تعد رواية "شاطئ دوفر" التي كتبها الشاعر والناقد والكاتب الإنجليزي ماثيو أرنولد، الذي يتزامن اليوم ذكرى ميلاده لعام 1822م،الذي ولد في بلدة ليلهام في مقاطعة ميدلسكس، والذي لم يقتصر على الأدب، إذ تنوعت كتاباته بين الأدب والتاريخ والسياسة واللاهوت والعلم والفن، يعد ثالث أعمدة الشعر في العصر الفكتوري إلى جانب لورد تنيسون وروبرت براوننغ وأعظم نقاد عصره.
تلقى أرنولد تعليمه في أكسفورد وفاز بجائزة نيوديغيت عن قصيدته "كرومويل" قبل تخرجه متفوقاً ليعمل مفتشاً في قطاع التربية والتعليم.
عاش آرنولد كغيره من شعراء ومفكري عصره ما شهده العصر من صراعات بين الدين ومكتشفات العلم الحديث فتأثر بها وتمثلها في شعره وتناولها كذلك في كتاباته النثرية كما يتضح ذلك في كتابه "الأدب والعقيدة".
كما كتب أرنولد كتابة النقدي المشهور "الثقافة والفوضى"، يشغل هذا الكتاب مكانة بارزة بين مؤلفات أرنولد الكثيرة الشعرية والنثرية، وذلك لما يتميز به من شمولية في الرؤية، وسلاسة في الأسلوب، وموضوعية في الطرح، وعمق في التحليل الاجتماعي، فضلاً عن كونه خليطاً معقداً ومركباً من المضحك والمبكي في المجتمع الإِنجليزي في ذلك العصر.
وجه أرنولد نقدا لاذعا وبناء لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإِنجليزي آنذاك، ولاسيما ما أسماه أرنولد بعبادة المال والإِيمان المطلق بالتطور المادي البحت على حساب القيم الاجتماعية والإِنسانية والدينية.
وتعد رواية "شاطئ دوفر" كناية للشاطئ الذي قضي أرنولد شهر العسل به، ويتكون من العديد من الشواطئ في هذا الجزء من إنجلترا من الحجارة الصغيرة أو الحصى بدلاً من الرمال، ويصف أرنولد انحسار البحر فوق الأحجار باعتباره زئيراً مزعجاً لذا كتب عنها متأثرًا بجمال طبيعية تكوينه :
البحرُ الليلة َهادئ
والمدّ ُعلى أوجهِ والقمرُ جميل
فوق مضيق ِ البحر ِ؛ والضوءُ على ساحل ِ افرنسة َ
يتـّقـدُ ويخبو ومنحدراتُ انكلترة َ الصخرية ُ تبرزُ
من عرض ِالبحر ِالهادئ ِ وامضة ً وعريضة.
تعالي نحو النافذة ِ فهواء ُ الليل ِ عليل!
ومن خط ِّ رذاذ ِ البحر ِالممتــّد طويلا
بين البحرِ وبين الرمل ِ الأبيض ِ تحت بياض القمر
أصغي ! ستستمعين َ إلى صخـَب الحصباءِ الهادرِ
إذ تسحبـُها الأمواج ُ وترميها
حين تعودُ على شاطئها الهائج،
يبدأُ ويكفُّ ويبدأ ثانيةً
بإيقاع ٍمرتجف ٍ متــّـئــد ٍ يأتي
بلحن ِالحزن ِالأبديّ.
سوفوكـِل من زمنٍ
سمع اللحن َعلى شاطئِ إيجة،
فذكــّره بمـد ّ البؤسِ البشريّ وجزرِه،
نحنُ كذلك نجدُ الفكرةَ في هذا الصوتِ
إذْ نسمعـُه ونحن على شاطئ ِ هذا البحرِ الممتـدِّ شمالا.
بحرُ الإيمان
كان على أوْجـِهِ يوما أيضا، وحولَ شواطئِ هذي الأرضِ
يلتفُّ كلفاتِ نطاقٍ براق.
ولكني الآنَ لا أسمعُ إلا صوتَ هديرِه
كئيبا، متّصلا، منسحبا
مرتدّا نحو زفيرِ رياحِ اللّيل
وصوبَ الأطرافِ الواسعةِ الموحشة
والحصباءِ العاريةِ لهذا العالم.
كما عكف أرنولد في سنواته الأخيرة على التعمق في دراسة الدين وعلاقته بالأدب، ومن أشهر مؤلفاته في هذا المضمار مقالته المطولة "القديس بولس والبروتسنتية"، على الرغم من التناقضات السلبية التي تكتنف مؤلفات أرنولد كترجحه في ولائه التام بين الشعر تارة والدين تارة أخرى، ولاسيما في السنوات الأخيرة من حياته، يمكن القول إِن هذا الشاعر والناقد الأدبي والاجتماعي الذي تبوأ مكانة رفيعة في مجتمعه الإنجليزي، وما زال يحتل منزلة عالية في تاريخ الأدب الإنجليزي، حتى رحل عن عالمنا في 15 أبريل 1888م ودفن في سري بليفربول.