لا يخلو مربع سكني في القاهرة من بطانية مهترأة وفرشة من كرتون مدفون بينهما إنسان، مشهد معتاد ومن فرط اعتياده صار ركنا أساسيا من مكونات الأحياء، المشهد المتكرر يخلع القلب وينسف كل مؤشرات التنمية من جذورها.
لا داعي أن يقول العقلاء بأن هذه الصورة ليست غريبة وموجودة في عواصم أوربية وأن غضبنا لا مبرر له، العواصم الأوربية لها من يكتب عنها، أما عاصمتنا فنحن جميعا مسؤولون عن كل زاوية فيها وعن كل نفس يدق في صدر محزون.
صورة أهالينا بين فرشة الكرتون والبطانية التي توحدت مع عوادم السيارات هي صورة تشكو الجميع.. تلعن الجمعيات الأهلية وتنتقد بقوة خطة الدولة في رعاية من أسمتهم بالمشردين، لا يكفي أبدا أن نتابع مبادرة محدودة هنا أو تحرك فردي هناك، في هذا البرد القاتل نشفق على الكلاب الضالة فماذا نحن فاعلون مع بشر ضاقت بهم السبل ولم يجدوا غير الرصيف ملاذا؟
كم من مرة تابعت شباب مثل الورد يتابع مشردا وبكل وعي وخبرة بعلم النفس يتم تهدئة الحالة من التوتر ليسمح لهم بعدها بحلاقة شعره وقص أظافره وتبديل ملابسه لنرى في النهاية ابتسامة المشرد وكأنها قادمة من خلف السحاب، لا نخفي فرحتنا بتلك المبادرات الشبابية الناضجة ولا ننكر مجهود جمعية بسيطة هنا أو مؤسسة هناك، ولكن بكل وضوح هذه الإجراءات غير كافية، هذه الإجراءات لا يمكنها مسح دموع الارصفة أو ولا تغني عن وجبة صحية ساخنة تسكن جوف أهالينا الذين يموتون بالقطعة كل ساعة أمام عيون الجميع.
ما أذهب إليه وبشكل مباشر هو ضرورة تأسيس آلية حقيقية ترعى عجزنا وقلة حيلتنا، الجمهورية الجديدة أو كما يحلو لي دائما تسميتها بدولة 30 يونيو لن تتوقف مبادراتها ولن تبخل بالميزانية اللازمة لهذا الغرض وتوفير دار واحدة على الأقل بكل محافظة يديرها محترفون، وفي حال الاستجابة لذلك المقترح، يصبح الرجاء هو بوابة الانقاذ فالرجاء كل الرجاء ان تبتعد أية مبادرات بعيدا جدا عن وزارة التضامن، الوزارة التي نجحت في تشريد الآمنين برعايتها للقانون 148 الخاص بالمعاشات وشردت عشرات الالاف هي وزارة لا تؤتمن على مشردي الشوارع أصحاب العلل والأمراض المركبة سيذهب المجهود إلى الفراغ إذا ما تماس مع أي لمسة بيروقراطية حكومية.
والدليل على تخوفي من الأداء الحكومي هو صياغتهم البليدة التي نشرتها وتطلب من المواطنين الاتصال على الخطوط الساخنة للابلاغ عن حالات المشردين مجرد اعلان وبعدها كان صمت الحملان هو سيد الموقف، على عكس المبادرة الشبابية التي ازدهرت في 2020 ثم خبت وكانت على ما اعتقد تحت رعاية مؤسسة اسمها معا ننقذ انسان.
الحالة العامة في هذا الملف لا تحتاج لشرح أو كتابة أو دفاع.. يكفي ان تتجول سائرا على قدميك من رمسيس حتى التحرير حتى ميدان باب اللوق ولا تخلط بين حالات التسول والحالات المرضية التي هي في أمس الحاجة إلى جدار وسقف وفراش، تكريم العجز ومساندة الضعف هي شروط أساسية ليحتفل الإنسان بكونه إنسان.
لن نسأل عن الدور الاجتماعي لرجال الأعمال في مصر لأنه سؤال ساذج، لأنني بكل صراحة لا أرى في مصر رجال أعمال بمعنى الكلمة الصناعية المنتجة باستثناء خالة محمود العربي وفريد خميس.. غير ذلك نحن نواجه تشكيل يزعم أنه ينتسب لرجال الأعمال، ولذلك فالرهان عليهم خاسر، مازلت رغم كسر ضلوع أبطال 30 يونيو إلا أن إيمانهم بالدولة المصرية مازال عميقا.
آراء حرة
في هذا البرد
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق