الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

أبو الوليد ابن رشد.. الفيلسوف الموسوعي

أبو الوليد ابن رشد
أبو الوليد ابن رشد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل اليوم الجمعة، ذكرى رحيل الفيسلوف والطبيب والفقية والقاضي والفلكي الفيزيائي المسلم الاندلسي "ابن رشد"، احد أقطاب الفلسفة الإسلامية علي مر العصور،  دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً، ولد 14 أبريل عام 1126م، في قرطبة.
درس ابن رشد الفقه على يدي الفقيه "الحافظ أبي محمد بن رزق" ، واستظهر كتاب الموطأ حفظا للأمام مالك على يدي أبيه الفقيه" أبي القاسم" ، ودرس أيضا، على أيدي الفقيه "أبي مروان عبد الملك بن مسرة" ، والفقيه "ابن بشكوال" و"أبي بكر بن سمحون" ، و"أبي جعفر بن عبد العزيز" ، الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه" أبي عبد الله المازري، . كما درس على يد" أبي جعفر هارون" ، و" أبي مروان بن جبرول" من بلنسية، وكان أقرب من أبي بكر بن زاهر، وفي الفلسفة تأثر "بابن باجة"، كما كان صديقا لابن طفيل.
تولى ابن رشد القضاء عام 1169م في إشبيلية ثم في قرطبة، وحين استقال ابن طفيل من طبابة الخليفة اقترح اسم ابن رشد ليخلفه في منصبه، فاستدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف إلى مراكش سنة 578هـ وجعله طبيبه الخاص، وقربه منه وقضى في مراكش عشر سنوات، وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب فتنقل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة، ثم ولاه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية، فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده ورفعة وقرَبه إليه، ولكن كاد له بعض المقربين من الأمير، فأمر الأمير بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة أو الاهتمام بها، وهدد من يخالف أمره بالعقوبة، وبقي ابن رشد بتلك القرية لمدة سنتين، وبعد تأكد السلطان من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة عفا عنه واستدعاه من جديد إلى مراكش وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة، ثم إن السلطان نفسه أخذ في دراسة الفلسفة والاهتمام بها أكثر من ذي قبل.
يرى ابن رشد أن لا تعارض بين الدين الإسلامي والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقاً أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة، ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين : القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص و الثاني فيه من الإلهية ما فيه، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة.
ويدعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استناداً على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لايمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، والتي ذَكر بأن عدداً من النخبويين الذين يحظون بملكات فكرية عالية توعدوا بحفظها وإجراء دراساتٍ جديدة فلسفية.
كان ابن رشد مغرماً بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيون الأوائل.
وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيراً جديداً لنظرية رشدية جديدة سميت "اتحاد الكون النموذجي"، ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: "من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة".
كتب ابن رشد أول مؤلفاته في شرح أفكار الفيلسوف الإغريقي أرسطو، وقد تأثرت فلسفته وأفكاره الدينية بفلسفة الفيلسوف ابن باجة، واستمرت دراسته للأعمال الفلسفية المختلفة لثلاثة عقود لاحقة، حيث طور خلالها مدرسته الفكرية والفلسفية الخاصة المسماة "المدرسة الرشدية"، وتم تعيينه قاضيا على مقاطعة إشبيلية عام 1160، وبعد منصبه هذا شغل ابن رشد العديد من المناصب في المحاكم طيلة حياته، وتتضمن أعماله ما يقارب مائة ورقة في مجالاتٍ مختلفة انطلاقا من الفلسفة واللاهوت والطب والقانون والنحو، ويبقى أشهر أعماله هو ترجمته لأعمال أفلاطون وبالتحديد "الجمهورية".
لم يكن ابن رشد فيلسوفاً أصيلاً بقدر ماكان شارحاً ومعلقاً على أعمال أرسطو، إذ ليست له أفكار فلسفية خاصّة مقارنة بأعلام الفلسفة الإسلامية الكبار كابن سينا والرازي والفارابي، إن تراث ابن رشد الرئيس يتمحور حول ترجمة أرسطو إلى العربية وشرحه والتعليق عليه ترجمة دقيقة مقارنة بما كان سبق من ترجمات ساعدته عليها خلفيته المعرفية والفلسفية واللغوية، وهذه الأعمال هي التي نقلت إلى العبرية واللاتينية وأرهصت لفلاسفة كابن ميمون وسيجر دو برابانت والإكويني، ولمدارس كالفلسفة المدرسية (السكولاتية)، ومن هنا اهتم الغربيين المحدثين بابن رشد وإعلاء شأنه وبخاصة المستشرقين بوصفه ممثلاً أميناً للحضارة الإسلامية في لبوسها الاستشراقي، بمعنى تصويرها كأنْ لم تك في أفضل أحوالها أكثر من ناقل للتراث اليوناني إلى الغرب وليس ثمة من إبداع أصيلٍ ينسب لها، والدليل الباهر ابن رشد، وجاءت محنته لترفع من قيمته أكثر بنظر هؤلاء ليعتبروه تجسيداً لفكرٍ متحرر في وجه المتشددين، مع أنه كان فقيهاً أصولياً مالكياً لاتزال كتاباته الفقهية مراجعَ لها قيمتها الرفيعة على مر القرون حتى يومنا، ومع أن محنته لم تك أكثر من مكيدة على يد الحساد والوشاة الذين لايخلو منهم زمان أو بلاط.
لكن لم يسلم ابن  من ألسنة رجال الكنيسة، فقد ذموه بكل شفة ولسان، وطعنوا عليه أقبح طعن فقد قال عنه بترارك: «إنه ذلك الكلب الكلِب الذي هاجه غيظ ممقوت؛ فأخذ ينبح على سيده ومولاه المسيح والديانة الكاثوليكية»، وأما دانتي فقد جعله في هدوء ووقار يتبوأ مقعده في الجحيم جزاء له على كفره واعتزاله.
تمت تسمية كويكب باسم "بن رشد 8318" تيمناً باسم الفيلسوف العربي.
وكانعكاس للاحترام الذي كان يكنه العلماء الأوروبيون لإبن رشد في العصور الوسطى فقد ورد اسمه في الكوميديا الإلهية لدانتي في قسم الجحيم (الأنشودة الرابعة: 142) مع الفلاسفة العظماء الذين ماتوا قبل المسيحية أو الذين لم يعمدوا بحسب وصف دانتي.
من أبرز مؤلفاته "تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة"، و"تلخيص كتاب المقولات"، و"شرح كتاب النفس"، و"شرح كتاب القياس"، و"بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه"، و"مناهج الأدلة"، و"فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال".
وحصل ابن رشد على العديد من الجوائز مثل جائزة ابن رشد للحركة الفكرية. 
توفي ابن رشد في 10ديسمبر 1198،في مراكش وترك خلفه إرثاً عظيماً في الفلسفة الإسلامية، وتم عرض قصته في فيلم للمخرج المصري" يوسف شاهين "بعنوان" المصير" عام 1997م.