قال الناقد الأستاذ الدكتور شريف الجيار، رئيس قسم اللغة العربية، بآداب بني سويف استطاع الكاتب المصري «نجيب محفوظ، أن يطرح مشروعًا إبداعيًا متنوعًا؛ ما بين الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والسيناريو، فضلًا عن مقالاته المختلفة منذ الثلاثينيات؛ حيث أنجز أكثر من خمسين عملًا إبداعيًا، خلال رحلة منجزه الإبداعي، التى زادت على نصف قرن من الزمان، وأثمرت حصوله على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م.
وتابع الخيار قائلا :" إن القارئ لأدب «محفوظ»؛ لا سيما الروائي منه، يلحظ أنه حيال مبدع فيلسوف متصوف، يمتلك منظارًا مدققًا، يرصد الوجود من حوله، باحثًا عن أسراره، كي تتكشف عوالم المصير الإنساني، وتحاول أن تستشرف مستقبله، من خلال رصد واقعه وقراءته، قراءة فلسفية تمزج بين الرؤية الوجودية، والصوفية الروحية، التى تصل بهذا الإنسان إلى اليقين أو الخلاص الصوفي؛ في ظل عالم يعاني من العبثية الاجتماعية والسياسية؛ لذا فنجيب محفوظ- الذي تخرج في قسم الفلسفة، بكلية الآداب، الجامعة المصرية عام 1934م- مهموم بالتعبير عن المسكوت عنه، في واقعه المعيش، الذي يعاني من خلل اجتماعي سياسي، نتج عنه افتقار إلى العدل والحرية، منذ فترات تاريخية طويلة؛ كما يتجلى في قول «محفوظ»: «..الحياة من حولنا تبدو قاسية، حياتنا الشخصية في واقعنا المحلي، تبدو أحيانًا عبثية، بالضبط.. عبث اجتماعي.. إننا نعيش حتى الآن احباطات داخلية مستمرة منذ أن وعينا، مجرد أن نتنفس نجد من يجثم على أنفاسنا ليكتمها ويفسد حياتنا».
مستكملا :"وهذا ما دفعه إلى مقاومة هذا العبث، وإخضاعه من خلال محاولة عقلنته وتفسيره، بهذه الرؤية الوجودية الصوفية، عبر خطاب سردي يتسم بالواقعية الاجتماعية؛ وقد تجسد هذا في إنتاجه الروائي، قبل ثورة يوليو 1952م، وبعدها؛ مثل: «القاهرة الجديدة 1945م، خان الخليلي 1946م، زقاق المدق 1947م، بداية ونهاية 1949م، بين القصرين 1956م، قصـر الشوق 1957م، السُّكرية 1957م، اللص والكلاب 1961م....» وغيرها.
مضيفا :"وأصر «محفوظ» في معظم إبداعه، على هذا المنهج الواقعي الاجتماعي، في فترة زمنية، تجاوز فيها الأدب العالمي التعرض للواقع، و«... انكفأ إلى الداخل، إلى تيارات الوعي، واللاوعي، وما وراء الواقع، لكن بالنسبة لي وللواقع الذي أعبر عنه لم يكن قد عولج معالجة واقعية بعد حتى أقدم على استخدام الأساليب الأدبية الحديثة التى كنت أقرأ عنها وقتئذ.....»،، والتي استعان بها بعد ذلك، في تقنيات السَّرد للعديد من أعماله الروائية؛ لاسيما اللص والكلاب، وغيرها.
لافتا إلى أن هذا الصمود لم يكن للنص المحفوظي، لولا انفتاحه على التراث، بدوائره المتداخلة (المحلية والعالمية)، وقدرته على استيعاب هذا التراث الإبداعي والديني بأشكاله المختلفة، وروافده المتعددة، وتفاعله معها، واستلهامه لها، والتناص معها؛ مثلما استلهم التاريخ الفرعوني في رواياته: «عبث الأقدار 1939م، ورادوبيس 1943م، وكفاح طيبة 1944م»، كما تناص مع الحكاية الشعبية «ألف ليلة وليلة» في روايته «ليالي ألف ليلة» 1979م، المطبوعة عام 1982م، وفي غيرها من الروايات؛ مثل: «أولاد حارتنا، حكايات حارتنا، ملحمة الحرافيش، رحلة ابن فطومة»، إلى جانب مسـرحيته «الشيطان يعظ»، التى استلهمها من حكاية «مدينة النحاس»، في نص «ألف ليلة وليلة»، وهي ضمن مجموعة قصصية تحمل العنوان نفسه 1979م.
مختتما : "على أن هذا الاستلهام التراثي لمحفوظ وغيره، قد أسهم – بشكل أو بآخر- في تأصيل الخطاب الروائي العربي، وتجذر رؤية الحضارة الشـرقية، في المحيط الثقافي للحضارة العالمية، إلى جانب أن هذا الحوار التفاعلي بين المعاصر والتراثي، قد أسهم بشكل إبداعي فاعل، في رصد قضايا الواقع المعيش، أملًا في تغيير المسلَّمات الاجتماعية والسياسية، التى تعاني منها الشعوب المختلفة، على هذا الكوكب“.
ثقافة
شريف الجيار: نجيب محفوظ استطاع أن يصنع مشروعًا إبداعيًّا متنوعًا
في ذكرى ميلاد أديب نوبل
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق