اعتاد أفراد جماعة الإخوان الإرهابية وصف المجتمعات غير الخاضعة لسيطرتهم بـ"الناكصة لزمن الجاهلية" أي العائدة والمرتدة للجاهلية، لذا يقع عبء إخراج هذه المجتمعات من الجاهلية على الجماعة؛ وهي صفة "تكفيرية" بلور استخدامها الإخواني سيد قطب، فاستفادوا منها دون فرق بين عناصر حركية تقاتل، أو شخصيات وصلت لمستويات متقدمة في حيازة الدرجات العلمية كما هو الحال مع محمد الحبيب مرزوقي، والمعروف باسم "أبو يعرب المرزوقي" أو "الحبيب المرزوقي".
يشير تقرير “البوابة نيوز” إلى وحدة خطاب عناصر الجماعة الإرهابية، واستلهام أفكار "قطب" التكفيرية لدى أتباعها مهما تغيرت مواقعهم ودرجاتهم العلمية، كما يوضح جنون جماعة الإخوان نتيجة أي خطوات في طريق توحد الدول العربية ضد مشروعها الطائفي التخريبي، إلى جانب معرفة جوانب نتيجة استراتيجية الجماعة في اختراق المؤسسات الجامعية والتعليمية، والأحزاب السياسية اليسارية والمعارضة أو الحاكمة من خلال عناصر كامنة لا يتم الكشف عنها إلى حين.
تلاميذ سيد قطب في "مجتمع الجاهلية"
مستفيدًا من "قطب"، لم يتأخر أستاذ الفلسفة في وصف وظائف عقل العرب التي تتجلى عنده بصورة خاصة في السلوك السياسي بالمفقودة، والعودة إلى الحال التي كان العرب عليها قبل ظهور الإسلام.
ويرى "المرزوقي" أن للعقل وظيفتين: معرفية، وقيمية، تتجليان في السلوك السياسي "المتعلق بقوامة وجود الإنسان العضوي والروحي في علاقته بالطبيعة وبالتاريخ". مستكملا "وفي هذين الوظيفتين عاد العرب إلى الحال التي كانوا عليها قبل الإسلام فاقدين لهما بسبب ما بينهم من سلوك لا يستند إلى المعرفة ولا إلى القيمة بل هو سلوك تقوده الاندفاعات البدائية".
وقد يعتقد قراء مقالات وكتابات "المرزوقي" أنه يندفع بدوره في وصف السلوك السياسي للدول العربية بالعودة للجاهلية بسبب ما هو ظاهر من تشتتها وعدم اجتماعها، ما يدعوه لوصف الفرقة هنا بما كانت عليه القبائل قديمًا، متجاهلا تمامًا الأسباب التاريخية التي وصلت بعدد من الدول العربية لحالة من القطيعة فيما بينها، ومتناسيًا للدور الذي لعبته الجماعات الإسلامية في خلق الخصام وتعميقه بين الأشقاء. ألم تحتفظ جماعة الإخوان بعلاقات مريبة ومشبوهة مع قوى الاستعمار التي أُجبرت على الخروج من الأوطان العربية، تاركة ذيولها المتمثلة في جماعة الإخوان وفروعها في البلاد؟
زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون لدولة تونس
أبرز الأمثلة التي يستخدمها "المرزوقي" في ميل الدول لنظام القبيلة الذي ساد قبل الإسلام يراه في النموذج الجزائري، وهو مثال مفيد جدا لنا، حيث يوضح مدى رغبة المرزوقي وجماعاته في إفساد العلاقات الداخلية بين العرب، ثم الاستفادة منه بترويجها كفشل ذريع للوضع السياسي العربي والهجوم عليه.
يعلق "المرزوقي" على الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى تونس، 15 ديسمبر الجاري، ويصفها بـ"العمى الجزائري" لأن زيارة الجزائر لتونس هو نوع من الدعم للرئيس قيس سعيد الذي تعاديه حركة النهضة الإخوانية، وهو ما ترفضه الإخوان ويرفضه "المرزوقي" بالتبعية.
ويعتقد "المرزوقي" أن علة هذا "العمى" هو "النكوص إلى الجاهلية والميل إلى الدويلات الصغرى -مثل القبلية قبل الإسلام- التي هي بالجوهر محميات لعظماء الحقب؛ فحرب كل نظام عربي مع أجواره نكوص إلى الجاهلية تماما كما كانوا في خضوعهم لإمبراطورية فارس من الشرق ولإمبراطورية بيزنطة من الغرب".
ويذهب الجنون بعقل "الفيلسوف" فيرى أن زيارة "تبون" إلى تونس نوعًا من إحكام الحصار على نفسها، فهي تقطع علاقتها مع المغرب وتخشى من وجود إسرائيلي على حدودها الغربية، ثم تتجه لتعميق علاقتها مع تونس الواقعة تحت تأثير إسرائيل وروسيا، وفق خطة مصرية ودعم إماراتي. بحسب رأي بوق الإخوان المختبئ تحت عباءة الفلسفة والفكر.
هذه الإشاعات يروجها إعلام الإخوان دائمًا، ولا فرق بين إعلامي ساذج ممول وبين أكاديمي يطلق على نفسه "البروفسيور"، كلاهما يروج لإشاعات خطط لها التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية بمساعدة أجهزة أجنبية.
والسؤال: كيف تتخلص الجزائر أو أي دولة عربية من "العمى" أو من ميول العودة لزمن الجاهلية؟ وتتحدد الإجابة لدى "المرزوقي" في التوقف عن محاربة معسكر "الإسلام السياسي" والانسجام مع مشروعه؛ وهو أمر مضحك للغاية أن تنسجم الدول الوطنية مع قوى الفوضى والتخريب والإرهاب.
والسؤال بطريقة أخرى وإجابة ملتوية لصالح الجماعات مجددا: ما هي أسباب تقوية الأعداء وإضعاف الذات؟ وتشير إجابة "المرزوقي" إلى أن وقوع الدول في محاربة دول الجوار يساعد في تقوية العدو، لأنه "تقزيم للجغرافيا والتاريخ المشترك بين شعوب الإقليم"، كما تشير الإجابة إلى أن محاربة "الإسلام السياسي" هو إضعاف للذات لأنه "تخلي عن القوة الروحية وأصل التراث والحضارة".
ولا يُعد وصف طريق جماعات الإسلام السياسي بـ"الحضارة" فكرة مبتكرة وأصيلة لدى "المرزوقي" وإنما هي مستمدة بالأساس من كتابات سيد قطب، الذي رأى أن المجتمعات تنقسم إلى مجتمعين: إسلامي، وجاهلي. والأول هو المجتمع المتحضر، ومن لا يعرف ذلك عنده مشكلة في "تعريف الحضارة".
ويشرح "قطب" رؤيته للحضارة في كتابه "معالم في الطريق" قائلا: حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هي الحضارة الإنسانية". ومجتمع الحاكمية هو مجتمع "الإسلام السياسي" الذي يدافع عنه "المرزوقي"، وتقاتل من أجله عناصر التنظيمات، وبالطبع هو مجتمع طالبان والقاعدة وداعش والإخوان، وكلها مجتمعات عدوانية تكفيرية.
ويستمد "المرزوقي" شجاعته من الانسحاب الأمريكي في أفغانستان، وتسليم كابل وفق اتفاقات بين طالبان وواشنطن، فيصف ذلك الانسحاب بـ"خسارة أمريكا لمعاركها ضد المسلمين"، وفي عباراته مغالطات كثيرة: فطالبان هي المسلمون عمومًا، والاتفاقات السرية بين الطرفين أصبحت خسارة أمريكية وانتصارا إسلاميًا.
وبالعودة لتعليقات "المرزوقي" على زيارة "تبون" لدولة تونس، نلاحظ أنه يواصل هجومه عليها فيصفها بـ"الحمق السياسي"، ويفترض من خياله أن الجزائر اندفعت تجاه الرئيس قيس سعيد لخوفها من الثورة الليبية (المتمثلة في مليشيات طرابلس) والثورة التونسية (المتمثلة في إخوان حركة النهضة) حيث تلقي بنفسها، بحسب رأيه، في أحضان مصر وإسرائيل وروسيا، ومتطلبات الحقبة التاريخية تقول إن الخوف من هذه الدول أكبر من الخوف من جماعات الإسلام السياسي.
يبدو أن زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لتونس أشعلت النار في صدور حركة النهضة الإخوانية التي تذيع أن الرئيس سعيد أوقع تونس في "عزلة دولية" و "انهيار اقتصادي"؛ وهو ما ظهر ضعفه وتفتته نتيجة زيارة الجزائر إحدى أهم دول الجوار لتونس، حيث أذابت فكرة العزلة بزيارتها، وأعطت دفقة أوكسجين للاقتصاد التونسي من خلال ضخ ما يقرب من 300 مليون دولار لخزينة تونس، تم الإعلان عنه قبل أيام وفق بيانات رسمية حول الزيارة الجزائرية.
ومن الطبيعي أن تنطلق أبواق الجماعة لتصف الزيارة بـ"العمى" و"فقدان الوعي" و"النكوص لزمن القبيلة" و"الحمق السياسي" و"الارتماء في أحضان الأعداء"، كلها صفات تتفق مع الجماعات الإخوانية الشهيرة بالسقوط الأخلاقي.
تاريخ قديم
وظل "المرزوقي" عنصرًا إخوانيًا غير معروف في الأكاديمية، فهو إخواني بدرجات علمية متقدمة في مجال الفلسفة والفكر، حيث اعتاد "التنظيم" تصعيد عناصره المختفية إلى أماكن مرموقة داخل الجامعات، وعنصرًا غير معروف في الحزب الاشتراكي الدستوري، كما ظنت النخبة السياسية التونسية أنه أحد التقدميين واليساريين؛ ليجدوه فجأة على رأس قائمة حركة النهضة الانتخابية.
وليس مستغربًا في اللحظة الحالية أن نكتشف حقيقية مجموعة من الشخصيات، عاشت دهرا طويلا وسط اليسار والمعارضة أو الأحزاب السياسية الحاكمة قبل 2011 لتأخذ دورها كقيادات أصيلة وسط جماعات الإسلام السياسي المتطرفة.
واستقال "المرزوقي" من المجلس الوطني التأسيسي الذي سيطرت عليه حركة النهضة الإخوانية، قائلا "لو كنت أعلم أن تعييني من باب الترضية لنأيت بنفسي عن المشاركة"، ثم ظل وفيًا للتنظيم الدولي فلا يدع مناسبة إلا ويهاجم مصر التي أسقطت رأس الأفعى الإخوانية في ثورة الـ30 من يونيو، أو الهجوم على الرئيس قيس سعيد الذي أطاح بحركة النهضة وكشف زيفها أمام الشارع التونسي، أو الظهور في القنوات والمنصات الإعلامية للإخوان للتحليل السياسي والتعليق على الأحداث.
شهوات السلطة والسيطرة
في أغسطس من العام2017، شنت الكاتبة الأردنية زليخة أبو ريشة هجومًا على المرزوقي، حيث وصفته بأنه "دجال فلسفة" وأنه يخدم المشروع الإخواني بتطويع النص القرآني مئة مرة، ليتوافق مع أفكار مبيتة وقائمة لدى الإخوان.
موضحة أنه يعتنق نفس الفكر الإخواني المتطرف، والذي يمكن ملاحظته أثناء حديثه عن مستقبل الإسلام السياسي ومستقبل العالم، كما أنه يستغل الفلسفة في تسويغ المشروع الإخواني، من خلال إعطاءه النكهة الفكرية.
وقالت "أبو ريشة": منهجُ أبي يعرب هو توظيفُ العقلِ والخطاب الفلسفي للوقوفِ ضد العقل نفسِه وضد الفلسفة أيضا.
وأضافت في مقالها: تبدو واحدة من أخطرِ طروحات المرزوقي المغلّفة بالفلسفة، وهي "وحدةُ الإنسانيّة"، أولويّةً مطلقةً لديه ولدى الإخوانِ المسلمين. وإذ تبدو هذه الأطروحةُ نبيلةَ المقصد، تلتقي مع المذهب الإنساني الذي يرى في مجموع الجنس البشريِّ سكاناً، وفي الكوكب وطناً متساوياً للجميع، إلا أنّها في حقيقةِ الأمرِ تُخفي طمعَ الإخوان في حكمِ العالم! فمن خلالِ تلاعبٍ صارخٍ بالنصّ القرآني، سيبدو الرجلُ شاهدَ توحيدٍ بين الإسلام كدعوة إيمانية لجميع البشر، وبين شهوة السلطةِ التي تعمر رؤوس الإخوان للسيطرة على الكون. حيثُ يصبحُ الإسلام هو نفسُه مشروعَ الإخوان السياسيّ. وهذا لاتناهٍ في الخلل المنهجي، لأنه يستعملُ النصَّ القرآني بعد لَيِّهِ مئةَ مرةٍ، كتطبيقٍ ودليلٍ على فكرةٍ بشريّةٍ محضة. أي أنَّه يدخلُ إلى النصِّ بِنِيّةٍ مُبيَّتةٍ، للتدليلِ المزيَّفِ على بنيانٍ قائمٍ مليءٍ بشهوات السلطة والسيطرة.