أيام قليلة وينتهي عام 2012، ويحتفل العالم بأعياد الميلاد المجيد، ونحن نقترب من أعياد الميلاد فى الشرق والغرب نتجه إلى موقع ميلاد السيد المسيح ببيت لحم حيث المغارة التى تحتوى على المزود المزين بالمرمر ويعلو المزود النجمة الفضية التى كتب عليها باللاتينية ما ترجمته " هنا ولد يسوع المسيح من العذراء مريم".
قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار: إن كنيسة المهد الذى بناها الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى وكانت مثمنة الشكل فى أساسها تحتوى على فتحة تؤدى الى مغارة الميلاد بينما نجد غرب المغارة بازيلكا كبرى تنتهى ببهو محاط بالأعمدة ويطل على بيت لحم
ويشير الدكتور ريحان في تصريحات صحفية إلى أن السيدة العذراء ولدت ابنها يسوع فى مذود او مغارة حيث أن البيوت الفلسطينية القديمة كانت تبني على كهف أو مغارة فيقسم البيت لمكان المعيشة والنوم وأسفل ذلك مخصص للحيوانات ولهذا يقوم الغرب بتصوير المذود فى إسطبل ملئ بالحيوانات بينما أشار القديس يوستينوس بأن المذود كان بمغارة، ويقول القديس لوقا البشير فى إنجيله " فولدت ابنها البكر وقمطته واضجعته فى المذود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل" لو 2: 7
ويرصد ريحان معالم كنيسة المهد أو الميلاد من خلال دراسة الدكتورة سلفانا جورج عطا الله المتخصصة فى الفنون القبطية وهى الكنيسة الأولى من بين الكنائس الثلاثة التى بناها الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى عام 335م حين أصبحت الديانة المسيحية ديانة رسمية بالإمبراطورية الرومانية وتقع فى جنوب الضفة الغربية ببيت لحم بفلسطين وهى أقدم كنائس فلسطين وتقام فيها الطقوس الدينية منذ القرن السادس الميلادى حين شيد الإمبراطور جستنيان الكنيسة بشكلها الحالى حتى يومنا هذا بانتظام ولأهميتها التاريخية والآثرية تم أدراجها على قائمة التراث العالمي عام 2012.
ويوضح ريحان من خلال الدراسة أن الكنيسة تعرضت للدمار عدة مرات أولها عام 529م عندما دمرها السامريون ويعتقد أنهم جماعة من اليهود ينسبون إلى عاصمتهم القديمة السامرة وبعد ذلك أعاد الإمبراطور جستنيان بناء كنيسة المهد على نفس موقعها القديم ولكن بمساحة أكبر وكان ذلك فى عام 535م ولم تقف الاعتداءات على الكنيسة عند هذا الحد ففى سنوات الحروب بين الفرس والرومان التى تمكن فيها الإمبراطور هرقل من طرد الفرس من ممتلكات الدولة الرومانية عام 629م هدم الفرس كنيسة المهد عام 614م واستثنوا بعض مبانى الكنيسة عندما شاهدوا نماذج من الفن الفارسى الساسانى على أعمدة وجدران الكنسية وفى القرن الثانى عشر قام الصليبيون بتزيين الكنيسة بالفسيفساء على الجدران وبالرسومات على الأعمدة وبالرخام على الأرضيات واليوم ولم يبق منها إلى القليل بسبب تخريب الكنيسة من قبل الجنود الأتراك في الفترة العثمانية.
المغارة الذى ولد بها السيد المسيح عليه السلام وهى من أهم معالم الكنيسة وهى عبارة عن شكل قائم الزاوية تغطيه الأقمشة الأسبستية الحريرية الناعمة لحمايتها من الحرائق وأرضيتها من الرخام الأبيض وتزينها الكثير من أيقونات الميلاد والقديسيين بالإضافة إلى 15 قنديلًا فضيًا وهم رمز للطوائف المسيحية فى العالم وعلى يمين الناظر إلى الهيكل الرئيسى نجد المغارة التى تُدعى «مغارة المجوس» حيث كان المذود الذى وضع فيه الطفل يسوع وفى آخر المغارة نجد بابًا يؤدى بنا إلى مغارات عديدة تحت الأرض للمسيحيين الذين أرادوا دفنهم بالقرب من الأماكن المقدسة ويفتح هذا الباب خلال الاحتفالات الدينية اللاتينية فقط.
في حين قالت الدكتورة سلفانا جورج عطا الله إن واجهة الكنيسة مدعمة بعدة عقود معمارية بنيت على مدار السنين كان فيها ثلاثة أبواب للدخول أما اليوم فلم يتبق منها سوى باب واحد وقد أضحى بدوره بالغ الصغر عبارة عن مدخل ضيّق منخفض وبالإمكان ملاحظة آثار الأبواب التي تعود إلى مختلف الحقب فوق المدخل ذات أسلوب الزخرفة البيزنطية ويؤدى المدخل الضيق إلى دهليز مظلم بسبب إغلاق جميع نوافذ الواجهة ثم نجد بابًا خشبيًا نحته فنانون أرمنيون عام 1227م يؤدّي بنا إلى داخل الكنيسة.
وأضافت عطاالله : أن الكنيسة مقسمة إلى خمسة أجنحة تفصل بينها أربع مجموعات من الأعمدة الحمراء عددها 44عمود ما زالت تظهر عليها آثار الرسومات القديمة من القديسيين والسيدة العذراء والطفل يسوع وترجع معظم الأعمدة الى القرن الرابع الميلادى أمّا عن سقف الكنيسة فهو عبارة عن ألواح من الخشب المكشوف يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر الميلادى وقد تم ترميمه فى القرن الماض ولم يبق من الموزاييك الذى كان يغطى الجدران سوى آثار قليلة والذى يعود إلى القرن الثانى عشر الميلادى وكانت الرسوم تمثل شجرة عائلة يسوع بحسب رواية متى 1، 1-17 ولوقا 3، 23-38 (الجزء الجنوبى) وعلى الجزء الشمالى نجد المجامع الكنسية ومشهد حياة يسوع كذلك توجد تحت مستوى الأرضية الحالية التي تعود إلى الحقبة الجوستنيانية فسيفساء قسطنطين وهى عبارة عن أشكال هندسية ملونة فى غاية الدقة والجمال.