السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

جمال البنا.. عقود من إشكاليات الفتوى والسياسة

المفكر الراحل جمال
المفكر الراحل جمال البنا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حمل المفكر الراحل جمال البنا، منذ ولادته، عبئًا تمثّل في كون شقيقه الأكبر هو المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. لكنه نضج فصار على النقيض، اختار طريقه الخاص، الذي يبدو تطرفًا في الاتجاه الآخر، منذ عكف منذ طفولته على الاطلاع والتزود بحصيلة ثقافيـة؛ وبفضل تفرغه للكتابة، أصدر  أكثر من مائة كتاب على مدار مسيرته الفكرية.
في عام 1945، أصدر جمال البنا كتابه الأول عن الإصلاح الاجتماعي، وفى العام التالي أصدر كتابه "ديمقراطية جديدة" الذى تضمن فصلًا بعنوان "فهم جديد للقرآن" استعرض فيه فكرة المصلحة كما قدمها الإمام الطوفي، وانتقد الموجة الحماسية لدى بعض الدوائر بفعل نجاح دعوة الإخوان المسلمين وقال: "لا تؤمنوا بالإيمان.. ولكن بالإنسان". 
وفي عام 1952 أصدر "مسئولية الانحلال بين الشعوب والقادة كما يوضحها القرآن الكريم" كما أسس عام 1953 الجمعية المصرية لرعاية المسجونين، وحققت الجمعية ثورة في إصلاح السجون، وأدت إلى مجابهة بينه وبين السلطات، لكنها انحلت عام 1955.
اهتم جمال - الذي يتصادف اسمه مع الرئيس الراحل- خلال  بالحركة النقابية، فأصدر وترجم الحقبة الناصرية الكثير من الكتب والمراجع التي نشرتها منظمة العمل الدولية بجنيف والجامعة العمالية بمدينة نصر والدار القومية. كما حاضر بصفة منتظمة في معهد الدراسات النقابية منذ أن تأسس عام 1963 حتى عام 1993 عندما انتقد التنظيم النقابي القائم؛ وكانت آخر كتبه في هذا الشأن عن "المعارضة العمالية في عهد لينين" الذى كتبته مدام كولونتاي، فقام بترجمته والتعليق عليه.
مع بداية السبعينيات وملاءمة المناخ لعمـل التيارات الإسـلامية، بدأ جمال كتاباته التي كان أولها "روح الإســـلام" و"الأصــلان العظيمان: الكتاب والسُنة"، وعددًا آخر من الكتب؛ ثم أصدر كتابه "نحو فقه جديد" في ثلاثة أجزاء، ودعا فيه إلى إبداع فقه جديد يختلف عن الفقه القديم؛ وقد أثار الكتاب ضجة كبيرة ودعا بعضهم لمصادرته.
كانت مقولة البنا: "لا لزوم للحجاب وشعر المرأة ليس عورة" بمثابة قنبلة مجتمعية قام بتفجيرها، بعدما أشار في حديثه إلى أن الحجاب يحول عمليًا دون مشاركة النساء في الحياة العملية "فما دامت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد غيرت من وضع المرأة، مما يستدعي تغيير المفاهيم بشأنها وما يستتبعها من حجاب أو غير حجاب".
ولفت إلى أنه لا يوجد في الكتاب والسنة ما يقول بأن شعر المرأة عورة، مستندًا إلى حديث في صحيح البخاري بأن الرجال والنساء كانوا يتوضأون في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من حوض واحد في وقت واحد، وقد استمر هذا الوضع طيلة حياة الرسول وفي جزء من خلافة أبي بكر الصديق وجزء من خلافة عمر الذي فصل بين الرجال والنساء في الوضوء من مكان واحد؛ وأن الأمر القرآني "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" كان في إطار الحديث عن لباس اجتماعي سائد في ذلك الوقت، فقد كان الرجال يلبسون العمائم والنساء تختمر لتقي نفسها من التراب أو من الشمس، موضحًا أن أمر القرآن أن تسد المرأة فتحة الصدر بالخمار الذي كانت ترتديه كعادة اجتماعية، لكنه لم يأمرها بان ترتدي الخمار ولم يقل إنه من الضروري أن يغطي الرأس.
كذلك رأى البنا أن البنطلون الذي ترتديه بعض النساء أكثر سترة وحشمة من الفستان، خصوصا أنها تركب مواصلات عامة وقد تجري وتؤدي أعمالا تناسب البنطلون الذي يستر في هذه الحالة أكثر من أي ملابس أخرى. وقال: "لا أجد داعيا لإثارة موضوع الحجاب مع الغرب بين الحين والآخر، أنها منتهى الحماقة، فضلا عن أن ذلك يتنافى مع أهمية أن يتعايش المسلمون مع المجتمعات التي يقيمون فيها، وإلا فما الداعي لمعيشتهم فيها، عليهم أن يعودوا لبلادهم الأصلية".
وأضاف في كتابه "مسئولية الدولة الإسلامية في العصر الحديث" أنه إذا وجدت المرأة المسلمة في المجتمع الأوروبي حرجا من كشف شعرها، وهذا طبعا ليس له أساس إسلامي كما قلت، ولكن إذا كان عندها هذا الحرج فلتلبس "برنيطة" ولا تلبس ما يسمى بالحجاب الإسلامي الذي سيعزل بينها وبين المجتمع". وأضاف أن الحكمة من الحجاب هي "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" أي يعرف الناس أنهن محتشمات فلا يتعرضن للأذى، الآن المحجبات يتعرضن للأذى.
ومن أقواله المثيرة للجدل كذلك قوله: إن "المرأة الأكثر علمًا تؤم الرجال في الصلاة"، وألف كتابه "جواز إمامة المرأة الرجال" وسرد فيه أن الإمامة عملية تحتاج إلى مؤهل وليست حقًا فطريًا "وقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا المؤهل وهو العلم بالقرآن، فجعل صبيًا يؤم قومه بمن فيهم الشيوخ لأنه كان أعلمهم بالقرآن، وجعل مولى -أي عبدًا- يؤم الصحابة كلهم وكان من بينهم أبي بكر وعمر". وأضاف: قابلت في قطر الدكتورة أمينة ودود التي فجرت موضوع قيام المرأة بإمامة المصلين، وهي سيدة محتشمة جدا وتغطي رأسها وعلى علم، وأعطيتها نسخًا من كتابي حول هذه القضية.
ولا زالت فتوى التدخين في نهار رمضان هي أغرب الفتاوى التي أطلقها الراحل جمال البنا، عندما أعتبر أن السجائر ليست من المفطرات مثل البخور وأي دخان يشمه الصائم؛ لذلك أصدر فتوى تجيز للصائم شرب السجائر في نهار رمضان دون أن يفطرها، ذلك وهو الأمر الذي قوبل بحالة غضب شديدة من المؤسسات الدينية والمجتمعية.