تتواصل المطالبات برفع الأعباء عن مزارعي القصب في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، ولا تزال أزمة تسعير أسعار توريد القصب لم تحسم بعد، حيث لا تزال أسعار التوريد ثابتة منذ عام ٢٠١٨، ويبلغ سعر توريد طن قصب السكر ٧٢٠ جنيه، منذ ٣ أعوام عندما وجه الرئيس السيسي بضرورة رفع الأسعار على هامش افتتاح أحد المشروعات القومية في محافظة بني سويف.
ويبدو أن مطالب الفلاحين لا تلقى قبولا لدى المسؤولين في وزارة الزراعة، إذ أكد السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن تحديد سعر طن قصب السكر يعود إلى العرض والطلب، وبالتالي فإن تحديد أسعار التوريد تخضع لمنظومة متكاملة، داعيا إلى البحث عن سبل أخرى لرفع مستوى دخل الفلاح. وأوضح الوزير في العديد من البيانات والتصريحات التليفزيونية أن زراعة القصب لها دورة إنتاجية، لذلك يجب عملية إحلال للقصب بعد ٥ سنوات من زراعته وحصاده، وعند ترك القصب لمدة من ٦ إلى ٨ سنوات في الأرض الزراعية دون إحلال ينخفض معدل الإنتاجية.
ولفت الوزير إلى أن الحل الأنسب لزراعات القصب هو التحول للزراعة الحديثة والتي من شانها توفير المياه التي تصل إلى ٥٠٪ عن الأساليب التقليدية في زراعة المحصول، كما أن تقليل الأسمدة في المحصول تقلل من التكلفة النهائية على المزارع، مشيرا إلى أهمية المحافظة على كثافة محصول قصب السكر في الفدان الواحد، حيث يستهدف الوصول إلى مستوى إنتاجية يصل ما بين ٥٥ إلى ٦٠ طنا للفدان الواحد، موضحا أن مركز بحوث كوم أمبو يسعى إلى توفير ١٥ مليون شتلة قصب سنويا.
وتبلغ المساحة الكلية لمحصول القصب ٣٢٠ ألف فدان، يتم توريد ٢١٠ آلاف منها لمصانع وشركات السكر بسعر ٧٢٠ جنيهًا للطن، وتتراوح إنتاجية فدان الواحد من محصول القصب بين ٣٥ إلى ٤٠ طنًا.
وتسعى وزارة الزراعة إلى تعميم تجربة الشتلة التي تضاعف من إنتاجية الفدان بفارق ١٥ طنًا على نفس وحدة المساحة، ما يعوض المزارع بفارق سعر هذه الكمية ويخفض إنتاجية بمقدار ٣٠٪ من الأسمدة والمياه باستخدام سبل الري الحديث.
وبحسب تقرير صادر عن مععهد بحوث المحاصيل السكرية، فإن تعميم الشتلات الجديدة قد تزيد الإنتاجية من ٥٥ إلى ٦٠ طنًا حسب كل قدرة مزارع على تنفيذ الزراعة والحصاد السليم.
ويمثل القصب محصولًا استراتيجيا حيث يمثل العمالة الكثيفة والبالغة بحسب أخر إحصائية ٨ ملايين مزارع، بجانب قيام ١٢ صناعة وحرفة، كما أن من أبرز مميزات القصب أنه لا يتأثر بالتغيرات المناخية مقارنة بالخضر والفاكهة، إلا أن تحريك السعر هذا العام قد يشكل ضررًا على الشركات التي تعاني نتيجة لتسعير منتج السكر في الأسواق المحلية.
الخبراء في معهد بحوث المحاصيل السكرية وشعبة السكر باتحاد الصناعات، أكدوا أن مطالبات الفلاحين بزيادة أسعار توريد قصب السكر مشروعة، في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وبخاصة أزمة نقص السماد طوال السنة الماضية.
فيقول الدكتور أحمد زكي أبو كنيز، أستاذ البحوث بمعهد بحوث المحاصيل السكرية، التابع لمركز البحوث الزراعة: "إن تحقيق توازن بين أسعار التوريد وتكاليف الإنتاج أصبح ضرورة ملحة، فلا شك أن مستلزمات الإنتاج زادت كثيرا منذ عام ٢٠١٨، لذا يجب أن نعيد حساب المنظومة بالكامل.
وأضاف "زكي" في حديثه لـ"البوابة" أن حساب المنظومة بالكامل يجب أن يتضمن تكاليف ومستلزمات الإنتاج بما يشمل ضمانات الدولة لتوفير السماد، وحساب المحروقات وتوفير السولار والوقود اللازم لتشغيل الماكينات اللزمة للحرث والحصاد، بحيث يكون هناك هامش ربح مناسب لا يضر بالفلاح، وكذلك لا يرفع السعر بسعر مبالغ فيه حتى لا يضر بشركات السكر، وفي الآخر ينعكس ذلك على الأسواق من خلال ارتفاع سعر كيلو السكر.
وتابع: "نحتاج لإعادة النظر واحتساب تكاليف الإنتاج في كل محافظات زراعات قصب السكر بداية من المنيا وصولًا إلى أسوان، وعمل هامش ربح مناسب لا يضر بالفلاح أو بشركات السكر، فبالطبع تكاليف الإنتاج تزيد كل عام، فهذا العام شهد نقص في الأسمدة وارتفاع في المحروقات التي تستخدم في الري والحرث للأراضي وكذلك في نقل القصب إلى المصانع، ولذلك نطالب بزيادة سعر توريد القصب بما لا يضر بأي طرف ووفقا للمحددات المتفق عليها لتكون العملية متزنة، لكي تستمر عملية الإنتاج بكل مراحلها بداية من الزراعة وحتى إنتاج السكر، وكذلك العديد من الصناعات التي تقوم على قصب السكر.
وأوضح أستاذ البحوث بمعهد المحاصيل السكرية أن "الفدان يحتاج إلى ١٣ شكارة يوريا، أو ١٥ شكارة نترات، وفي حال حساب العملية على السعر الرسمي في العام الماضي كانت الشكارة بـ ١٦٥، ولكن في ظل تأخر توريدات السماد من وزارة الزراعة تضاعفت أسعار هذه الشكارة ولجأ المزارعين لشراء السماد من السوق السوداء بأسعار مرتفعة عن السعر الرسمي، كما أن تكاليف العمالة ارتفعت بشدة خلال الآونة الأخيرة وتتراوح من ١٠٠ إلى ٢٠٠ جنيه، والفدان يحتاج ٤٠ عامل على الأقل للزراعة والعزيق وإزالة الحشائش في شهر أغسطس، ففي المتوسط ٥٠٠٠ جنيه، بخلاف ٦٠٠٠ جنيه تكاليف حصاد في حال كان الفدان ينتج ٣٠ طن فقط، أي أن العمالة تصل تكاليفها إلى ١١ ألف جنيه.، بالإضافة إلى تكاليف السماد المرتفعة نتيجة للنقص، وارتفاع أسعار المحروقات، لذا أتمنى أن يتم دراسة منظومة الأسعار في زراعة القصب، واتخاذ قرار برفع أسعار التوريد في ظل زيادة المحروقات والنقل والسماد ومختلف تكاليف الإنتاج.
وعن مطالبات الفلاحين برفع أسعار التوريد إلى أكثر من ألف جنيه، قال "أبو كنيز" إن هناك مبالغة في هذا الرقم، حيث إن طن القصب ينتج في المتوسط ١٠٠ ك سكر بحساب سعر الكيلو في المتوسط ١٠ جنيه تكون النتيجة نحو ١٠٠٠ جنيه، وهذا سيمثل عبئ على الشركات التي تدفع مبالغ في "العمالة والكهرباء وغيرها"، لذا في هذه الحالة يكون هناك ضرر على شركات السكر، إلا إذا تدخلت الدولة ودعمت بجزء، وهذا غير متوقع، لذا نطالب بسعر عادل دون مبالغة أو ضرر للفلاحين أو للشركات.
أعلى سعر
وتابع: "يجب ان ندرك ان المزارع سيطلب أعلى سعر ولكن يجب أن يكون هذا السعر متماشي مع المحددات الأخرى ولا يضر بالمصانع، زيادة السعر بشكل مبالغ فيه سيعود بالضرر على القطاع بالكامل، فالعمالة التي تعمل في القصب بـ ١٠٠ أو ٢٠٠ جنيه، سترفع الأسعار على مختلف الزراعات مما يحمل المزارع فيما بعد تكاليف إضافية للمزارع، وكذلك الحال في مصروفات نقل المحصول إلى المصانع وغيرها من التكاليف، وتعود بآثار سلبية على الزراعة بشكل عام.. والعملية محتاجة أن توزن بميزان الدهب".
من جهته، قال المهندس حسن الفندى، نائب رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية، وعضو مجلس إدارة الغرفة باتحاد الصناعات المصرية، إن هناك العديد من الحقائق حول صناعة السكر هو أن زراعة قصب السكر بالكامل موجهة للشركة القابضة للسكر والصناعات التكاملية التابعة لوزارة التموين، من أجل توفير سكر التموين، وهنا نشير إلى أن كل ٩ طن قصب تنتج طن واحد من السكر.
وأضاف "الفندي" في حديثه لـ"البوابة" إن القصب من الزراعات الاقتصادية حيث يدخل في تصنيع العديد من المنتجات بداية من الورق والأخشاب مثل الخشب الحبيبي والعسل الأسود، وغيرها من الصناعات، لذا نرى أن مطالب المزارعين بزيادة أسعار التوريد هي مطالب ضرورية في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج خلال الفترة الماضية.
وتابع: "بالطبع التكاليف زادت كثيرا، فلا يمكن الإبقاء على سعر التوريد ثابت منذ ٣ سنوات في ظل ارتفاع أسعار السماد، والقصب يدخل في صنعات أخرى مما يعزز فكرة امكانية زيادة سعر التوريد، والاستفادة من إدخاله في صناعات جانبية، مثل الأخشاب والورق، فالمزارع أيضا زادت عليه الكثير من المصروفات في العملية الإنتاجية ويجب النظر إلى الأسعار".
ويرى المزارعون أن رفع أسعار توريد القصب أصبح ضرورة ملحة في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة وعمالة، وكذلك ارتفاع أسعار المحروقات، والتي تؤثر بالطبع على أسعار نقل المحصول إلى المصانع وكذلك ماكينات الحصاد والري على مدى العام، بالإضافة للعديد من المصروفات الأخرى خلال زراعة قصب السكر.
وفي هذا السياق، يؤكد حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، في حديثه لـ"البوابة" أن موعد حصاد القصب في شهر يناير المقبل، يكون هو العيد الكبير لمزارعي القصب الذين ينتظرون حصاد المحصول لجني لقمة عيشهم التي تعبوا فيها طوال السنة حيث إن القصب محصول سنةوي يحصد كل عام، ومن هنا نطالب بزيادة سعر توريد القصب إلى ٩٠٠ جنيه للطن، كسعر عادل من أجل تحقيق هامش ربح مناسب للفلاح الذي يظل طول السنة ينتظر موسم الحصاد. وأضاف أبو صدام أن سعر طن القصب لم يرفع منذ ٢٠١٨، وجاء وفقا لقرار استثنائي من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تم رفع سعر طن القصب ٢٥ جنيه ليسجل ٧٢٠ جنيه، ومنذ ٣ سنوات لم يتم رفع سعر القصب على الرغم من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
وتابع: "سعر كيلو السكر تجاوز الـ١١ جنيه، في حين ينتج طن القصب ١٢٠ كيلو سكر، بما يعني أن الطن ينتج منه سكر بقسمة ١٢٠٠ جنيه من السكر فق، كما أن القصب ينتج ٢٢ سلعة أخرى بخلاف السكر، ومنها الأعلاف والورق والعسل الأسود".
وأكمل "أبوصدام" فائلا: "السعر المناسب لطن القصب أكثر من ألف جنيه، ونطالب بسعر عادل، على غرار ما حدث لزيادة القمح بواقع ٩٥ جنيه، والدولة المصرية بجهاتها المختلفة على تسعير السكر تعمل في مشاورات مستمرة لبحث رفع سعر توريد السكر، ونرى أن الدولة المصرية في الفترة الأخيرة تقف بجانب الفلاح".
وأوضح نقيب الفلاحين أن القصب يزرع في محافظات الصعيد فقط لأنه يحتاج لدرجات حرارة عالية، وفي ظل ثبات المساحة المزروعة من القصب، تبلغ مساحته ٣٧٥ ألف فدان تزرع من المنيا حتى أسوان زراعة القصب مرهقة تبقى في الأرض ٥ سنوات، ويتم حصاده مره واحدة في العام، وهناك اتجاه في الدولة لعدم تزويد مساحات القصب المزروعة نظرا لاستهلاكه كميات كبيرة من المياه وبالتالي نطالب برفع أسعار التوريد في ظل ارتفاع مستلزمات الإنتاج بشكل كبير، ونأمل أن يحظى مزارعي القصب بدعم الحكومة، ورفع سعر توريد القصب إلى ٩٠٠ جنيه للطن على الأقل،.
أزمة أسمدة
وعن التحديات التي يواجهها مزارعو القصب، لفت أبو صدام إلى أن أزمة الأسمدة كانت من أكبر الأزمات التي واجهت مزارعو القصب ينتظرون عام كامل حتى حصاد المحصول في شهر يناير وطوال العام يقومون برعاية المحصول بالري والرش والتسميد، وبسبب أزمة نقص الأسمدة وتأخر وصول الأسمدة المدعمة للمزارعين وعدم كفايتها لتسميد المحصول لجأ العديد من مزارعى قصب السكر في محافظات صعيد مصر لشراء الاسمدة من السوق السوداء بسعر مرتفع جدا حرصا على المحصول.
وشدد نقيب الفلاحين في تصريحاته لـ"البوابة" على أن القصب محصول استراتيجي نظرا لأنه يوفر للمواطنين حاجتهم من السكر طوال العام، حيث ينتج الفدان من ٤٠ إلى ٥٠ طن، وننتج من القصب ١.١ مليون طن سكر من القصب، حيث يذهب جزء كبير من القصب للعصارات لإنتاج عصير القصب، وننتج من البنجر ٢٠٣ مليون طن، ومصر تستهلك أكثر من ٣ مليون طن، لذلك نستورد نحو ٤٠٠ ألف طن".
وتابع: "ما يعزز دور القصب كمحصول استراتيجي هو أنه يدخل في ٢٢ صناعة أخرى غير السكر منها "الخشب الحبيبي والميثان والورق والعسل الاسود والعطور والسبرتو والكحول من المستحضرات والمستلزمات الطبية، لذلك نقول إن دعم مزارعي القصب واجب من أجل العدل واستدامة المحصول المهم، حتى لا يترك المزارعون هذه الزراعة المهمة نتيجة للخسائر المتتالية في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج".
ووافقه الرأي علاء البكري، من كبار مزارعي القصب بمحافظة المنيا، الذي استهل حديثه قائلا: "احنا بقينا بنخسر، والمستأجرين على وجه التحديد هم أكبر الخاسرين، فالفدان الواحد زادت بل تضاعفت مصاريفه بشكل مبالغ فيه في الآونة الأخيرة، في ظل ارتفاع أجرة العمال وارتفاع أسعار السماد والوقود، متابعا: "كل حاجة زادت.. ليه سعر القصب ميزيدش".
وأضاف "البكري" في حديثه لـ"البوابة": "الفدان الواحد زادت مصاريفه بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة دون أن يتحرك سعر التوريد، ولذلك يجب أن نرفع أسعار التوريد حتى تكون أسعار عادلة لنا كمزارعين، فاللفدان الواحد يتكلف الكثير من الأموال في كل مراحل الزراعة، بداية من الزراعة حتى الحصاد".
وتابع: "في البداية يحتاج الفدان إلى ٢٠ مرة ري بالمياه المرة الواحدة تتكلف ٢٠٠ جنيه مما يعني ٤٠٠٠ جنيه مصروفات الري، كما يتكلف الفدان في العزيق ٤ مرات مضروبة في ١٥٠٠ جنيه لكل مرة مما يعني ٦٠٠٠ جنيه عزيق سنويا، وفي الجمع يتكلف الفدان ٧٠٠٠ جنيه، بالإضافة إلى مصاريف نقل لو الفدان حصد ٥٠ طن تضرب في ٧٠ إلى ٨٥ جنيه للطن، مما يعني أن الفدان يتكلف من ٣٥٠٠ جنيه حتى ٤٢٥٠ جنيه مصاريف نقل المحصول إلى المصنع".
أما عن السماد فالفدان يحتاج بحد أدنى ١١ شكارة سماد "يوريا أو نترات"، وفي ظل نقص السماد اتجهنا للسوق السوداء، والسماد ارتفعت أسعاره في السوق السوداء لتصل إلى ٥٠٠ جنيه مما يعني ٥٥٠٠ جنيه سماد للفدان، وإذا حسبنا هذه التكاليف ستصل إلى نحو ٢٧ ألف جنيه في المتوسط، أما إذا كان المزارع مستأجر فهنا نضيف تكلفة إضافي الفدان من ١٢: ١٥ ألف جنيه إيجار سنوي، وفي هذه الحالة من المؤكد أن المزارع المستأجر خاسر لا محالة في ظل سعر التوريد الحالي، فبحساب سعر التوريد الحالي، ٥٠ طن حد أقصى لإنتاج الفدان مضروبة في ٧٢٠ جبه ليصل إجمالي سعر توريد الفدان إلى ٣٦ ألف جنيه، أي بخسارة نحو ٦ آلف عن تكاليف الإنتاج والإيجار".
ولفت البكري إلى أن أي نقص في الإنتاج أيضا سيعود بالخسارة على الفلاح فمثلا في حال إنتاج ٤٠ طن للفدان فالفدان سيعود على الفلاح بنحو ٢٩ ألف جنيه، والذي لا يعود بهامش ربح كبير للفلاح ففي هذه الحالة يكون الفارق تكاليف الإنتاج والعائد ألفي جنيه".