أكد المترجم والناشر أحمد السعيد، رئيس مجلس إدارة بيت الحكمة للنشر والتوزيع، أن نجيب محفوظ من أهم عوامل القوة الناعمة لمصر في الصين.
ولفت السعيد إلى أن الأدب العربي ومنذ ظهوره في الصين كان يقتصر على ألف ليلة وليلة والكتب الدينية حتى ظهر جبران خليل جبران، وهو من أكثر الكتاب الذي باع كتبا في الصين، إلى أن ظهر نجيب محفوظ، وبدأ يلتفت إليه الطلاب والباحثون، وباتت أعماله في الترجمة حتى حصل على جائزة نوبل في الآداب، ومن وقتها أصبحت جميع أعمال نجيب محفوظ مترجمة إلى اللغة الصينية على أيدي أشهر وأهم أساتذة اللغة العربية والأدب العربي في الصين.
وأضاف أن نجيب محفوظ يعتبر من الكتاب القلائل في الصين الذي تصدر له طبعات جديدة باستمرار، وصدرت مؤخرا طبعة حديثة من أعماله الإبداعية الكاملة، وفى العام الماضي تم طباعة ترجمة جديدة من كتاب القاهرة الجديدة.
السعيد : أديب نوبل محط أنظار الباحثين فى الصين وصدر عنه أكثر من 100 دراسة ماجستير ودكتوراة
ولفت إلى أن هذا الانتصار لا يعود فقط إلى حصول نجيب على نوبل ولكن الأمر تخطي هذا بكثير فشعبية نجيب محفوظ في الصين تعود إلى أمرين الأول أن كتابات محفوظ قريبة جدا من المجتمع الصيني، والتي ناقش من خلالها موضوعات مهمة مثل الهوية وتمكين المرأة والقطاع وأثره على المجتمع، وغيرها من الموضوعات الحياتية التي تتشابه بين الشعبين، كما أن ثلاثية نجيب محفوظ تتشابه مع الثلاثية الخاصة بالكاتب الصيني باجين والتي بها قرب شديد جدا مع ثلاثية محفوظ.
ونوه الى أن الصين في الوقت الحالي بها ٤٣ كلية تقوم بتدرس اللغة العربية، وكل كلية من ضمن تلك الكليات تجد بها أعمالا بحثية عن نجيب محفوظ وأعماله الأدبية والتي وصلت لأكثر من ١٠٠ رسالة وبحث علمي في أعمال نجيب محفوظ، والأمر الثاني أن أعماله الروائية تترجم بشكل مستمر.
وأكد أن شهرة نجيب محفوظ في الصين لم تأت لأنه أخذ نوبل، فقط ولكن تلك الشهرة اكتسبها من أنه كاتب مقروء بشكل كبير وعلي نطاق واسع، وأن محركات البحث الصينية عندما تقوم بالبحث باسم مصر أو الأهرامات تجد نجيب محفوظ ضمن نتائج البحث وهذا يعد وحده بمثابة قوة متفردة.
ولاقت أعمال نجيب محفوظ الروائية نجاحا كبيرا حيث أصدرت دار نشر شناهي للآداب وهي أكبر دار نشر في الصين، ترجمة حديثة من أولاد حارتنا، ويقوم بترجمة أعمال محفوظ صفوة الباحثين والدارسين.
اهتمام واسع
وحظى نجيب محفوظ باهتمام واسعٍ من الباحثين الصينيين لحصوله على جائزة نوبل في الآداب. وثلاثيته التي فازت بالجائزة تشبه ثلاثية الكاتب الصيني با جين "التيار الجارف": "الأسرة"، و"الربيع"، و"الخريف"؛ فكلاهما يعكس واقع المجتمع من خلال تتبع حياة عدة أجيال من أسرة واحدة وما يطرأ على أفكارهم من تغيرات.
فروايات الأسرة أصبحت نقطة ارتكاز للمقارنة بين هذين الكاتبين. وفي هذا المجال، كُتبت سبعة مقالات بحثية، وهو عدد كثير نسبيًّا، وعلى درجة لا بأس بها من العمق أيضًا؛ فالمقارنة بين الثلاثيتين أصبحت موضوعًا ساخنًا من موضوعات البحث الأكاديمي في أعمال نجيب محفوظ داخل الصين.
وعقدت دراسات مقارنة متوازية في أوجه التشابه والاختلاف من حيث خلفية العمل والمضمون والموضوع الرئيس ورسم الشخوص وأسلوب الكتابة، وكذلك من حيث حياة الكاتب ومسيرة إبداعه وأساليبه الإبداعية. مثل دراسة ني ينغ "أستاذا الأدب الصيني والعربي – با جين ونجيب محفوظ" و"العملان الواقعيان العظيمان في ساحة الأدب الشرقي"
أديب نوبل
وفي الثالث عشر من أكتوبر ١٩٨٨ حصل الأديب نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب. فعم الفرح ربوع مصر كلها، وكيف لا ومحفوظ أول كاتب عربي يحصل عليها؟ لقد استطاعت روايات محفوظ وقصصه القصيرة ببراعتها وحرفيتها العالية أن تصل إلى مستوى عالمي متميز، جاء هذا نتيجة مزج نجيب محفوظ بين تقاليد الرواية العربية الكلاسيكية وروح الأدب الأوروبي، وحرفيته العالية في الكتابة.
وانتبهت دور النشر والمترجمون الصينيون لأهمية محفوظ وأحبوا أعماله من قبل حصوله على نوبل بزمن طويل، فترجموا له ما يقرب من عشرة أعمال من أعماله. في بداية عمل محفوظ بالكتابة كانت قصصه مستمدة من التاريخ المصري القديم ثم تحول بعد ذلك إلى الكتابة الواقعية.
وصدرت له في الخمسينيات "الثلاثية" التي بلغت قمة الإبداع الأدبي. وتتسم أعمال محفوظ بالتنوع والثراء وكثرة شخصياتها وتنوعها. ويتطرق نجيب محفوظ في أعماله إلى وصف طبقة بعينها، ووصف الأسرة، وحتى أشخاص المجتمع بشكل منفرد مستقل؛ فشكلت أعماله لوحة للحياة الاجتماعية المصرية واسعة امتدت قرابة نصف قرن من الزمان. وبعد حصول نجيب محفوظ على نوبل ترجمنا له -نحن الصينيين- كثيرًا من أعماله مثل: "رادوبيس"، و"بداية ونهاية"، و"القاهرة الجديدة" و"زقاق المدق"، "الكرنك"، و"ملحمة الحرافيش" و"حضرة المحترم" و"اللص والكلاب" و"دنيا الله" وغيرها.
وكانت رواية «أولاد حارتنا» عملًا بارزًا من أعمال نجيب محفوظ، فإن "الثلاثية" تظل عمله الأهم. هذا العمل الأدبي الذي يعد علامة في تاريخ الأدب المصري بل في تاريخ الأدب العربي الحديث كله. ترجمت الثلاثية في ١٩٨٦ إلى الصينية على أيدي تشو كاي، ولي واي تشونغ، ولي تشن تشونغ.
وفي مقدمة الجزء الأول من الثلاثية "بين القصرين" كتب نجيب محفوظ بخط يده كلمة بعنوان "إلى القارئ الصيني" أعرب فيها عن سعادته بترجمة ثلاثيته إلى الصينية وتقديره لهذا العمل الذي من شأنه أن يعزز بين التواصل الأدبي بين البلدين راجيًا ألا يتوقف هذا التواصل. وحصلت هذه النسخة المترجمة للثلاثية على الجائزة الثانية للكتب المميزة في دورتها الأولى، وكان هذا سابقًا لحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل.