قضت محكمة الجنايات، المنعقدة بطرة، اليوم الأحد، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى، بالسجن المؤبد على القيادي الإخواني محمود عزت فى قضية التخابر مع منظمات وجهات أجنبية خارج البلاد،وإفشاء أسرار الأمن القومى، وهي القضية المعروفة بـ"التخابر مع حماس"، وإلى نص كلمة رئيس المحكمة:
بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" صدق الله العظيم.
الوطن كلمة جامعة لمعاني كثيرة لا يمكن حصرها، فهو المكان التي تحفظ فيه الكرامة ويصان فيه العرض، إن الوطن ليس تراباً فحسب ولا أشخاصاً بعينهم، الوطن هو أن يسكنك وتسكنه هو أنت وأنت هو الوطن أي شىء وكل شىء، فلا حياة بلا وطن ولا وطن بلا حياة.
نكون أو نكون.. هذا هو فكر جماعة الاخوان، خانوا وطنهم وخيانة الوطن مهما كان لها من مبرر جريمة لا تغتفر ولا شفيع لمن يقوم بهذا الفعل الشنيع، خاصة من يدعون للدين في زي العابدين ليساعدوهم علي العبث بمقدرات بلادهم وزعزعة استقرارها في سبيل أفكار متطرفة هدفها زعزعة الاستقرار من أجل الوصول إلي الحكم.
إن الهدف الرئيسي الذي كانت تسعى اليه جماعة الإخوان منذ نشأتها عام 1928 على يد مؤسسها حسن البنا، هو الاستيلاء على حكم البلاد وقيام الدولة الإخوانية وكانت تستر أهدافها، بستار الدين، وزعم خادع بأنها جماعة دعوية، والجماعة، وهي بسبيل تحقيق هدفها المنشود، استخدمت الإرهاب كوسيلة في تنفيذ أغراضِها، وسعت إلى تغيير نظام الحكمِ بالقوة، والإخلالِ بالنظام والأمن العام، وتعريضِ سلامة المجتمع وأمنِه للخطر.
وتولى المتهم السيد محمود عزت إبراهيم موقعاً قيادياً بالجماعة، حيث كان نائباٍ لمرشد الجماعة وعضو مكتب الإرشاد، الذي يعتبر القيادة التنفيذية العليا لجماعة لإخوان، والموجه لسياستها وإدارتها. ولما كان حُلم إقامة الدولة، التي تنشُدها الجماعة رهنٌ بفَناء الدولةِ المصريةِ، التي تمثل حجر عثرة أمامَهم، ولا سبيل لذلك إلا بزعزعة أركان الدولة، وأعمدتِها الراسخة، من خلال إشاعة الفوضى بالبلاد، فكان ذلك ركيزَة خطتِهم والذي من أجل بلوغه لا بأس أن تتحالف مع من يمكنها مبتغاها، ولو اختلفت عقائِدهم ومعتقداتِهم ما دامت اتفقت مصالِحهم نحو هدفٍ واحد هو إسقاط الدولةُ المصرية تمهيداً لإقامة الدولة الإخوانية، غير عابئين بما يمكن أن يُخلفه ذلك الاتفاق الغادر من أضرارٍ قد تصيب كبد الوطن فيضحى إلى زوال.
وفي إطارِ مخططٍ دِولي، لتقسيمِ مصر والمنطقةِ العربيةِ، لدويلاتٍ صغيرةٍ، على أساسٍ مذهبي.. وديني.. وعرقي، وجدت تلك القوى الأجنبية، ضالتَها في جماعةِ الإخوان، التي لا تؤمنُ بالأوطان، ولا تعرف سوى أطماعِها في الحكم. وبدأ تنفيذ ذلك المخطط باستثمار حالة السَخَط والغضب الشعبي على النظام القائم آنذاك ومراقبة ما تسفر عنه الأحداث للتدخل في الوقت المناسب لإحداث حالة من الفوضى العارمة من خلال الاستعانة بعناصر حركة حماس وحزب الله اللبناني بالإضافة إلى العناصر الإخوانية التي سبق تدريبها بقطاع غزة بمعرفة حركة حماس.
وتنفيذا لذلك قام كل من المتهم الماثل السيد محمود عزت، ومن سبق الحكم عليهم من قيادات الجماعة بالسعي نحو التخابر واتفقوا مع من يعملون لمصلحة منظمة مقرها خارج البلاد - التنظيم الدِولي الإخواني وجَناحِهِ العسكري حركة "حماس" للقيام بأعمال إرهابية داخل البلاد وضد ممتلكاتها ومؤسساتها وموظفيها ومواطنيها، وعُقدت لقاءاتٌ بين أعضاء الجماعة، وبين المسئولينَ بحركةِ حماس لتنسيقِ العملِ المشتركِ بينِهم، في كيفية الإعداد، والتحرك لتغيير نظام الحكم في مصر، وفتحوا قنوات اتصال مع جهات أجنبية رسمية وغير رسمية لكسب تأييدهم لذلك، من خلال عدة سفريات قام بها أعضاء الجماعة، في الولايات المتحدة وتركيا، والسعودية، ولبنان، وشاركوا من يسمى بأمير الجماعة الإسلامية بباكستان في مؤتمر عُقد بقطر تحت عنوان "الحوار الإسلامي الأمريكي" تحت رعاية معهد بروكينغز الأمريكي بالتنسيق مع وزارة الخارجية القطرية حضره الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وأرسلوا عناصرَهم لتلقي دوراتٍ تدريبيةٍ إعلاميةٍ لتنفيذ الخطة المتفق عليها بإطلاق الشائعات والحرب النفسية وتوجيه الرأي العام الداخلي والخارجي لخدمة مخططاتِهم.
وحضر عددٌ من شبابِ جماعةِ الإخوان دوراتٍ تدريبيةٍ في مخيمٍ شبابي لرابطةِ المسلمينَ بالعاصمة اللبنانية بيروت وشبابُ الجماعةُ الإسلاميةُ بحضورِ عددٍ من شبابِ الإخوان من الدولِ العربيةِ تحت رعايةِ وتدريبِ حركةِ حماس، بغرضِ تأهيل بعض عناصرِ الإخوان للمشاركةِ في تنفيذِ الخطةِ الإعلاميةِ المتفقُ عليها خلال مراحل التخطيط للاستيلاء على الحكم. وقاموا بالتحالف والتنسيق مع تنظيمات جهادية بالداخل والخارج، تسللت بطرق غير مشروعةٍ عبر الأنفاق إلى – قطاعِ غزة – لتلقي تدريبات عسكرية داخل معسكراتٍ أعدت لذلك، وبأسلحة قاموا بتهريبها عَبر الحدود الشرقية والغربية للبلاد وكان يُطلَق عليهِم "المجموعاتُ الساخنةُ" ويتم تدريبِها بشكل راقٍ وتضطلع بالمهام التنظيمية السرية، مثل التنسيق مع قيادات حركة حماس وكتائب عز الدين القسام لتسهيل عمليات تسلل العناصر الإخوانية عبر الأنفاق الحدودية إلى قطاع غزة، ووضع البرامج اللازمة لتدريبهم عسكرياً داخل القطاع، وجمع التبرعات المالية من المواطنين المصريين بدعوى مساعدة الشعب الفلسطيني، بيد أن جزءاً من هذه التبرعات كان يخصص لصالح أنشطة هذه العناصر وتدريباتِهم مع حركة حماس، ووفروا الأسلحة والذخائر لحركة حماس الفلسطينية وتهريبها إليهم عبر الأنفاق، وجمع السلع التموينية والمواد البترولية وتخزينها بمحافظة شمال سيناء لنقلها لقطاع غزة عبر الأنفاق، وإعداد البياناتِ والمطبوعاتِ، وتوزيعها لإثارة الجماهير. - وتبادلوا عبر شبكة المعلومات الدولية، نقل تلك التكليفات فيما بينَهم وبين قيادات التنظيم الدِولي، وكذا البيانات والمعلومات المتعلقة بالمشهد السياسي والاقتصادي بالبلاد والسَخَط الشعبي قِبَل النظام القائم آنذاك وكيفية استغلال الأوضاع القائمة، بلوغاً لتنفيذ مخطِطِهم الإجرامي. وأمدوهم بعناوين بريد إليكترونية لاستخدامها في التراسل بينهم ونقل وتلقى التكليفات عبر شبكة المعلومات الدِولية، كما أمدوهم بالدعم المادي اللازم لذلك.
ووقعت جرائم أدت إلى المساسِ باستقلال البلاد ووحدتِها وسلامةِ أراضيها تنفيذاً للاتفاق، حيث تم دفع مجموعة من عناصر تنظيمات مسلحة، تسللت بطريقة غير مشروعة عبر الأنفاق الحدودية الشرقية للبلاد، مستقلين سيارات دفع رباعي مدججة بأسلحة نارية ثقيلة وأطلقوا قذائف آر بي جي وأعيرة نارية كثيفة وتمكنوا من السيطرة على الشريط الحدودي بطول ستين كيلو متر ودمروا المنشآت الحكومية والأمنية وواصلوا زحفَهم صوب السجون المصرية لتهريب العناصر المواتية لهم، ومكنوا مسجونين من الهرب ينتمون لحركة حماس وحزب الله اللبناني والجهاديين وجماعة الإخوان وجنائيين آخرين يزيد عددُهم عن عشرين ألف سجين، وكان ذلك لخلق حالة من الفراغ الأمني والفوضى بالبلاد. وعلى إثر عزل الرئيس الأسبق الإخواني محمد مرسي من منصِبِه، دُفعت عناصر مسلحة تستهدف منشآت وأفراد القوات المسلحة والشرطة لإسقاط الدولة المصرية وخلق ذريعة للتدخل الأجنبي بالبلاد، وقد وقعت تلك الجريمة بقصد المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها، ونجَم عن ذلك إشاعة الفوضى وإحداث حالةٍ من الفراغ الأمني وتراجُع القوات المنوط بها تأمين الحدود الشرقية للبلاد وتعريض سلامةِ أراضيها للخطر.
بعتم أنفسَكُم سلعةً رخيصةً لتكونوا أدواتٍ وعملاءٍ لعدوكم وعدو وطنكم. لم تعلموا أو تتعلموا أن الوطن بمنزلة العرض والشرف لكل إنسان عاش على أرضِه وتحت سمائِه، ومن هان عليه وطنُه، هان عليه عرضُه وشرفُه.. والعياذ بالله من كل خائن غدار.
إذا كانت الخيانة خلقاً ذميماً.. وصفةً سيئة.. فما أجمل التحلي بالأمانةِ.. واقتلاع جذور الخيانة.. لتُربى النفوس والقلوب على مخافةِ الله وخشيتِهِ. بسم الله الرحمن الرحيم (رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) صدق الله العظيم [البقرة: الآيتان 204، 205].
إن المحكمة قامت بدورِها في البحثِ عن الحقيقةِ من خلالِ محاكمةٍ عادلةٍ منصفةٍ.. تحققت فيها كافة ضماناتِ الحقوقِ والحرياتِ.. في إطارِ الشرعيةِ الإجرائيةِ.. التي تعتمدُ على أن الأصلَ في المتهمِ البراءةِ... فقامت بضم العديدِ من القضايا المرتبطة بالدعوى الماثلة ارتباطاً بسيطاً للإحاطة بالدعوى عن بصرٍ وبصيرةٍ، والتي كانت قد استمعت فيها إلى شهادةِ كبارِ قياداتِ الدولة الذين عاصروا الأحداث.. فوجدت في شهادتِهم إحقاقاً للحق.. وإنارةً للطريق أمام المحكمة... لتنطق بالقولِ الفصلِ فِيها.
إن المحكمةُ استمعت إلى هيئةِ الدفاعِ.. وأتاحت لهم كل الفرصِ الممكنةِ.. لتقديم دفاعِهم شفاهة وكتابةً.. ليطمئن وجدانُها إلى أنها أعطت كل ذي حق حقه.. لم يحكمها سوى القانون.. الذي التزمت أحكامه ومبادئه.. وعكفت على دراسة جميع أوراق الدعوى ومستنداتها التي بلغ عددُ صفحاتِها نحو ثمانية آلاف صفحة بخلاف المستندات والقضايا المنضمة والتي يصل إجمالي صفحاتها إلى نحو عشرة آلاف صفحة أخرى دون كللٍ أو ملل... وصولاً للحقيقة.. حتى استقر في يقين المحكمة... عن جزم ويقين.. لا يُخالجه شكٌ أو عوار.. يقيناً ثابتاً.. لا مِرية فيه.. كافياً لإدانة المتهم ... إذ اطمأنت إلى شهادةِ شهودِ الإثباتِ.... وما طالعته من تقارير فنيةٍ ومستنداتٍ.. ويرتاحُ وجدانها إلى الأخذ بها سنداً للإدانة، وتعتبرُ أن اقتناعَها بأدلة الإثباتِ المار بيانها رفضاً منها لما أثارَه دفاعُ المتهم.. من اعتبارات وأوجه دفاع موضوعية... قَصَد بها التشكيك في تلك الأدلة... لحمل المحكمةِ على عدم الأخذ بها، ولا تعول المحكمةُ على إنكارِ المتهمين أمامَها بحُسبان أن تلك هي وسيلتُهم في الدفاع.. لدرء الاتهام.. بُغية الإفلاتِ من العقابِ.
وبعد الاطلاع على المواد 304/2، 313 من قانون الإجراءات الجنائية. والمواد 2/ أولاً، ثانياً بند (أ)، 77، 83(أ)/1، 85 (أ)/أ، د، 86، 86 مكرراً/1، 2، 86 مكرراً (أ)/1، 2، 86 مكرراً (ج)، من قانون العقوبات. والمادة 2/2 من قرار رئيس الجمهورية رقم 298 لسنة 1995 بشأن تأمين الحدود الشرقية لجمهورية مصر العربية. والمواد 17، 32/2 من قانون العقوبات حكمت المحكمة حضورياً: بمعاقبة المتهم السيد محمود عزت بالسجن المؤبد عما أسند اليه وإلزامه بالمصروفات الجنائية.