لم يتخيل الرجل الصعيدي ألا يستطيع دخول بلدته بسبب شعوره بالعار لحصوله على لقب «مخلوع».. فبالرغم من تزايد حالات الخلع في المجتمع المصري، إلا أنه ما زال يمثل عيبًا لدى الكثير من الرجال خاصةً في محافظات الصعيد والقرى الريفية.
على الجانب الآخر، هناك بعض الرجال ممن أصبحوا متقبلين لفكرة الخلع ولا يجدون مشكلة في الإفصاح بما تعرضوا له للمقربين منهم.. بل صار البعض منهم يتفنن في الإساءة لزوجته لإجبارها على رفع دعوى للخلع، وذلك للتنازل عن بعض حقوقها المادية.. «البوابة نيوز» حاورت عددًا من أطراف دعاوى الخلع لاستعراض الأمر.
باع زوجته الأولى لأجلها.. فخلعته
"أحببتها ولكن النصيب فرقنا منذ سنوات وتزوجت من غيري وتزوجت أنا أيضًا زواج صالونات تقليدي، حتى فوجئت بها يومًا تهاتفني وتبلغني بطلاقها وتحاول أن تشعرني بالذنب لأنني تركتها تتزوج برجل يكبرها بعشر سنوات وهو ما لم تتحمله".. يروي لنا "أيمن"، وهو اسم مستعار لرجل صعيدي ثلاثيني، قصته مع الخلع.
يقول أيمن: راودني الحنين إليها مرة أخرى وقررت الزواج منها دون علم زوجتي الأولى وطلبت منها عدم إخبار أحد حتى أتمكن من التمهيد لها أولًا.. إلا أنها تمكنت من أخذ رقم هاتف زوجتي خلسة وأخبرتها أنني تزوجت عليها بل وتعمدت إهانتها قائلة لها "لو أنتي كنتي مالية عينه مكنش اتجوز عليكي".
"خراب بيت وطلاق سريع" كانت النتيجة التي تسببت فيها حبيبته وزوجته الثانية.. وتخيل أيمن أنه سيستطيع فتح صفحة جديدة معها بعدما أنجبت منه إلا أنه سرعان ما أصابته خيبة أمل بعدما وجدها عنيدة ولا تسمع كلامه.. "كانت بتحط صورها عالفيس بوك والرجالة يعلقوا عندها ولما اعترض تغلط وتشتم ومتطلباتها المادية كتيرة وده اللي دفعني للسفر لإحدى دول الخليج للعمل هناك كعامل، حيث إنني لم أستكمل دراستي بالثانوية العامة".
لا أستطيع دخول بلدتي
ويستطرد أيمن حكايته موضحًا أنه كان يرسل إليها شهريًا ٢٠٠ دولار إلا أنها كانت تشتكي دائمًا من أن تلك النقود لا تكفيها، حتى حدثت مشكلة كبيرة بينهما بسبب تأخره أيام معدودة في إرسال المصروف الشهري إليها فحدثت بينهما مشادة كلامية وقامت بسبه.. ثم فوجئ بعدها بشهور تخبره أنها رفعت دعوى خلع ضده وتمكنت من كسب القضية، مشيرًا إلى أنها أقامت الدعوى دون علمه ودون حضوره لأي جلسات أمام المحكمة.
الخلع هز كيان أيمن وجعله يشعر بالعار والخزي.. فيقول: "أنا رجل صعيدي ومن وقت الخلع وأنا مش عارف أنزل بلدي لإني مش قادر أرفع راسي ولا هقدر أبص في وش حد.. بعد ما خلعتني تعمدت تعريف أهل بلدتي بأنها قامت بخلعي عشان تفضحني وتخلي راسي في الأرض لأنها عارفة إن الخلع عندنا عيب وإهانة".
ويقول أيمن إنها لم تكتف بحرمانه من أهله الذين أصبح لا يستطيع زيارتهم بل أيضًا حرمته من رؤية أبنائه حتى أنها لا تقبل إرسال صورهم إليه وهم صغار سنا: "بنت تبلغ من العمر عامين وولد عمره عام واحد"، مستنكرًا قانون الخلع وإعطاؤه الحق للزوجة بالاحتفاظ بأطفالها والتعنت في رؤية الأب لهم.
التلذذ بالإهانة
وفي هذا السياق، يرى طارق الجارحي المتحدث باسم حملة تمرد ضد قانون الأسرة، أن سبب لجوء الزوجة لإقامة دعاوى الخلع هو محاولة إهانة الرجل والتقليل منه، قائلًا لـ"البوابة": "الستات بيتلذذوا بمصطلح مخلوع كأنها شتيمة.. فحتى لو ممكن تطلق بطريقة طبيعية بتلجأ للخلع للانتقام وإهانة الرجل"، مؤكدا رفضه قانون الخلع في مصر لسلبه ولاية الرجل في الطلاق وإعطاء الولاية للقاضي.
الإبلاغ بالخلع عن طريق "الواتس"
"خالد" وهو اسم مستعار، يبلغ من العمر ٤٧ عامًا من أسرة ميسورة الحال ويعمل في الحقل الإعلامي، يقول إن لديه ولدين في المرحلة الإعدادية والثانوية، تزوج مدة ١٦ عامًا، وكانت حياته هادئة حتى أصيب والده بمرض السرطان ودخل في رحلة علاج طويلة استنفد خلالها أمواله فما كان من الابن سوى مساعدة والده ماديًا، وهو ما أدى إلى تقصيره ماديًا مع زوجته بالمقارنة بما كان ينفقه سابقًا وهو الوضع الذي لم تتحمله الزوجة كثيرًا.
يروي خالد حكايته لـ"البوابة" قائلًا: "أخبرت والدها رجل الأعمال بكل أمورنا وهو ما أدى إلى استيائه وأصبح يتدخل بشكل سافر في حياتي الشخصية ويحرضني على تجاهل الإنفاق على أبي وترك الأمر لأشقائي.. حاولت التفاهم معه بطريقة ودية كثيرًا ثم تعاملت معه بحدية وطالبته بعدم التدخل في حياتي وهو ما استفز زوجتي التي غضبت لأبيها إلا أنها سرعان ما عاودت التعامل معي بشكل أفضل".
وتخيل خالد أن الأمور هدأت بينهما خاصةً أنها لم تترك البيت يوما واحدا وظلت معه بشكل طبيعي، حتى توفى والده وذهب عدة أيام للوقوف بجوار والدته ومكث عندها في المنزل، إلا أنه عند عودته لشقته فوجئ بوجود باب مصفح على الشقة لدرجة جعلته يشك عما إذا كانت شقته من عدمه.. حتى طرق جرس الباب وسمع صوت زوجته تقول له "أنا خلعتك وهبعتلك صورة الحكم على الواتس آب".
"الناس بيسخروا مني ويستضعفوني"
"كنت أظن أنني في حلم وليس حقيقة.. لا أعلم كيف كانت مقيمة لدعوى الخلع في الوقت الذي كانت فيه بأحضاني ونمارس العلاقة الحميمية بشكل طبيعي.. كيف غدرت بي وخانتني هذه الخيانة وفكرت كثيرًا عن سبب لجوئها للخلع علي الرغم من أنها لم تطلب مني الطلاق، فلم أجد سوى الرغبة في الانتقام لوالدها عقابًا لي على تعاملي معه بشكل غير لائق حسب رؤيتها، فتعمدت الإضرار بي عن طريق المحاكم وأقامت دعاوى تبديد منقولات وتمكين من منزل الزوجية ونفقة للأبناء.
وعن تأثير الخلع في حياته، أكد أنه في بداية الأمر أخبر بعض المقربين منه إلا أنهم سخروا منه قائلًا "اللي عرف كان بيستهزأ بيا كرجل ويستضعفني.. بيشوفوا إن واحدة ست ضحكت عليا واستغفلتني.. كانت نظراتهم لي تقتلني فقررت السكوت ولم أعد أحكي لأحد عما مررت به.. وبالسؤال عن حالتي الاجتماعية فيما بعد أجيب بأنني منفصل فقط دون توضيح ما حدث".
وأشار إلى أنه واجه بعض المشكلات في البداية عند محاولة الزواج لخوف بعض الفتيات وأسرهم بأن يكون شخصا سيئا بسبب تعرضه للخلع، حتى عثر على فتاة مناسبة وتزوجها: "أهلها كانوا متخوفين في الأول لكن لما سألوا عليا في نطاق سكني وشغلي تأكدوا إن معنديش مشكلة تعيبني وقبلوا بزواجي من ابنتهم"، وبالفعل تزوجت منها منذ عام وأعيش حاليًا معها حياة مستقرة.
زوجة رجل مهم
ولتجنب تلك النظرة المجتمعية القاسية في الكثير من الأحيان للرجل المخلوع، يرفض العديد من الرجال أن يصبحوا مخلوعين ويلجئون للتطليق بإرادتهم خاصةً إذا تم إعلانهم بدعوى الخلع وكانوا على علم بها خلال وجودها بالمحكمة.
تحكي "نهلة" وهو اسم مستعار تبلغ من العمر ٣٠ عامًا، إنها كانت متزوجة عن قصة حب تعدت العامين من ضابط شرطة، وكانت العلاقة بينهما جيدة لا يعكر صفوها سوى والدته التي كانت تتدخل في حياتهما الشخصية وتعاملها بشكل غير مستحب.
"تزوجنا ثلاث سنوات تحملت خلالها إساءات أمه وصدقت وعوده مرات عديدة في قدرته على حمايتي منها إلا أنه خذلني مرارًا وتكرارُا حتى قررت البعد عما يؤذيني وقطع علاقتي بها بشكل تام وعدم التواجد معها في أي مناسبة اجتماعية.. حتى جاءت إحدى المناسبات التي حاول فيها إجباري على الذهاب ومصافحة والدته، وهو الأمر الذي رفضته، وحدثت بيننا مشادة تركت على إثرها المنزل وتوجهت لبيت أهلي".
نهلة كانت تظن بأن حب زوجها لها سيدفعه لإرضائها إلا أنه تركها أسابيع عديدة دون السؤال عنها فطلبت الطلاق وهو ما قوبل بالرفض من تجاهه، فأقامت دعوى الخلع وبمجرد إعلانه بالدعوى سارع بالتواصل مع أهلها لحل الأمر بشكل ودي.
"كبرياؤه منعه من الحصول على لقب مخلوع وتدخل وسطاء أخبرونا أنه يريد التطليق حفاظًا على مكانته خاصةً أنه ضابط شرطة ومن غير اللائق أن يتم خلعه.. ففعل كل شيء لإرضائي والانفصال عن طريق الطلاق بعد أخذ كل حقوقي الشرعية، وهو ما حدث".. تروي نهلة.
صدمة للذكورة
يوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية لـ"البوابة"، أن الثقافة الذكورية السائدة في المجتمع تقف مع الرجل ضد المرأة في أغلب الحالات، مشيرا إلى أن بعض الرجال يرفضون أن يُلصق بهم لقب "مخلوع" ويفضلون الطلاق على اعتبار أن "الرجال قوامون على النساء"، فإحساس التعالى لديهم يجعل الخلع بالنسبة لهم "صدمة للذكورة".
ابتزاز مادي
على الجانب الآخر، هناك بعض الرجال الذين لا يجدون غضاضة في الخلع، سواء لأسباب مادية أو لرؤيتهم بأن الأمر لا يعيبهم مع تزايد حالات الخلع.
تحكي هيام، ٢٩ عامًا، لـ"البوابة" أنها تزوجت عن قصة حب، ولكن قبل الزواج حدثت مشكلات بين زوجها ووالدها وشقيقها بسبب تفاصيل الاتفاقات المادية، وهو الأمر الذي لم ينساه، فبعد مرور أول أسبوع على الزواج تعمد إهانتها وسبها بوالدها، وتشويهها نفسيًا فأصبح يعيب على جسمها وشكلها ويعايرها بنحافتها، فتقول: "وجدته رجل تاني غير اللي حبيته.. اكتشفت أنه مريض نفسي فقررت العودة لبيت أهلي".
تفاقمت المشكلات بينهما حتى أقامت دعوى خلع فطلب منها إلغاءها ووعدها بألا يحزنها مرة أخرى.. تقول هيام: عندما علم بالخلع في المرة الأولى جن جنونه وأصبح يردد "أنا رجل متخلعش" ثم قرر تهدئة الأمور وتوسل إليها لإلغاء الدعوى وهو ما حدث، لكن عاد للإساءة إليها فطلبت الطلاق لكنه رفض بسبب الالتزامات المادية.
تضيف هيام: "كان بخيل بيموت عالقرش ولو طلقني هيدفع نفقة ومؤخر.. فلم يقبل بالطلاق وأصبح يتعمد الإساءة لي فاضطررت لرفع دعوى خلع مرة أخرى وتنازلت عن كثير من حقوقي المادية في سبيل حريتي، فلم أخرج من تلك الزيجة سوى ببعض المنقولات الخاصة بي.. فقد رضى بالخلع من أجل المال".
وصمة عار اختيارية
الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، يرى أن الخلع ما زال وصمة عار للرجل أمام المجتمع، موضحًا لـ"البوابة" أن الرجل الذي ينتظر حتى تقدم زوجته على هذا الأمر، هو الذي يختار أن تلصق به تلك الصفة أمام المجتمع، حتى أن البعض من راغبي الانفصال يضغطون على الزوجة بتصرفاتهم غير القويمة ليجبروها على رفع قضية خلع، فهو بالنسبة لهم بمثابة وسيلة ابتزاز مادية.
وأشار "فرويز" إلى أنه رغم أن الخلع يعتبر من وجهة نظره "وصمة عار للرجل"، إلا أن المجتمع أيضا يعتبر المرأة التي تقدم على رفع قضية خلع "متمردة" حتى لو كان لها الحق في ذلك الأمر.. وهو ما أكدته أيضًا فتاة ريفية لـ"البوابة" تدعى "هناء"، ٢٦ عاما، قائلة إنها كانت أول فتاة تلجأ للخلع في قريتها الصغيرة بسبب إساءة معاملتها من قبل زوجها لإنجابها بنتا ورغبته في إنجاب ولد، مضيفة: "علي الرغم من إن كل الناس عارفة سبب الخلع إلا أنهم يتهمونني بالتمرد على العادات والتقاليد".
ولفت الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، إلى أن النساء يعتبرن الرجل المخلوع صعب المعاشرة، ويكون من الصعب أن توافق أي فتاة على الارتباط به.
امرأة مختلعة.. وليس رجلا مخلوعا
على الجانب الآخر، يرى وائل "٣٨ عامًا"، تعرض لدعوى خلع، أنه لا يجد حرجًا في الإفصاح للمقربين منه بسرد قصته في الانفصال، قائلًا: "مفيش حاجة اسمها رجل مخلوع.. الدعوى اسمها مخالعة والمرأة التي تقيمها تصبح امرأة مختلعة أي خلعت نفسها من العلاقة الزوجية وليس خلعا للزوج".
ويضيف وائل وهو اسم مستعار: "في نفس يوم حصولي على حكم الخلع.. استخرجت وثيقة طلاق إلكترونية دونت بها أن الطلاق تم عن طريق دعوى المخالعة، علي الرغم من أنه تم العرض عليّ أن يتم تدوين كلمة طلاق فقط بالوثيقة ولكنني رفضت حيث لم أجد ما يشينني في الأمر".
ويوضح "وائل" أن تجربته مختلفة عن الكثيرين الذين يعانون عند التقدم لفتاة للزواج بعد الخلع، مؤكدًا أنه لم يواجه مشكلة اجتماعية عند التقدم لفتاة بعد فشل زيجته: "صديقي كان يعلم بطريقة انفصالي وعرض عليً الزواج من شقيقته التي تصغرني بقرابة عشر سنوات.. وبالفعل تعرفت عليها ولم يحدث نصيب بيننا بالزواج لأسباب أخرى".
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشف في تقرير إحصائي أن إجمالي حالات الطلاق خلال عام ٢٠٢٠ بلغت ٢٢٢ ألفا و٣٦ حالة طلاق متنوعة ما بين طلاق، وطلاق نهائي وخلع.
وفي الإنفوجراف التالي، نرصد أهم نتائج التقرير الإحصائي عن حالات الطلاق بأنواعه المختلفة في ٢٠٢٠، والتي استحوذ فيها الخلع على نصيب الأسد.
٨٧.٤٪ نسبة الخلع من إجمالي حالات الطلاق النهائي في 2020
٢٢٢ ألفا و٣٦ حالة طلاق
٨٠٨٦حكم طلاق نهائيًا
٧٠٦٥ عدد حالات الخلع بنسبة ٨٧.٤٪ من إجمالي أحكام الطلاق النهائي
٣ أحكام طلاق بسبب تغيب الزوج أكثر من المدة المسموح بها قانونا بنسبة ٠.٠٤٪ من إجمالي حالات الطلاق النهائي
١١٦ ألفا و٨٤٥ إشهاد طلاق في الحضر تمثل ٥٤.٦٪ من جملة الإشهادات.
٩٧ ألفا و١٠٥ إشهادات طلاق في الريف تمثل ٤٥.٤٪ من جملة الإشهادات
١٣٦٢ حالة طلاق للأزواج فوق الـ٦٥
سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية «من ٣٠ إلى أقل من ٣٥ سنة» وبلغ عدد الإشهادات بها ٤٣ ألفا و٧٣٩ إشهادا بنسبة ٢٠،٤٪، بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية «من ١٨ إلى أقل من ٢٠ سنة»، حيث بلغ عدد الإشهادات بها ٤٠٣ إشهادات بنسبة ٠.٢٪ من جملة الإشهادات.