ يعد عملا ينتهك سيادة الدول وهذا الاعتراض من أمريكا وألمانيا على المحاكمات التى تجرى فى مصر يمثل تدخلا سافرا فى شئون العدالة المصرية.
وأضاف: “يجب وضع الأطر القانونية والدستورية العالمية على أعلى مستوى فى علم القانون فى المجال الدولى حتى يبين للعالم مدى إدانة التدخل الأجنبى لأمريكا وألمانيا فى شئون العدالة، فلا يكتفى الشأن العام بمجرد الرفض أو الشجب أو الاستنكار بل تكون مراَة صادقة بأدلة ثبوت دولية على عدم شرعية هذا التدخل، وعرضها مهمة الإعلام المصرى الوطنى ويجب ترجمتها لتصل إلى العالم”.
وفي دراسة للمستشار محمد خفاجى، بعنوان "التدخل الأمريكى والألمانى فى شئون العدالة المصرية خرق للمبادئ العالمية عن استقلال القضاء" كشف هذا التصرف غير المشروع بأدلة دولية، ونعرض للجزء الأول من هذه الدراسة فى أربع نقاط هى:
-التدخل الأمريكى والألمانى فى شئون العدالة المصرية خرق للمبادئ العالمية عن استقلال القضاء.
- إعلانات العالم تحظر التدخل أو الضغط أو التأثير على القضاة من أية جهة.
-التدخل الأجنبى فى شئون العدالة العربية من جرائم الفساد الدولى.
- قارات العالم تحظر التدخل أو التأثير فى عمل القضاة على النحو التالى:
أولا: التدخل الأمريكى والألمانى فى شئون العدالة المصرية خرق للمبادئ العالمية عن استقلال القضاء
يقول المستشار خفاجى، إن ما صدر من وزارتى الخارجية الأمريكية والألمانية تجاه القضاء المصرى يخالف الاتفاقات الدولية والمبادئ الدستورية العالمية ويمس مبدأ استقلال القضاء ونزاهته وعدالة أحكامه، وهذه الظاهرة لا تؤثر على عدالة القضاء فحسب بل تجعل من هذا التدخل السافر وسيلة لانتهاك الحقوق التي وجد لأجل حمايتها ورد الاعتداء عليها، وقد نصت دساتير دول العالم على مبدأ استقلال القضاء وحياده وعدم جواز التدخل في العمل القضائى.
ويضيف أن مبدأ استقلال القضاء وحياده حظى على اهتمام المواثيق الدولية سواء الاتفاقيات الدولية أو الاتفاقيات الإقليمية، حيث أكدت الإعلانات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على استقلال القضاء وحياده بإعتبارهما من حقوق الخصم في أن تنظر دعواه من قبل محكمة مستقلة غير خاضعة للتدخل أو التوسط سواء كان خارجياً أو داخلياً أى سواء كان تدخلا يتجاوز ولاية سيادة الدولة أو نابعاً من داخلها ، ومن تلك المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
وتابع: نصت المادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة التامة بين الخصوم في الدعوى بدون أي تمييز قائم على اللون أو الجنس أو الدين أو القومية، وضمان حقوق الخصم في أن تنظر دعواه أمام محكمة مستقلة دون أى تأثير وضغط على عملها وأن استقلال القضاء وحياده وتجرده من أي ميل يمثل عنصراً لا غنى عنه لتوفير المحاكمة العادلة.
وأردف: إن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نص في المادة (14) منه على إن من حق كل خصم في دعوى أمام القضاء أن تتولى المحكمة الفصل في حقوقه على أساس العدل والإنصاف دون تحيز.
كما أكدت هذه المادة على ضرورة أن يتولى القضاء الفصل في الدعوى على أساس القانون ووفق الأدلة دون أي ضغوط .
ثانيا: إعلانات العالم تحظر التدخل أو الضغط على القضاة من أية جهة
يقول الدكتور خفاجى أن إعلانات العالم تحظر التدخل أو الضغط على القضاة من أية جهة , حيث أن "الميثاق العالمي للقضاة" نص في المواد (1- 4) منه على توفير المحاكمة العادلة وضمان حقوق الخصوم ويتحقق ذلك بتمكين القاضي من أداء مهامه بعيداً عن أية ضغوط أو تأثيرات إجتماعية أو سياسية من أى جهة.
كما أن "الإعلان العالمي للعدالة" نص على عدم جواز التدخل في عمل القاضي أو توجيهه إلى الفصل في الدعوى وفق الهدف الذي حصل التدخل أو التأثير من أجله. وتضمن هذا الإعلان أن المقصود باستقلال القضاء هو توليه نظر الدعوى والفصل فيها بحرية تامة دون الوقوع تحت تأثير الضغوط أو التدخلات من أى نوع .
ويضيف أن "مبادئ بانغالور للسلوك القضائي" من خلال مجموعة النزاهة القضائية أثناء اجتماعها في مدينة بنغالور في الهند خلال الفترة ما بين 24 و 26 من شهر فبراير في عام 2001 نصت المواد (1- 4) منها على أن يتولى القاضي مهامه على أساس القانون وتقديره للوقائع المعروضة عليه دون وجود أية ضغوط أو تدخلات أو مؤثرات على قراراته المتخذة للفصل في الدعوى التي ينظرها.
ويشير إلى أن "إعلان فيينا لحقوق الإنسان أمام القضاء" قد اعتنى عناية فائقة باستقلال القضاء دون تدخل , ونصت المادة (27) منه الى إن استقلال القضاء وحياده يعد الأساس الذي تبنى عليه العدالة والإنصاف وضمانات حقوق الخصوم في الدعوى المنظورة أمام القضاء، كما أصدرت لجنة "حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة" إعلاناً بقرارها رقم 33 لسنة 2004 حول "استقلال ونزاهة القضاء والمحلفين والخبراء القضائيين والمحامين" نص فى المادة (7) منه على ضمان استقلال القضاء وحياده بتمكين القاضي من أداء مهامه دون تدخل أو تأثير أو مضايقة من أى جهة أياً كانت.
ثالثاً : التدخل الأجنبى فى شئون العدالة العربية من جرائم الفساد الدولى:
يقول القاضى خفاجى، إن ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية وقد يَتَّخذ الفساد مظهراً داخلياً أو إقليمياً أو عالمياً فهو ليس لصيقاً بالمحلية وإنما قد ينصرف إلى الشأن الدولى بصدد التدخل فى شئون القضاء حينما يتم خرق سيادة الدول.
واتسعت هذه الظاهرة عالمياً لذا بادرت بعض المنظمات الإقليمية إلى وضع العديد من الاتفاقيات ذات الطابع الإقليمي للحد من أثار هذه الظاهرة , ونظرا لأن التدخل فى شئون العدالة ينتهك من جانب دول الغرب لدول الشرق خاصة الدول العربية لذا جرمت "الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد لعام 2010م" التوسط لدى القضاة ولو بصورة غير مباشرة ونصت في المادة (4/10) منها على اعتبار هذه الجريمة من جرائم الفساد, وعددت المادة (4) منها جرائم الفساد.
ومن بينها جرائم عرقلة سير العدالة وتشمل هذه الجرائم أفعالاً متعددة منها التوسط لدى القضاة، واعتبرت جرائم عرقلة سير العدالة من جرائم الفساد بما في ذلك جريمة التوسط لدى القضاة.
ويضيف كما أشارت المادة (12) من هذه الإتفاقية تحت عنوان "استقلال الجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة" إلى ضرورة قيام كل دولة طرف في هذه الإتفاقية بإتخاذ "كل ما من شأنه" من أجل ضمان استقلال القضاء لما له من دور كبير في مكافحة الفساد، وألزمت تلك المادة الدول العربية الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ أي إجراء يساعد على مكافحة الفساد القضائي فى ذات الوقت.
ونص "الإعلان العربي لاستقلال القضاء" في المادة (5) منه على ضرورة توفير الضمانات الكافية لاستقلال القضاء، وعدم جواز التدخل في عمله، وتضمن "إعلان بيروت" في المادتين (1 و28) منه على ضرورة تجريم أي تأثير أو تدخل في عمل القضاء، وأكد "إعلان القاهرة" على أن استقلال القضاء وحياده وهما الركن الركين لضمان احترام وحماية حقوق الإنسان، وتضمنت المادتان (1, 2) منه على ضرورة الالتزام بالمبادئ التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء لعام 1985 ومبادئ العدالة الصادرة عن المؤتمر العربي الأول للعدالة المنعقد في بيروت عام 1999.
رابعا: قارات العالم تحظر التدخل أو التأثير فى عمل القضاة
يقول المستشار خفاجى، إن قارات العالم تحظر التدخل أو التأثير فى عمل القضاة، ففي قارة أفريقيا نصت المادة (1) من "مبادئ المحاكمة العادلة" على ضمان حقوق الخصوم وتوفير المحاكمة العادلة أمام محكمة مستقلة وغير منحازة.
وتضمنت المادتان (4 و5) منها على أن يتولى القاضي نظر الدعوى والفصل فيها وفق القانون والأدلة دون أي تأثير أو تدخل في عمله.
وفى قارة آسيا صدر "إعلان مبادئ الاستقلال القضائي" باسم "مبادئ طوكيو" ونص على ضرورة حماية استقلال القضاء وحياده من أي تدخل أو تأثير، ونصت المادتان (3و6) "مبادئ استقلال السلطة القضائية" لعام 2001 على أن يتولى القاضي نظر الدعوى والفصل فيها وفق القانون دون أي تأثير أو ضغط.
وفى قارة أوروبا صدرت "المبادئ الدولية المتعلقة بإستقلال ومسئولية القضاة" وتضمن المبدأ (1) منها على أن يكون القاضي مستقلاً عن أي تأثير أو تدخل في عمله، كما ألزمت الدول الأوروبية على أن تُجرّم في قوانينها الداخلية أي فعل من الأفعال التي يراد منها التأثير على نزاهة القضاء أو عدالته، كما سار نهج المبادئ ذاتها "ميثاق القضاة في أوروبا" الصادر عن "الجمعية الأوروبية للقضاة" في عام 1993 وكذلك "الميثاق الأوروبي حول القضاة" الصادر عام 1998 وفي القارة الأمريكية صدر "إعلان كراكاس لعام 1988" ونص على تجريم أي تدخل أو تأثير على القضاء وقضى "إعلان كراكاس" بضرورة توفير الضمانات اللازمة لاستقلال القاضي عن أي تأثير أو تدخل أو توسط يمس بنزاهته وعدالته وسلامة أحكامه.
ونعرض غداً للجزء الثانى من هذه الدراسة المتخصصة المهمة فى اعلانات الحقوق الدولية لقارات العالم التى تثبت إدانة التدخل الأمريكى والألمانى فى شئون العدالة المصرية ليكون العالم على مراَة صادقة من عدم شرعية هذا التدخل.