احتفلت ميلانو اليوم الأحد بالذكرى المائة لتأسيس جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية وبهذه المناسبة وجه البابا فرنسيس رسالة عبر الفيديو تحدث فيها عن أهمية هذه الذكرى، متأملا في ثلاثة معان هي النار والرجاء والخدمة.
وفي مستهل كلمته قال إن الذكرى لحظة مناسبة لتذكر الماضي مشيرا إلى أن التأمل في السنوات المائة للجامعة يكشف تقليدا تربويا هاما أحياه تفاني المئات من الرجال والنساء ويشهد عليه الآلاف من الخريجين”.
أكد البابا بعد ذلك على أهمية التربية من أجل أنسنة العالم والتاريخ، وهو ما ترغب الجامعة في القيام به من خلال تثمين الإرث الثقافي والروحي الذي يشكل هويتها الواضحة والراسخة والتي تحترم وتتقبل في الوقت ذاته الحساسيات المختلفة انطلاقا من الوعي بأن الحوار القائم على الصدق والاحترام مع الآخر يزهر أوضاع الإنسان.
وواصل الأب الأقدس أن الجامعة الكاثوليكية تحفظ هذه الشعلة وتنقلها وذلك عبر العلاقة أي الشهادة الشخصية والجماعية، فقبل نقل ما نعرف توقَد أولا النار بتقاسم مَن نحن، وهذا هو المعنى الأصلي لكلمة "جامعة".
وأضاف البابا أن هذا كان يعني في القرون الوسطى أن تسير مدارس مختلفة نحو وجهة واحدة، مكان واحد، روح واحدة، وفي حالة الجامعة الكاثوليكية نتحدث عن تاريخ مضاء بالإيمان يمنح وحدة لعالم المعرفة وينسج وحدة بين الأشخاص الذين يساهمون في نمو الجامعة: الأساتذة، الموظفين والطلاب.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الكلمة الثانية، الرجاء، فقال إن مفهوم التربية هذا تتحداه ثقافة فردانية تعظِّم الأنا مقابل النحن وتنشر اللامبالاة وتقلص قيمة التضامن وتحرك ثقافة الإقصاء. وواصل الأب الأقدس أن مَن يربي ينظر إلى المستقبل بثقة ويقوم بعمل يشرك لاعبين مختلفين من المجتمع كي يوفر للطلاب تنشئة متكاملة هي ثمرة خبرة وحساسية كثيرين؛ وهذه هي رسالة الأساتذة بشكل خاص الذين هم حراس مبدعون للتقاليد. ثم شدد البابا على كون التربية علاقة قبل كل شيء، جماعة من الأشخاص منفتحة على الواقع، على المتسامي وعلى الآخرين، على المعرفة والاكتشاف، على طرح الأسئلة والبحث معا عن إجابات.
وواصل الأب الأقدس، التطلع إلى المستقبل وهزيمة النزعة الطبيعية إلى الخوف بأشكاله المختلفة والذي يهددنا بالشلل والانغلاق. وأراد البابا فرنسيس في هذا السياق التذكير بدعوته إلى ميثاق تربوي عالمي لحث الجميع على الإصغاء إلى تساؤلات زمننا، بدءً من تلك الخاصة بالأجيال الجديدة في مواجهة الظلم الاجتماعي وانتهاك الحقوق والهجرة القسرية. كما وذكّر قداسته بالاعتماد المتبادل بين الجميع في عالم اليوم، ما يستدعي وضع نماذج فكر جديدة للتوصل إلى حلول للقضايا العاجلة العديدة التي علينا مواجهتها. ثم كرر البابا فرنسيس دعوته إلى الطلاب كي لا يدعوا أحدا يسلبهم الرجاء، وألا تصيبهم العدوى بفيروس الأنانية، وشدد على ضرورة الانطلاق من الجذور الراسخة لجامعتهم، لا ليكونوا تقليديين، بل ليستلهموا الحماسة للسير إلى الأمام وتحمل مسؤوليتهم في المجتمع.
وأخيرا تأمل الأب الأقدس في الكلمة الثالثة، الخدمة. وأشار هنا إلى أن جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية قد أثبتت أمانتها لخدمة الكنيسة والمجتمع. وأراد الأب الأقدس توجيه الشكر إلى الجميع، فبدون العمل اليومي لكلٍّ منهم كان لهذا المشروع المشترك أن يكون أكثر فقرا وينقصه شيء ما. وشدد قداسته على أهمية العمل معا كما في أوركسترا، ودعا إلى أن يقدم كل فرد أفضل ما لديه في تناغم مع الآخرين، وإلى أن تظل روح الخدمة الطابع المميز لهذه الجماعة الجامعية، لأن هكذا فقط ستكون أمينة للإنجيل الذي يلهمها. وأشار البابا فرنسيس هنا إلى أن يسوع المسيح ورغم كونه الحكمة الإلهية قد اختار أن يخدم حتى بذل الذات، وهذه هي حكمة الصليب.