تلجأ حركة النهضة الإخوانية التونسية دائما، لاستراتيجية الهجوم الشديد وإطلاق التصريحات الحادة تجاه خصومها، بهدف إرباك المشهد السياسى والتغطية على العديد من الأزمات المتوالية فى وجه الحركة يومًا بعد يوم، بداية من مطالبات الشارع بمحاسبتها على خلفية تهم الفساد والتمويل الخارجي، إلى جانب تورطها فى قضايا عنف ودعم الإرهاب، وصولا للأزمة الأخيرة التى كشفت عن حجم الانقسامات الداخلية والتى أسفرت عن قتيل فى المقر المركزى للحركة، كان هو الإخوانى سامى السيفى الذى أوقع قيادات النهضة فى حرج بالغ أمام الشارع التونسي.
وتروج النهضة على لسان أتباعها عدد من الشائعات كعادة أى فصيل إخوانى خارج السلطة، فهى حين تشير إلى قرارات الرئيس قيس سعيد فى الـ25 من يوليو تصفها بـ«الانقلاب»، وحين تشير إلى الوضع ما قبل قرارات الرئيس تصفه بـ«المسار الديمقراطى الذى أبهر العالم» رغم حالة الشلل التى سادت المشهد السياسي، وجعلت الدولة التونسية عاجزة عن التعامل مع كثير من الملفات ومنها جائحة كورونا.
وخلال 10 سنوات سيطرت فيها حركة النهضة على الحكم فى تونس، وشغلت العديد من المناصب الحساسة والمؤثرة، إلا أنها عجزت عن حل الأزمات الكثيرة التى تعانيها البلاد وأبزها الأزمة الاقتصادية بينما لا تتورع فى التشنيع على الرئاسة، وتطالب الرئيس بإصلاح ما أفسدوه خلال عقد كامل فى 5 أشهر واجه فيها الرئيس وضع خارطة طريق لإصلاح الدستور وتعديل قوانين الانتخابات التشريعية وإجراء انتخابات برلمانية.
قضايا التخابر وتهريب الأموال
وفى خطابه الذى كشف فيه عن خارطة الطريق التى ينتظرها التونسيون، أكد الرئيس قيس سعيد أن الشعب واجه خلال الفترة الماضية سياسات تعتمد على سلب حقوقهم وإفقارهم، والمتاجرة بآلامهم وقت الجائحة، ما جعله لا يتأخر عن تولى أزمة الجائحة بنفسه إلى جانب مساعدة القوات المسلحة، التى وجه لها الشكر كما شكر عددا من الدول الشقيقة والصديقة التى أقامت جسورا برية وبحرية وجوية لتقديم المساعدات.
وفى إشارة إلى معاناة الشعب من تسلط حركة النهضة الإخوانية وبعض التيارات التى تدور فى فلكها، لفت الرئيس إلى أن تونس واجهت بشجاعة جائحة جثمت على صدرها منذ العام 2011 التفت على ثورته وغيرت تاريخها، حيث عرفت تونس سنوات من الجمر فى كل المرافق: فى الأمن ومقاومة الإرهاب وغلاء الأسعار، وفى الاحتكار والفساد والإفلات من العقاب وغيرها من الظواهر التى كان الهدف منها التنكيل بالشعب وإسقاط الدولة التونسية، فضلا عن إذاعة الأكاذيب وظهور الشتم والسب والقذف وسقوط أخلاقى غير مألوف، بحسب كلمة الرئيس سعيد.
واتهم الرئيس أطرافًا بتهريب الأموال، والفشل فى إدارة ملفات الوطن، والتخابر مع دول أجنبية، وبيع الذمم للقوى الخارجية، حيث وصف هذه الأطراف بـ«اللا وطنية».
وأعلن الرئيس سعيد عن عدد من القرارات، أبرزها تنظيم مشاورات شعبية أو استفتاء شعبى عن طريق منصات إلكترونية تتيح لجموع الشعب أن تشارك برأيها فى الإصلاحات الدستورية المتوقعة، حيث سيعرض على المواطنين مجموعة من الأسئلة المعدة سلفًا لبيان رأى الشارع التونسي، ومن المقرر أن تنتهى هذه الاستشارات فى الداخل والخارج فى الـ20 من مارس المقبل الموافق للاحتفال بعيد الاستقلال، كما ستقوم لجنة لتأليف آراء الشعب فى مشروع إصلاحى للدستور، يجرى الاستفتاء عليه فى الـ25 من يوليو المقبل الموافق للذكرى الأولى لإعلان الجمهورية التونسية الجديدة، كما ستجرى الانتخابات البرلمانية على القانون الجديد فى 17 ديسمبر 2022 والموافق لعيد الثورة التونسية، وهو التاريخ الذى تم اعتماده من قبل الرئيس التونسى بدلا من 14 يناير.
ذعر داخل الحركة.. والغنوشى يكثف اجتماعاته
فى أول رد له على خطاب الرئيس سعيد، أدلى رئيس المكتب السياسى لحركة النهضة بلقاسم حسن بتصريحات لقناة المملكة الأردنية، قال فيها إن قرارات الرئيس الجديدة بلا سند دستورى أو قانوني، وأنها اعتداء سافر على المؤسسة التشريعية، واصفًا خطاب الرئيس بالتحريضى والتقسيمي.
وفى اجتماع المكتب التنفيذى لحركة النهضة، أول ديسمبر الجاري، هاجم بيان الحركة سياسات الرئيس سعيد، كما حاول الإيقاع بين مؤسسة الجيش والرئاسة من ناحية، وبين مؤسسة القضاء والرئاسة من ناحية أخرى، وركز البيان فى هجومه على سياسات الرئيس زاعمًا أنها «أوصلت البلاد إلى العزلة الدولية».
وبدوره يكثف راشد الغنوشى رئيس الحركة من ظهوره بعقد اجتماعات متوالية مع أعضاء المكتب التنفيذى للحركة، أو لقاء مسئولين أجانب، أو تفقد المكاتب المحلية التابعة للحركة، ومن خلالها يجد الغنوشى المناسبة لإطلاق تصريحاته الحادة ضد رئيس الجمهورية ليثبت لنفسه أنه ما زال يتمتع بنفس الأهمية القديمة فى الشارع التونسي.
أبواق الإخوان تهاجم اتحادى «الكتاب» و«الشغل»
أما أبواق الإخوان، ومنها سامى براهم المحلل السياسى التابع لحركة النهضة، فسخر على صفحته بفيسبوك من الاستفتاء الإلكتروني، وأشار فى تعليقاته إلى أنه حيلة من الرئيس لسرقة رأى الناس، وفى الوقت ذاته واصل توجيه الشتائم لخارطة الطريق بأكملها.
كما رفض «براهم» إشادة اتحاد الكتاب التونسى بخارطة الطريق، فقد وصف الاتحاد الخارطة بالتى «تليق بنضال الشعب التونسى وصبره على المكاره، وأنها بارقة أمل لهذا الشعب المنكوب، ودعا للالتفاف حول برنامج الرئيس الإصلاحى والتصحيحي»؛ وهو ما أغضب «براهم» وأزعجه كبقية إخوانه فى النهضة الذين أصيبوا بالذعر جراء المواقف التأييدية التى أبداها اتحاد الكتاب والاتحاد العام للشغل الذى نظر لقرارات الرئيس كونها «الاستجابة لمطالب الشعب».
ويشجع مراقبون للمشهد التونسى على ضرورة استكمال خارطة الطريق لاستعادة الدولة الوطنية فى تونس، وتصعيد نخبة جديدة قادرة على حل أزمات البلاد وتخليصها من سيطرة جماعة الإخوان الإرهابية، حيث تكون عملية التأسيس والإصلاح التى يسعى لها الرئيس سعيد إحدى مفاتيح الحل.
قتيل فى مقر النهضة يشعل الانقسامات
قبل أيام، شهد المقر المركزى العام للحركة وفاة عضوها الإخوانى سامى السيفي، 51 عاما، الذى أشعل النار فى نفسه داخل مقر الحركة، نتيجة تعرضه لمماطلات كثيرة من قيادات الحركة فيما يتعلق بعودته للعمل الذى طرد منه.
ويمتلك «السيفي» تاريخًا طويلا داخل الحركة التى تجاهلته، حيث قضى فى السجن مدة عشر سنوات فى ظل حكم الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على، على خلفية اتهامه بالانضمام لجهاز الإخوان السرى والاشتراك فى تنفيذ عملية «باب سويقة» التى أسفرت عن قتلى وجرحى فى العام 1991.
وفى مداخلة لإذاعة موزاييك التونسية، كشف القيادى السابق بحركة النهضة كريم عبدالسلام، والمتورط فى قضية «باب سويقة» أن حركة النهضة أنفقت المليارات على حفلات متعهم الشخصية وتمويل انتخاباتهم وعقودهم المشبوهة مع منظمات دولية لتلميع وجه الحركة السياسى فى الخارج، بينما لا يجدون القليل من المال للسيفى الذى يعانى قلة الرزق.
وتساءل «عبدالسلام»: «كيف لراشد الغنوشى رئيس الحركة أن يجد الكثير من المال لأفعالهم المشبوهة، ولا يجد القليل من المال لمنخرطى الحركة كى يعيش محفوظ الكرامة».
يشار إلى أن حادث حريق النهضة أسفر عن إصابة القيادى عبدالكريم الهاروني، وعلى العريض نائب رئيس الحركة، حيث خضع القياديان لتدخلات طبية وفق ما كشف عنه بيان صادر عن حركة النهضة.