الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عادل مكاوى.. أحد عباقرة مصر المجهولين (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من مشاكل التكنولوجيا التى نعانيها وسنعانيها، أنها عطلت فى أحيان كثيرة قدرات البشر، فصاروا يتواكلون، إتكالا عليها!..وبعد أن كانت كفاءة العنصر البشرى هى العامل الأول فى مهن كثيرة، أصبحت الآلات والبرامج المتطورة ومدى حداثتها هى العامل الأهم، وفى الغالب لا تحتاج سوى مهارات بشرية محدودة، للتعامل مع تلك الآلات أو البرمجيات، وعادة تكون اللغة الأجنبية من أهم المهارات المطلوبة لأننا فى المعتاد ناقلين للتكنولوجيا ولسنا صانعين لها!!..ولا شك أن البنوك من أهم القطاعات التى تأثرت بالتكنولوجيا، بعد أن أصبحت أغلب التعاملات فيها كما يقال فى الحملة الإعلانية الشهيرة ”مميكن"!..ولكن يا للأسى حين تتعطل الشبكة أو تسقط فتتعطل مصالح العملاء لساعات بسبب عطل الشبكات وما تحدثه من شلل!..وهو ما حدث معى وعانيته عدة مرات!.. وكما أصبحنا فى الغالب نتكاسل عن استخدام عقولنا وعمليات الضرب والقسمة التى تعلمناها فى الصغر، ونعتمد على الآلات الحاسبة، أصبح كذلك أغلب موظفى البنوك يعتمدون بشكل كلى على برامج الكمبيوتر المعدة مسبقا، وليس لهم علم بالمعادلات الرياضية الدقيقة التى تتم داخل الكمبيوتر، وهو ما يتسبب فى بعض المشكلات التى يعانيها العملاء، وخاصة فى حسابات القروض وفوائدها وغيره. إلا أن هناك من يصرون على عدم الاكتفاء بالنقل والتقليد ويحرصون على تعلم ”الكيفية"، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية Know-how 

أى تعلم الطريقة، فبدون أن نتعلم أصل الأشياء وكيفيتها لن يمكننا تطويرها أو حتى استخدامها دون عقبات.. وهذا ما جعل المهندس/عادل مكاوى لا يمل من العمل لساعات وأيام حتى يصل للمعادلات التى تتحكم فى العمليات والمعاملات البنكية وغيرها، وبالتالى أصبح يمتلك القدرة على تطوير تلك المعادلات، لتيسير وحل المشكلات التى تواجه سير العمل ومصالح العملاء.. ورغم أن الكثير من طاقاته وقدراته لا تزال معطلة أو لم يتم الاستفادة منها كما ينبغى.. إلا أنه لم يستسلم للإحباط، فمبدأه الذى إختزله فى بضع كلمات: ” لا تفكر فى الشئ المفقود حتى لا تفقد شئ من الموجود.. وإذا قدر لك بشيء غير موجود فإنك تفقد شيئا من الموجود.. وأن كل شيء مقدر ومكتوب.. فكر ودبر واعمل واجتهد واصبر ورابط وتعاون  وشارك الناس وساهم وتفاءل لكى تكون موجود.. وتذكر دائما أنك عبدالمعبود.. فرب المنع والعطاء والقلوب دائما مطلع وموجود"... لذلك فهو يعمل دائما دون انتظار لمقابل، ويساعد البشر بكل جهده، ويفنى نفسه فى عمله حتى ولو لم يجد ما يستحقه من تقدير، وأصبح يستثمر قدراته الحسابية والتحليلية والهندسية فى التأمل والتدبر فى قضايانا التاريخية والثقافية وغيرها، ليقدم معلومات دقيقة ورسومات وخرائط تختزل الموضوعات المعقدة وتبسطها، ليساعد ويثقف كل من يعرفهم.. فمثلا يعكف على دراسة تاريخ الأنبياء وتاريخ مصر، كى يأتى بمعلومات دامغة وموثقة تكذب الإدعاءات الصهيونية التى تحاول إثبات حقوقا تاريخية فى مصر بالتزييف.. ويتأمل فى معان قرآنية لم ترد فى أذهان الكثيرين، كالفرق  بين الكرسى والعرش.. أو الأوصاف التى ذكرت في القرآن عن القلوب (الأكنة، والران، والطبع، والأقفال، والختمة، والقسوة، والمرض).. أو الفرق في القرآن بين أنواع الفوز المبين والكبير والعظيم.. ولا يكتف بنقل التفسيرات المتوارثة أو المتناقلة بل يحاول التأمل والبحث للتوصل للمقصد الإلهى ما استطاع.. ولا تمر مناسبة وطنية أو تاريخية أو إجتماعية إلا ويقدم معها دراسة شاملة ومعلومات وافية ويختزلها فيما يشبه (الكبسولة) وخير الكلام ما قل ودل..هذا النموذج المخلص فى عمله وفى الحياة موجود وليس الأول ولا الأخير، فمصر مليئة بالكفاءات وبالمخلصين الذين يتقنون ويبدعون، ويدركون أن الحياة رسالة، ولكن أغلبهم بكل أسف مجهولون!..لذلك عبرت فى المقال السابق عن مدى إعجابى بفكرة إنشاء بنك للشخصيات، كى يساعد القيادة السياسية فى اختيار الكفاءات الجديرة بتولى المناصب المهمة.. وهى الفكرة التى طرحت منذ سنوات، ولكن تأخرت الدولة فى تنفيذها رغم عزمهم على ذلك!.. ولم أكن أعلم أن صاحب هذا المقترح الرائع هو المفكر الدكتور محمود عمارة (الخبير الاقتصادى والحاصل على دكتوراه فى الاقتصاد السياسى من جامعة السوربون بباريس) والذى شرفت بتعليقه على مقالى السابق، وحديثه عن فكرته بإنشاء بنك (للقيادات والكفاءات) والتى حازت الإعجاب وكان من المتوقع تنفيذها فى ٢٠١٦، حتى أنه ناقش الفكرة مع فخامة الرئيس/عبدالفتاح السيسى فى إتصال هاتفي مع غيرها من مقترحات بنك الأفكار، ثم ناقشها فى مقابلة مع المهندس/إبراهيم محلب رئيس الوزراء آنذاك.. ويبدو أن الفكرة رغم أهميتها تاهت مع زخم الأحداث والتحديات التى تعيشها مصر، ولكن أتمنى أن يعاد إحياءها من جديد، لأننا فى حاجة ملحة لكفاءات وخبرات حقيقية، دون  وصاية من رؤساء العمل المباشرين، والذين قد تتضارب مصالحهم مع تصعيد المتميزين وذوى الكفاءة والإبداع!