معنى انقسام الآراء حول الأغنية المصرية يعكس الحس الوطني القلق بشأن القوى الناعمة، وهي ظواهر صحية ولو كره الكارهون ذلك إن اختلاف الذوق دليل حيوية للتعددية المفقودة في الحياة العامة لأن لكل عصر ملامحه والأغنية أيا كانت هي الشاهد الحقيقي على العصر والغريب أن الحملة الكبيرة على ما يسمى بمطربي المهرجانات تصور الحياة الفنية وكأنها مسرحا للعبادة في المدينة الفاضلة ولم يتذكر أحد حتى من العارفين بتاريخ الغناء والموسيقى أن المغني في مصر كان يثير الناس ويطربهم بشيء اسمه الهنك والرنك وهي الميوعة والطراوة في الغناء، ابتكرها محمد عثمان منذ أيام الخديوي إسماعيل وحفلاته، وكانت منيرة المهدية تثير حواس المستمعين ببحة في صوتها فيها طابع جنسي، وبعد الحرب العالمية الأولى شقت طقاطيق الأغاني الحسية طريقها لتؤدي بين فصول المسرحيات، وأدى نجاحها بين الجمهور إلى انتشارها، وشارك في هذه الظاهرة ملحنون كبار مثل الشيخ زكريا أحمد، وسيد درويش، ومحمد القصبجي، ومحمد عبد الوهاب..وغناها أشهر المطربين والمطربات مثل أم كلثوم، ومنيرة المهدية، ونعيمة المصرية، وبديعة مصابني، ومحمد عبد الوهاب، وأغلبها كانت من تأليف يونس القاضى، وإلى جانب أغاني الجنس، انتشرت في هذه الفترة "أغاني الصهبجية" التي تتناول الخمور والمخدرات والقمار والتي حظيت بشعبية كبيرة، وكانوا يتغنون بها في المقاهي وفي حفلات الزفاف الشعبية، وفي تلك الأيام استمع المصريون ل”بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة”غناء منيرة المهدية وألحان محمد القصبجى، و”الخلاعة والدلاعة مذهبي” لأم كلثوم، و”على سرير النوم دلعني” للتونسية حبيبة مسيكة، و”شامبانيا يا سلطانة الخمرة” غناء المجموعة في مسرحية فيروز شاه، ولحن سيد درويش وكلمات عبد الحليم دولار المصري..و”اشمعنى يا نخ الكوكايين كخ” غناء منيرة المهدية وألحان سيد درويش وكلمات بديع خيري، والحشاشين (التحفجية) غناء محمد محسن ولحن سيد درويش وكلمات بديع خيري، ومن أغاني القمار “فيك عشرة كتشينة” غناء محمد عبد الوهاب وألحان سيد درويش وكلمات يونس القاضى.. وقد ارتبط المصريون بالطرب والأغاني الشعبية منذ زمن بعيد، وظهرت ألوان متعددة لأنواع الأغنيات كانت كل منها ترتبط بمهنة وبيئة محددة، فأغنيات (أناشيد أو هتافات أو طقطوقات) يستخدمها الصيادون، وأخرى وقت الحصاد يشدو بها الفلاحون، وكان لسيد درويش مساهمات كبيرة لتطوير هذا الاتجاه ودمجه في الغناء الشعبي الجماهيري في الفترة التي سبقت ثورة 1919 والتي تلتها. ومع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، كان يطلق على المطربين المقربين من الشارع مصطلح «الشيوخ» مثل الشيخ سيد درويش وغيره، نظرًا للزي الذي كانوا يرتدونه ونشأتهم التعليمية في الكُتّاب، علاوة على اعتماد أغلبهم على نغمات المديح الدينية والترتيل وكانت توجد سرادقات للغناء في أماكن متعددة بالقاهرة، تبدأ مع الليل، ولا تتوقف إلا مع ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي، وكان يقوم بتلك الحفلات بعض الموهوبين من الهواة، وكانت رخصة الاحتراف التي سادت في هذا العصر هي أن يعجب الشيخ بصوت أحدهم فيلبسه حزامًا كزي معين ليبدأ الناس في تعريفه بلقب «الصّييت». ومع انطلاق الإذاعة المصرية في بدايات الثلاثينات بدأت شهرة بعض المطربين والزجالين تتسع، وتخرج من نطاق الأقاليم بعينها مثل الصعيد والدلتا لتشمل القطر المصري كله وبرزت مواهب مثل محمد طه وخضرة محمد خضر والريس متقال ثم كانت. الهزيمة المصرية في عام 1967 تاريخًا مفصليًا في مراحل تطور الأغنية والقي الواقع السياسي المصري في فترة بظلاله على المفهوم والمضمون الخاص بالأغنية الشعبية، فالواقع المؤلم دفع البعض لتخريج فن يهدف للترفيه الخالي من المضمون، وأبرز الأسماء التي صعدت في تلك الفترة مثل أحمد عدوية، والذي قدم في بداياته كلمات هوجمت من النقاد والصحافة، رغم اعترافهم بأنه يتمتع بصوت مميز، ولكنها لاقت قبولا لدى الجمهور وذلك لأنها كانت نغماتها الحزينة والشجن في بعض الأحيان تواءم الطابع الاجتماعي الحزين بعد الهزيمة، ومع الثورة التكنولوجية التي ساهمت في تسهيل صناعة الموسيقي والألحان عن طريق برامج الكومبيوتر، ظهر لون آخر عرف بـ«المهرجان» والذي يعتمد على الموسيقى الإيقاعية الراقصة في أغلب الأحيان. وبذلك اكتسبت المهرجانات شهرة واسعة، وصيت سيطر على كل المناسبات الاجتماعية في السنوات الأخيرة، علاوة على الإقبال الجماهيري الكبير على سماعها، والذي يظهر من خلال حجم المشاهدات الكبير التي تحققه على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يصل أحيانا لعشرات الملايين.
آراء حرة
تاريخ لمؤخذة المهرجانات والذي منه
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق