الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الوحدة.. الوباء الصامت!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هل وصلنا إلى الدرجة التي يفضل فيها كل منا أن يبقى وحيدا؟! يفضل الوحدة على أن يخوض تجارب ويتعرض للأذى وأن يعيش حياته بدون شريك وبدون عاطفة؟! هل تستقيم الحياة بلا حب أو رغبة في العطاء؟! ظاهرة كنا نقرأ عنها دراسات وأبحاث في الدول المتقدمة هي الآن تستشري بقوة في أواصر مجتمعنا ألا وهي رغبة الإنسان في الوحدة والإنعزال،  الانفصام عن محيطه الأسري والعائلي والاجتماعي، أجدها حولي في كل مكان.. الغالبية العظمى من الشباب يرغب في الانفراد بذاته والابتعاد عن الناس، ناهينا أن هناك فئة كبيرة تفضل العلاقات السطحية العابرة عن الزواج ربما بسبب ما يرونه من فساد العلاقات الإنسانية حولهم، فازدادت نسبة عزوفهم عن الزواج. 

ما ينشر عن علاقات المشاهير ونهاياتها التعيسة ما نقرأ عنه من علاقات زوجية انتهت في المحاكم أو السجون أو بنهاية حياة أحد الطرفين، كل ذلك يبث الرعب في العلاقات ويفقدها الأمان العاطفي الذي هو أحد أهم أسس أي علاقة انسانية. 

أيضا يمكن القول بأن وجود الهاتف وحسابات التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تشجيع الشباب على الوحدة والعزلة والارتباط المرضي بها ومتابعة المشاهير والأصدقاء من خلف الشاشات دون تواصل حقيقي يشبع الحاجات العاطفية البشرية التي باتت بكل أسف متحجرة.

نجد الأزواج والزوجات كل منهم يفضل الخروج وحيدا بعيدا عن الأبناء والشريك، يهوى الجلوس وحيدا ظاهرا ستجدها في النوادي الاجتماعية والمولات والمقاهي.. باتت العزلة وسيلة للاستشفاء من الجروح النفسية التي تسببها العلاقات الانسانية المسممة. 

 ربما أول الأسباب التي نوجه لها أصابع الاتهام في هذا الخلل هي انعدام الثقة بين الناس، والخوف من التأذي النفسي، الأحكام المسبقة والصور النمطية التي تسجن البشر في أنماط سلوكية قد لا تشير حقا لما يمرون به أو بتجاربهم الانسانية القاسية، فنجد أحكاما مسبقة على المطلقات، وأحكاما مسبقة على الشباب الذي لا يرغب في الزواج، وأحكاما على الفتيات الرافضات للزواج. هناك تأثيرا سلبيا من غالبية ما ينشر عبر السوشيال ميديا والمتعلق بالعلاقات الانسانية فكل هذه المقولات التي يشاركها الشباب غالبا ما تذبذب أفكارهم وتجعلهم يعتنقونها بدافع وهمي هي لايكات أصدقائهم تشجيعا على حياة الوحدة والانطلاق في فترة الشباب دون ارتباطات مقيدة ومتطلبات أسرية في ظروف مادية طاحنة تمر بها الطبقات الوسطى والمعدمة، لكن الإشكال ما تخلفه هذه الوحدة من مشاكل نفسية وعقلية تعقب مرحلة الانطلاق هي يجد الشاب أو الفتاة أنفسهم بين براثن الوحدة فعلا وقد مر بهم العمر دون العثور على الشريك المناسب وتأسيس أسرة.

قبل عدة أعوام سارعت الحكومة البريطانية بتعيين وزيرة لمواجهة هذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة بعد تزايد الشعور بالوحدة والعزلة بين أفراد المجتمع، وذلك على خلفية وجود 8 ملايين بريطاني، غالبيتهم رجال في عمر 35 عامًا يعانون الوحدة، ما دعا "لجنة جو كوكس" إلى وصف الأمر بالوباء الصامت.

هو وباء فعلا لما تخلفه الوحدة وفقا للتقارير الطبية من أمراض القلب ونقص المناعة والسرطان وأمراض الاكتئاب والقلق الزائد والأرق وغيرها. 

الحل يكمن في التنشئة الاجتماعية والوعي الأسري بضرورة خلق مجالات وأنشطة اجتماعية جماعية تجذب الشباب سواء في العمل التطوعي أو الأعمال الخيرية أو الرياضية، والأهم الحرص على تبادل الزيارات الأسرية التي تعزز الأمان العاطفي الذي تمتعنا به في الماضي قبل وجود السوشيال ميديا. 

مؤخرا باتت ظاهرة الوحدة لدى الشباب أمرا مقلقا في كوريا الجنوبية حيث بات هناك جيلا باسم  "جيل السامبو" أو الجيل الذي زهد في ثلاثة أشياء، وهي "إقامة علاقات غرامية والزواج وتربية الأطفال". ربما لن نلحظ الآثار الجانبية للمشكلة في مصر والدول العربية خلال العشر سنوات المقبلة نظرا لارتفاع الكثافة السكانية ولن تبدو مشكلة الانجاب والمواليد أمرا ذي أهمية لكن هناك عدة أسباب تهدد وجود الأسرة السوية في المجتمع المصري؛ لذا فإن للحديث بقية..