"لا تلوميني لأفكاري الجريئة، أول القصة في الأرض الخطيئة، لا أبونا آدم عفَّ، ولا، أمنا كانت من الذنب بريئة، عصرا في دمنا تفاحة ، ما لنا فيما تغذية مشيئة، هي في كل ذهاب نغم ، ولها ترنيمة في كل جيئة".. هكذا أبدع الشاعر والأديب صالح جودت، قيثارة مصر الشعرية، الذي تحل اليوم الذكري التاسعة بعد المائة على ميلاده ، حيث أبصر النور في الثاني عشر من ديسمبر عام 1912 .
لم يكن جودت بجرد شاعرًا، فحسب وإنما كان قانونينًا أيضًا ومولعًا بمصر وبتاريخها وحضارتها، وكان لنيل مصر الأثر الكبير في أعماله الإبداعية والشعرية، فأصدر ديوانين يحملون النيل في عناوينه وهما ديوان "أغنيات على النيل" وديوانه "الله والنيل والحب" ، وأيضً المجموعة القصصية "وداعًا أيها الليل".
يقول جودت عن النيل: “ما أطيب الفن وما أجمله، وأنبل القلب الذي لبله، واكرم الكف التي كرمت، مكانه البلبل والبلبلة، يا نبا تختال مصر به وتهتف الشام له/ يا هله، يبر الطير بله روضة ويسعد الزهر به جدوله، ويخفق القلب له راعشا، كرعشة الظامئ رأي منهله”.
وعرف “جودت” بقربه الشديد من عالم الأدباء والفنانين، فشدى كلماته كبار المطربين والمطربات، ومنهم فريد الأطرش ، وفايزة أحمد واسمهان ووردة ومحمد عبد الوهاب، وتبقى أغنية الفن هي العالمة البارزة في أعمال "جودت الشعرية والإبداعية" فلول مرة يغني للنجوم والفن حيث يقول :«الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها.. نجوم غير النجوم من حسن منظرها.. ياللى بدعتوا الفنون.. وبأيديكما أسرارها.. دنيا الفنون ده خميلة.. وأنتم أزهارها.. والفن دنيا جميلة وانتوا أنوارها».
ولد "جودت" لأسرة متوسطة، وكان والده كمال الدين جودت يعمل مهندسًا زراعيًا، وفي هذا التوقيت كان المهندسين الزراعيين معروفين بترحالهم المستمر، ما جعل لجودت فرصة كبيرة في التعرف على العديد من المدن والقرى، وبدأت تظهر لديه بوادر الاهتمام بكبار الشعراء ومنها البحتري والمتنبي، وارتبط ارتباطًا كبيرًا بأشعار أحمد شوقي.
وفي مرحلة الثانوية تعرف على مجموعة من الشعراء ومنها على محمود طه وإبراهيم ناجي، ومحمد الهمشري، والتقي أيضًا بالموسيقار رياض السنباطي، وبدأت موهبته الشعرية تبرز في تلك المرحلة المبكرة من حياته حتى أنه أصدر ديوانه الأول وهون في المرحلة الجامعية، كما أنه انضم إلى مدرسة أبوللو الشعرية التي تعلى من الرومانسية في الشعر.
أصدر "جودت" ستة دواوين شعرية، وهي ديوان صالح جودت، وليالى الهرم، وأغنيات على النيل، وحكاية قلب، وألحان مصرية، والله والنيل والحب، كما أصدر روايتين هما"الشباك"، "عودى إلى البيت،"، وعددًا من المجموعات القصصية هي: "في فندق الله"، "وداعًا أيها الليل"، "خائفة من السماء"، "بنت أفندينا"، "كلنا خطايا"، "أولاد الحلال"، "أساطير وحواديت"، وعدد من كتب الرحلات أبرزها كتابه: "قلم طائر"، وملوك وصعاليك لكنها في مجموعها تنتسب إلى عالم الكتابة الصحفية أكثر من انتسابها إلى عالم الإبداع القصصى والروائي، فضلا عن عدة روايات وقصص قصيرة، وبعض المؤلفات الأدبية.
وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة منها: وسام النهضة الأردني عام 1951، ووسام العرش المغربي عام 1958، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1959، وميدالية العلوم والفنون، وجائزة أحسن قصيدة غنائية في السد العالي عام 1965، وجائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1958.