تنصبُ اهتمامات اليمنيين هذه الفترة على الوضع الاقتصادي الهش في بلدهم، مع حالة اللا استقرار لقيمة العُملة المحلية، والتبعات الكارثية لوضع الاقتصاد المُنقسم والآخذ بالتدهور المستمر مع غياب المُعالجات النافعة لتحسين قيمة الريال، أو على الأقل الحفاظ عليه عند مستوى محدد يحول دون مزيدٍ من الانهيار الناتج عن أسباب متعددة يحمّلُ خبراء اقتصاديون الحكومةَ المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي مسؤوليةَ الوقوف خلفها.
ومنذ سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء عام 2014م حتى مطلع ديسمبر الجاري فقد الريال اليمني ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار، وقفز على عدة مراحل من 250 ريالًا حتى تجاوز الـ 1700 ريال للدولار، بيد أنه عاد مؤخرًا ليشهد تحسنًا شكليًا مع شيوع أنباء غير مؤكدة عن احتمال وضع الجارة السعودية وديعة جديدة في البنك المركزي اليمني بهدف كبح هذا الانهيار.
وقال خبيرٌ اقتصادي وآخرُ مختص في تقييم الأنشطة المالية ومكافحة غسيل الأموال، إن المسؤولية في هذا الانهيار المهول الذي انعكس على معيشة 30 مليون نسمة هم سكان اليمن، تقف وراءها جماعة الحوثي والحكومة اليمنية في آن واحد باعتبارهما شاركا في اتخاذ الإجراءات الارتجالية التي أحدثت فجوة واسعة في بُنية الاقتصاد.
وقال المصدر المختص في مكافحة غسيل الأموال إن نقل الحكومة مقر البنك المركزي في 2016 وعدم وفائها بوعودها التي قطعت، إضافة إلى إغراقها السوق المالية بمئات المليارات من العملة حديثة الطبع، وتبذيرها للوديعة السعودية بطريقة ارتجالية، وتماهيها مع شركات وأشخاص متورطين في المضاربة بالعملة، وإقرارها تعويم سعر الريال منتصف أغسطس 2017، يجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن الكارثة الاقتصادية.
وحمّل المصدر جماعة الحوثي جزء من مسؤولية انهيار المنظومة الاقتصادية. وأفاد بأن الجماعة شكلت اقتصادًا موازيًا، ومنعت تداول العملة الحديثة في مناطق سيطرتها التي تتعامل بالعملات ذات الطبعة القديمة والمتهالكة، وأطلقت مئات الشركات والمصارف في السوق المالية لاستنزاف العملة الصعبة، وكانت السبب وراء الانقسام الاقتصادي في البلاد؛ لافتًا إلى أن هذه المعطيات والأسباب تجعل الجماعة المدعومة من إيران شريكةً للحكومة في تقويض وتدمير اقتصاد البلاد.
ويسيطر الحوثيون على شمال اليمن حيث الثقل السكاني الأكبر، وفي صنعاء تتواجد مقار أغلب البنوك والشركات العاملة في البلاد، عوضا عن سيطرتهم على ميناء الحديدة الذي يستقبل أكثر من 70 في المئة من واردات الدولة، إضافة إلى ذلك يتحصل الحوثيون على أموال طائلة من تجارة الوقود في السوق السوداء وفرض الضرائب على التجار واستقطاع رسوم جمركية على البضائع الواردة من مناطق سيطرة الحكومة عبر منافذ جمركية استحدثوها خلال الحرب.
وكان مُؤملًا أن تُحدث الحكومة المعترف بها فارقًا في تحسين الوضع الاقتصادي مع تحصلها على وديعة سعودية بملياري دولار في يناير 2018م، إلا أنها استنفذت أغلب أموال هذه الوديعة مع عجز البنك المركزي عن استقطاب إيرادات عدة محافظات تحت سيطرة الحكومة مثل مأرب الغنية بالنفط، ومحافظتي المهرة وتعز، واستمراره بطبع عملات نقدية جديدة دون أي غطاء مالي من العملة الأجنبية.
وذكر مصدر مسؤول في البنك المركزي أن الاحتياطات النقدية الأجنبية لدى البنك المركزي اليمني كانت إلى غاية يناير 2014 مستقرة عند 5 مليارات ونصف المليار دولار، وعندما سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر 2014م أطبقوا على كل هذه المقدرات السيادية، وحينما أعلنت الحكومة نقل مقر البنك إلى عدن كان الحوثيون قد أفرغوا خزائنه من كل الاحتياطات النقدية الأجنبية وفقًا للمصدر.
ويعيش اليمن وفق تقديرات الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ونحو 80 بالمائة من سكانه أصبحوا بحاجة إلى المساعدات العاجلة من بينهم 4 ملايين مهددون بالمجاعة، مع وجود زهاء 15.6 مليون من اليمنيين في دائرة الفقر المدقع.
وأدى الانهيار الاقتصادي المتواصل إلى تعميق هذه المأساة، خاصة مع تراجع مستوى الدعم الإنساني الدولي وتزايد حدة النزاع، وعدم تحصل أغلب الموظفين الحكوميين على رواتبهم، بينما المحظوظين من موظفي الدولة في مناطق سيطرة الحكومة يتحصلون على رواتب غير منتظمة لم تعد تكفي لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية.