الخميس 26 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فلسفة الحضارة عند أبي الفيض المنوفي المصري "الحكيم الرباني" (1312-1392ه‍)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نحن أمام حالة فريدة، مفكر عربي مسلم من طراز فريد، سلك مسلك التصوف متخذا إياه سلما للعروج إلي بغيته، بل وضرب أروع الأمثلة للمتصوف المجاهد العالم العامل، مستعينا بقوله تعالي"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
السيد محمود أبو الفيض المنوفي صاحب الطريقة الفيضية الشاذلية، ينتهي نسبه إلي الإمام علي زين العابدين.
ولد بمدينة المنوفية في بيت علم وفقه، فكان أبوه عالما من علماء الأزهر الشريف.
كان من أوائل المنادين بالإصلاح الديني والاجتماعي، بعد الأفغاني ومحمد عبده.
أسس مجلة لواء الإسلام عام 1922م، وكذلك مجلة نور الإسلام، ومجلة الأزهر، وأصدر مجلة البهلول، وهي مجلة دينية علمية فلسفية، تجمع بين هدى الإيمان ونور العرفان.
من مؤلفاته المهمة، كتاب الوجود، المعرفة العظمي، مدخل إلي التصوف الإسلامي، نقد الحضارة المعاصرة، معالم الطريق إلي الله. الروح الذكية، الإسلام والعلم الحديث.
أبو الفيض المنوفي شأنه شأن المصلحين السابقين له، وضع أطر ومرجعيات وركائز أساسية لبناء وتشييد صرح حضارة إسلامية متكاملة البنيان في شتي صنوف المعارف والعلوم تجمع بين جنباتها العلوم النظرية والعلوم العملية والعلوم الشرعية.
فالمقوم الرئيس والأساسي في بناء الحضارة هو الدين والاعتقاد الصحيح، فما استمرت حضارة ولا استقام عودها على الفوضى والعبثية والهمجية.
شيد المنوفي هذا الصرح عن طريق التوحيد الخالص الذي يؤدي إلي الوحدة داحضا ما ذهب إليه أحد المستشرقين المكني بأرنست ريناد الذي ذهب إلي القول من أن العقلية العربية والإسلامية فطرت تدينا علي التوحيد مما جعلها عقلية ساذجة تؤمن باللامرئيات وتخضع للميثولوجيا والأساطير والخرافات، وهذا ما حد من نشاطها الذهني والعقلي وهذه العقلية إذا غلبها أمر وحزبها ترده إلي القوي الخفية المتمثلة في الإرادة الإلهية ولاتستطيع فكاكا من هذه الوحدة، وهذا ما عضده المدعو ماكدونالد.
أما الحضارة الغربية ففطرت على التعددية وأن في هذه التعددية، تعدد المعتقد والديانات هي التي اكسبتهم حرية التفكير اللامحدود فلا عائق يقف أمام العقل في نشاطاته، وهذا علي ما يدعي سانت هيلر السبب الرئيس في نهضة الغرب وتقدمه، لكن حتى وإن كان هذا تقدما كما يزعم هيلر، إلا إنه تقدما في النواحي المادية، أما النواحي الروحية والإنسانية والاجتماعية فهذا هو الفشل الذريع.
يقول هيلر، إن مرد الأصالة في الحضارة اليونانية ترجع إلي تحرر العقل من ضغوط العقيدة، وأن التعددية هي التي تقوم الحضارة وتشيدها لأنها تتيح حرية الاعتقاد.
وهنا يأتي دور شيخنا الجليل، الشيخ المنوفي ليتصدى لهذه الفريات.
ذهب المنوفي إلي أن التوحيد فلسفة حضارة، بمعنى أنه ما قامت حضارة إنسانية على التعددية، تعدد الآلهة.
فنجد علي سبيل المثال الحضارة الفارسية فعلي الرغم من تحضرها وتقدمها إلا إنها تهاوت وتهافتت مع ظهور الإسلام، وكذلك الامبراطورية الرومانية.لماذا؟!!، لأن الإسلام أخرج الناس من عبادة الناس إلي عبادة رب الناس، ومن عبادة الأوثان والأصنام، وأنها تقربهم إلي الله زلفي إلي عبادة الله الواحد القهار.
فليس ثمة واسطة بين بين العبد والرب.
ومن هذا المنطلق جاء التوحيد ليتوحد الجميع أمام عبادة إله واحد ورب واحد"إن إلهكم لواحد"
وللتوحيد فوائد عظيمة، فهو المحرر الأول للفكر، والمعتق للإرادة، وهو حاميه من غول الوهم، وسلطان الاستعباد، وسجن الجمود، وعمي التقليد.
بل هو موحد الإنسانية بعد توحيد الله وموجب الإرادة، وجامع شتات الحياة، والدافع على المساواة والحب.فتنزيه الله عز وجل عن الشريك والنظير والمعين، فهو سبحانه واجب وما سواه معدوم ومفقود.
لكن السؤال المهم الذي طرحه المنوفي، هل الاعتقاد بوجود إله موجود في الحضارات الغابرة؟!ويجيب قائلا نعم سواء في الحضارة الهندية، إذ نجد في أسفار الفيدا الهندية تعلم في صلبها بوجود الإله الواحد الحق، وكذلك في الحضارة المصرية ما ظهر على جدران المعابد من رسوم وكتابات باللغة الهيروغليفية ما يفيد الاتجاه العام إلى توحيد الإله.
فدعوة الإسلام إلي التوحيد فلسفة حضارة، وإلي إجماع المسلمين على معتقد واحد، وحكم واحد، ودعوة الإسلام أيضا إلي الوحدة والتمسك بالخطة الربانية وألا قيد شعرة عن تلك السنن التي سنها الله تعالي، بمعني إن فعلوا ذلك وحدوه ونزهوه، بمعنى أنهم علموا من خلال وحدتهم وتوحدهم أن مآلهم إلى واحد أحد.
إذا التوحد حول إله واحد أفضل أم التشتت والتشرذم"إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض"
اتضح الأمر لكل ذي عقل عقيل، وبصر بصير أن الحضارات لا تقوم على التعددية، فأي عقل يعقل أن يدين بالعبودية للبقر والحجر والشجر.
"إنهالا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي  في الصدور"
أي حضارة تقام وبها ثلاثمائة ديانة، نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا نعترف إلا بالديانات السماوية المنزلة، وبرسل الله سبحانه.
فقفوا أيها المتنطعون الغارقون في ماديتكم الذين تنعقون بما لا تعلمون، حاولوا أن تتخلصوا من ماديتكم القميئة ثم بعد ذلك تحدثوا عن حضارة، أنتم أبطال من ورق، لا أنتم دمي تحرككم شهواتكم، أما نحن فشيدنا حضارة شهد لها القاصي والدان، حضارة متوحدة حول إله واحد، دينها المحبة والسلام والإخاء.