ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر..
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "أفاض سماحك بحر الندى" للشاعر الأندلسي ابن زيدون.
أَفاضَ سَماحُكَ بَحرَ النَدى
وَأَقبَسَ هَديُكَ نورَ الهُدى
وَرَدَّ الشَبابَ اِعتِلاقُكَ بَعدَ
مُفارَقَتي ظِلَّهُ الأَبرَدا
وَما زالَ رَأيُكَ فِيَّ الجَميلَ
يُفَتِّحُ لي الأَمَلَ الموصَدا
وَحَسبِيَ مِن خالِدِ الفَخرِ أَن
رَضيتَ قُبوليَ مُستَعبَدا
وَيا فَرطَ بَأوي إِذا ما طَلَعتَ
فَقُمتُ أُقَبِّلُ تِلكَ اليَدا
وَرَدَّدتُ لَحظِيَ في غُرَّةٍ
إِذا اِجتُلِيَت شَفَتِ الأَرمَدا
وَطاعَةُ أَمرِكَ فَرضٌ أَراهُ
مِن كُلِّ مُفتَرَضٍ أَوكَدا
هِيَ الشَرعُ أَصبَحَ دينَ الضَميرِ
فَلَو قَد عَصاكَ فَقَد أَلحَدا
وَحاشايَ مِن أَن أَضِلَّ الصِراطَ
فَيَعدونِيَ الكُفرُ عَمّا بَدا
وَأُخلِفَ مَوعِدَ مِن لا أَرى
لِدَهرِيَ إِلّا بِهِ مَوعِدا
أَتاني عِتابٌ مَتى أَدَّكِرهُ
في نَشَواتِ الكَرى أَسهَدا
وَإِن كانَ أَعقَبَهُ ما اِقتَضى
شِفاءَ السِقامِ وَنَقعَ الصَدى
ثَناءٌ ثَنى في سَناءِ المَحَلِّ
زُهرَ الكَواكِبِ لي حُسَّدا
قَريضٌ مَتى أَبغِ لِلقَرضِ مِنهُ
أَداءً أَجِد شَأوَهُ أَبعَدا
لَوِ الشَمسُ مِن نَظمِهِ حُلِّيَت
أَوِ البَدرُ قامَ لَهُ مُنشِدا
لَضاعَفَ مِن شَرَفِ النَيِّرَينِ
حَظّاً بِهِ قارَنَ الأَسعُدا
فَدَيتُكَ مَولىً إِذا ما عَثَرتُ
أَقالَ وَمَهما أَزِغ أُرشَدا
رَكَنتُ إِلى كَرَمِ الصَفحِ مِنهُ
فَآمَنَني ذاكَ أَن يَحقِدا
وَآنَستُ سوقَ اِحتِمالٍ أَبى
لِمُستَبضِعِ العُذرِ أَن يُكسِدا
شَفيعي إِلَيهِ هَوى مُخلِصٍ
كَما أَخلَصَ السابِكُ العَسجَدا
وَمِن وُصَلي هِجرَةٌ لا أَعُدُّ
لِحالي سِوى يَومِها مَولِدا
وَنُعمى تَفَيَّأتُها أَيكَةً
فَشُكري حَمامٌ بِها غَرَّدا
تَبارَكَ مَن جَمَعَ الخَيرَ فيكَ
وَأَشعَرَكَ الخُلُقَ الأَمجَدا
مَضاءُ الجَنانِ وَظَرفُ اللِسانِ
وَجودُ البَنانِ بِسَكبِ الجَدا
رَأى شيمَتَيكَ لِما تَستَحِقُّ
وَقَفّى فَأَظفَرَ إِذ أَيَّدا
لِيَهنِكَ أَنَّكَ أَزكى المُلوكِ
بِفَيءٍ وَأَشرَفُهُم سودَدا
سِوى ناجِلٍ لَكَ سامي الهُمومِ
داني الفَواضِلِ نائي المَدى
هُمامٌ أَغَرُّ رَوَيتَ الفَخارَ
حَديثاً إِلى سَروِهِ مُسنَدا
سَلَكتَ إِلى المَجدِ مِنهاجَهُ
فَقَد طابَقَ الأَطرَفُ الأَتلَدا
هُوَ اللَيثُ قَلَّدَ مِنكَ النِجادَ
لِيَومِ الوَغى شِبلَهُ الأَنجَدا
يُعِدُّكَ صارِمَ عَزمٍ وَرَأيٍ
فَتُرضيهِ جُرِّدَ أَو أُغمِدا
وَما اِستَبهَمَ القُفلُ في الحادِثاتِ
إِلّا رَآكَ لَهُ مِقلَدا
فَأَمطاكَ مِنكَبَ طَرفِ النُجومِ
وَأَوطَأَ أَخمَصَكَ الفَرقَدا
فَلا زِلتُما يَرفَعُ الأَولِياء
مُلكُكُما وَيَحُطُّ العِدا
وَنَفسي لِنَفسَيكُما البِرَّتَينِ
مِن كُلِّ ما يُتَوَقّى الفِدا
فَمَن قالَ أَن لَستُما أَوحَدَينِ
في الصالِحاتِ فَما وَحَّدا