الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

10 برديات في عشق مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

(١)
“يا أيها البشر والآلهة الذين في الجبل، إنها السيدة الوحيدة، مهابة فإنها التي تلد النهار، إنها سيدة الغرب والأرضين معا، إنها عين رع عظيم القدر في الأقاليم”.

(٢)
أدركت الآن لماذا يفعل القائد  كل هذا، لماذا يقلب الدنيا رأسا على عقب؛ لماذا يركض مثل الريح، لماذا يبني مدن ويمهد طرق.. ويمد شبكة اتصالات!.. خرجت لأنظر لديار الشارع فوجدتها ملئت بالزخارف ودارنا على حالها وكأنها شاخت علينا.
(٣)
أدركت أننا مذ أن نزلنا البئر لننقذ يوسف ما صعدنا من قاعه.. أخذتنا السنين والنعاس وسمر الحديث عن براءة الذئب وكذب ادعاءات أبناء يعقوب.

خارج البئر.. نسينا "مصر" عطشى، تهلهل ثيابها وتقصفت ضفائرها وضعفت ساقيها.. صارت طلا بين تلال.

تترنح.. تهزي مع  أغاني المذياع الحزينة، وتشعل فتيل المصابيح كعيون تقرأ طلاسم على  جدران المعابد فتتوه منها الخطوات، تفتح التوابيت للبحث عن زوادة فيضرب يدها الحراس..  تنادي على الكلمات فيجيبها الصمت، تصلي للنيل فيولي وجهه عنها.. تتساءل لماذا النيل حزين! فيجيبها البحر أجاجا ملأ مقلتيه بعد العذب.

(٤)
لم يعد هذا الإله يهتم لأمور رعاياه في الوادي بعدما حرق بعضهم المعابد، تواكل العمال على الحنطة التي خزنها يوسف حتى نفذت من الصوامع، أعاد أولاد يعقوب صواع الملك لكن لصوصا سرقوا الملك ذاته.. عصا موسى أكلتها منسأة الأرض بعدما أكلت حيات السحرة، لم يأخذ الناس حذرهم بعد سليمان ظنوا أن الجن سيظل عاكفا على رفع حجر الأهرامات والأجساد أمامهم تتقزم من خوفو لخفرع لمنقرع لفرعون يعبث في الطرقات ويثمل على وقع المهرجانات.. حتى ذلك العفريت الذي أحضر عرش بلقيس أعاده وابن لقمان لم يعد يعظ بعدما سرق الشيطان عمامته.

(٥)
كان لابد من معجزة حتى يؤمن عزير بالبعث من الموت حتى وإن كانت الآية في حماره.
لم يكن مع قطز وهو يقطع رقاب رسل التتار سوى الإيمان بالنصر وبعض كلمات التفاؤل قابعة في الروح وصحبة صادق وإن كانت كف يد.

(٦)
في كل نصر لمصر كان جزءا من السلاح الفتاك دعاء الفقراء وتلاحم أجسادهم وكلماتهم في الدعاء مع أنهم أقل الحاصدين للغنائم لكنهم أصحاب الأرض يعرفون قدرها وتاريخها.. هي عشرة العمر وورث توارثوه عن أجدادهم بالعرف، ثراها من لحم أبائهم يتلفحون به كنوع من بر الوالدين، عظامهم مبذورة في كل مكان مع كل حرب تنبت أبطالا جدد وكأنهم في سراديب الفراعنة يأتون باستدعاء.

(٧)
أدرك  البطل وغارسو بذور الحياة أن جسد "بهية" في غرفة الإنعاش" وأنه لا بد من صدمات كهربائية حتى يعود النبض للقلب.. ولابد لجراحات قاسية وعاجلة.
كانت الأنباء تتردد في الخارج أنه لا جدوى من كل ما يحدث من إسعافات فلكم من جراح غائرة ونزيف في كل  الجسد والأعضاء.
خرج الرجل ومعه جموع من المؤمنين بأن أمهم تمرض ولكم من مرض عيال أصابها.. لكن تموت! محال.. محال أن تموت.. مكتوب في اللوح وفي كف العيال ومنقوش على سفوح الجبال محال.. كل الأنبياء والأولياء قالوا محال.
لكن كل هذا كان سطور في كتب جف حبرها ونحن في حاجة لسطر جديد يقول أنها ستعيش.

(٨)
في خارج حدود الإنعاش كان مغسل الموتى يجهز أدواته وكان كتبة الغرب يخطون شهادة الوفاة وهم يحتسون النبيذ ويضحكون: ماتت مصر تلك التي عجزت  أعتى الإمبراطوريات والهمج والعجم على قبض روحها.. قبضت روحها أخيرا.. يعبس الأمريكان بذقون الإخوان تهللا ويضربون مؤخرة الأتراك احتفالا.. كل من خان يشاهد لحظة الوفاة عبر شاشات غرفت العمليات.. النبض متقطع وجرس الإنذار يضرب لاستدعاء الأطباء.. 
يرى أبنائها صورتها على صفحة النيل وهم يتراصون حول الوادي، جريحة تحتضر بطول النيل،  تتوسد برأسها على معابد الأقصر وترتشف عذاباتها من أسوان.. تصعد روحها رويدا رويدا من أنامل أقدامها في سيناء والسلوم والصحراء الغربية.. يسري البرد القاتل في سيقانها من الجيزة إلى القاهرة إلى أسيوط إلى سوهاج.. من الإسكندرية إلى البحيرة إلى الغربية إلى المنوفية إلى غيرها المحافظات يركض أطفالها في كل اتجاه حيارى تائهين.. يتجاذبون ردائها الأخضر ويتعلقون في ضفائرها.
يرفع رأسها ضباطها فيتدافع أبناءها أسفلها يدفعونها للقيام تجلس فيمس القمر ضفيرتها.. يدفعونها أكثر وأكثر فتتحامل وتنهض فتستقر الشمس على جبينها.. تبتسم رغم الوجع.
يخرج مهرولا أحد أبنائها إلى الشامتين والخونة ومن صدق أنها تموت ويصرخ بأعلى صوت: مصر لم تموت.. لن تموت.

(٩)
رحلة التعافي شاقة.. اقتطع فيها أبنائها من طعامهم.. منحوها دمائهم.. تبادلوا السهر على عنايتها.. أنفقوا كل ما لديهم لشراء الدواء.. وكف أذى الأعداء فهم يدركون أن العودة من الموت تحتاج جلد وصبر وإيمان ولكم من جثامين أمم شيعت أمام أعينهم وارها الثرى ولم يعد لها حتى ذكرى ولا تواريخ على جدار الزمان.

(١٠)
لكن يا أيها البطل الهمام هلا رشفة من ماء لمن أدركت ولائهم من الجنود البسطاء؟ وهلا سمحت لداود وسمعت للقمان فهما  لم يعصياك ولم يكذباك القول قط؟ هلا قبلت عضد هارون ونزعت يدك أبناء "قابيل" فلا الله ولا نحن نقبل فدوهم ولا صلحهم فلا تستغفر لهم.