رحل عن عالمنا صباح السبت، الدكتور هانى رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا.
ويعد الراحل هانى رسلان أحد الباحثين والكتاب المتميزين القلائل فى الشأن الأفريقي، وكان له صدى ممتاز فى الأوساط السياسية الأفريقية، وكان قد عمل فى مؤسسة الأهرام، وشغل بها عدة مناصب مهمة، من أهمها رئيسًا ومؤسسًا لوحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كما شغل منصب رئيس تحرير مجلة «رؤى مصرية»، وتولى كذلك رئاسة تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي، كما تخصص فى مناقشة قضية سد النهضة الإثيوبى وتأثيرها على مصر والسودان، وكان من أشد المدافعين عن عدالة موقف مصر وحقها فى نهر النيل.
وفى الملفات الأفريقية الشائكة، كان الدكتور هانى رسلان مرجعا للباحثين ووجهة للصحفيين ومعدى البرامج الإخبارية والتليفزيونية، إذ كانت لديه رؤية ثاقبة، مكنته من تصفح المشهد بعناية فائقة لا سيما فى ظل المشكلات الإثيوبية والسودانية، وهو ما جعله مستهدفًا من كثيرين ممن لا تستهويهم آراؤه التى ربما تحمل وجهة نظر مغايرة لما يطرح.
وفى قضية سد النهضة، خاض الراحل جولات طويلة عبر كتاباته وتحليلاته المتنوعة ومقابلاته التليفزيونية المختلفة، حيث استطاع من خلال تمثيل القوى الناعمة التى استطاع من خلالها بالفكر مواجهة الأشخاص الذين حاولوا تزوير حقيقة القضية، وفضح بعض الادعاءات الإثيوبية.
كما حلل الكثير من القضايا والمشكلات الحيوية المختلفة على مدى السياسة الأفريقية، حيث كان للراحل تاريخ مشرف بمواقفه ومبادئه التى لم تتزحزح حتى صعدت روحه الطاهرة إلى خالقها.
وكان يعانى الفقيد الراحل من اعتلال فى الجهاز البولي، حيث أصيب باضطراب فى وظائف الكلي، حتى أصيب مؤخرًا بفيروس كورونا ودخل على أثرها مستشفى جامعة شمس التخصصي، وتدهورت صحته فى أيامه الأخيرة وتوفى فى أعقاب ذلك.
وبالإضافة إلى فيروس كورونا فقد كان الراحل يخضع للغسيل الكلوى بشكل مستمر ومنذ نحو أسبوع، حالته كانت متدهورة آخر ٣ أيام وكانت من أشهر كلماته لأصدقائه المقربين وهو فى المستشفى «مش قادر أتكلم نص دقيقة فى اليوم».
وبرحيل الكاتب الكبير والباحث الفذ الدكتور هانى رسلان، فقدت مصر ومؤسسة الأهرام رجلًا قوميًا، عاش خادمًا لقضايا بلاده ودافعت عنها حتى وفاته، وكان شوكة فى حناجر كل من يتلون فى أمور السياسة الأفريقية أو يتلاعبون بحقائقها التاريخية أو يطلبون تزوير الواقع.
مصرى من أصول سودانية
الدكتور هانى رسلان مصرى من أصول سودانية، وهو كاتب صحفى فى مختلف الصحف العربية والعالمية، من الباحثين والكتاب المتميزين القلائل فى الشأن السياسى الأفريقي، وكان له صدى كبير فى الأوساط السياسية الأفريقية وله مواقف وطنية عديدة.
قضايا أفريقية
وكان «رسلان» رجلًا وطنيًا مخلصًا فى جميع القضايا الوطنية التى شهدتها مصر، حيث كان مدافعا عنها بكل ما تحملها المعانى من كلمة، عاش خادمًا لقضايا بلاده، مدافعًا عنها حتى مماته، فكان بمثابة شوكة فى حلوق كل من كان يتلون فى أمور السياسة الأفريقية أو يتلاعب فى وقائعها التاريخية أو يسعى لتزييف الواقع.
وكان الدكتور رسلان قد أكد فى مرات عديدة أن التعنت الإثيوبى واستمرار أديس أبابا فى سياسات الملء الثانى لخزان سد النهضة بشكل أحادى يعبر عن أنها تعتبر النيل الأزرق ملكية خاصة لها بالمخالفة للقانون الدولي، ما يهدد الأمن القومى لدول السودان ومصر على حد سواء.
كما أكد الراحل أن الهدف الرئيسى من قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة هو الحصول على أكبر حصة ممكنة من مياه نهر النيل، الأمر الذى يضر مصالح مصر والسودان المائية وغيرها من دول حوض النيل، وقال فى تصريحات عديدة له إن سد النهضة هو مشروع فاشل وخطير فى ان واحد.
وللراحل الدكتور هانى رسلان، مؤلفات عديدة، من بينها كتاب «سياسات يوليو.. خمسون عامًا على الثورة»، وكتاب «وزارة الموارد المائية والري».
مواقف من سد النهضة
ومن أشهر تصريحاته لإذاعة مونت كارلو الدولية فى الربع الأول من عام ٢٠٢٠ أن إثيوبيا تريد السيطرة بشكل منفرد على نهر النيل الأزرق، ومصر لا ترغب فى الحل العسكرى لكنه مطروح على الطاولة.
وكان يرى أن محاولات رئيس الوزراء الإثيوبى إظهار الانتهاء من الملء الثانى للسد أنه إنجاز سياسى كبير من خلال الاحتفالات التى أقيمت ذاكرًا أن آبى أحمد يحاول التهدئة على المستوى الخارجى لإيجاد متنفس للضغوط التى يواجهها سواء فى الاضطرابات الأمنية بالوضع الداخلى والانتقادات العنيفة التى وجهت للانتخابات الأخيرة ووصفها بأنها غير مكتملة
وأكد أن هناك ٤ توربينات فى سد النهضة لم يتم إغلاقها حتى الآن رغم اقتراب الفيضان وبالتالى لن تستطيع تخزين المياه متابعا: «أزمة سد النهضة لها أبعاد إقليمية ودولية وهناك تعاون كبير بين مصر والسودان فى هذه الأزمة، ويجب الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة فى الفترة المقبلة، خاصة بعد قطع مصر شوطا طويلا فى المفاوضات».
وأوضح إن تصريحات وزير الرى الإثيوبى حول فشل إثيوبيا فى الملء الثانى لسد النهضة جاءت نتيجة فشل فنى وإدارى يُضاف لسجل طويل من الفشل الإثيوبي، موضحًا أنه حتى فى الملء الأول للسد تم تخزين كمية مياه أقل من المستهدفة، وأن الملء الثانى لسد النهضة فى ظل الوضع الحالى لن يزيد على ٤ مليارات متر مكعب وقد يكون ٢-٣ مليار متر مكعب. إن إثيوبيا تحاول سحب فتيل السيف المرفوع عليها من مصر والسودان، ومؤشر أن إثيوبيا تمضى إرادتها السياسية، وتقوم بالملء الثانى بتخزين أى كمية من المياه.
وأشار الراحل إلى أن موقف إثيوبيا السياسى لم يتغير وإنما هى تواجه مشكلات فنية وإدارية فى السد تؤدى لتأخر الانتهاء من سد النهضة، موضحًا أن معدل التقدم فى رفع الممر الأوسط بطىء للغاية ووقت المتبقى للفيضان محدود ولن يسمح لهم بالتعلية للممر أكثر من ٥٧٣ مترا بدلا من ٥٩٥ مترا وتصريح وزير الرى الإثيوبى ليس مفاجأة.
وأكد رسلان مرات عديدة أن أمريكا ترفض التحرك العسكري، لأن هذا التحرك سيكون بداية لتفكك الدولة الإثيوبية، والمنطقة ستتحول إلى جحيم، لأن هناك مشكلات عديدة فى إثيوبيا، وصراعات قبلية وكراهية متبادلة بين الأطراف هناك، لافتًا إلى أن أمريكا تتحدث عن حل لأزمة السد بتسوية بين الأطراف، مقابل تنمية اقتصادية لإثيوبيا، منوها أن إثيوبيا تعانى من ضغوط مختلفة.
ولفت إلى أنه بعد فشل إثيوبيا فى الملء الثانى بسبب فشلها فى إتمام التعلية المطلوبة، منوها أن إثيوبيا كانت تخطط لتجميع ١٨ مليار متر مكعب من المياه، والآن لن تنجح إلا فى تخزين نحو ٨ مليارات متر مكعب، ولهذا فإن الخيار العسكرى سيظل قائما، لأن التحرك العسكرى كان سيضر السودان فى حال نجحت إثيوبيا فى تخزين ١٨ مليار متر مكعب.
أصدقاء الراحل: كان مفكرا بمعنى الكلمة
أمانى الطويل: واجه الكثير من التداعيات لمواقفه الوطنية
أسماء الحسينى: كان ابنا بارا وشهما وكريما لمصر
إيهاب بلال: أثرى مصر وأفريقيا برؤى وأفكار استراتيجية مهمة
نعى العديد من الخبراء والصحفيين وأصدقاء الراحل الدكتور هانى رسلان، وفاته بمزيد من الحزن، حيث قالت أسماء الحسينى، مدير تحرير صحيفة الأهرام والخبيرة فى الشئون الأفريقية: «عرفت الأخ والصديق العزيز الدكتور هانى رسلان أخا شهما كريما وفيا، وابنا بارا من أبناء مصر، ومدافعا صلبا عن قناعاته الوطنية، فعلى المستوى الشخصى تحمل الراحل العزيز آلاما جساما ومشقة كبيرة من الأمراض التى عصفت بجسده، والتى قاومها بصلابة وصبر جميل، دون تذمر أو شكوى، وظل حتى آخر أيام حياته يساهم ويؤدى دوره بكل قناعة ومثابرة».
وتابعت فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن مصر والشئون الأفريقية والأهرام فقدت باحثا جادا ومحللا عميقا شجاعا كرس حياته لقضايا وطنه وأمته، كان يحرص دوما على تقديم موضوعات عميقة مفيدة تخدم القضايا الوطنية، كان يتبنى الدفاع عن المصالح الوطنية فى قضية سد النهضة، داعية المولى له أن يجزيه عن اجتهاده فى علمه، وعن صبره فى مرضه، وعن إخلاصه لوطنه وأمته، جزاء تنير به قبره، وتؤنسه فى وحدته، وتبدله أهلا خيرا من أهله.
وقالت أمانى الطويل، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية، إن الدكتور هانى رسلان خريج اقتصاد وعلوم سياسية سنة ١٩٨٤ عضو مجلس المصرى للشئون الخارجية، ومؤسس منتدى دندرة الثقافى، وكان له إسهاماته فى ما يتعلق بالسودان ودول حوض النيل، وكان رئيس برنامج السودان وحوض النيل لفترة من الوقت، وكان رئيس مركز الدراسات التاريخية والاجتماعية فى مؤسسة الأهرام، له مؤلفات فى الكراسات الاستراتيجية الصادرة من المركز ومشاركات فى التاريخ الاستراتيجى السنوى الصادر عن مركز الأهرام وعشرات من المقالات والمساهمات الفكرية فى مراكز الدراسات السودانية والعربية كان مدافعا شرسا عن حقوق مصر فى حوض النيل ومياه النيل وواجه الكثير من التداعيات لمواقفه الوطنية.
وقال إيهاب بلال، الخبير الاستراتيجي، إن الدكتور هانى رسلان كان قيمة مصرية وأفريقية كبيرة، حيث أثرى بمقالاته واستضافاته فى مصر وأفريقيا برؤى وافكار استراتيجية مهمة.
وأكد «بلال» أن «رسلان» كان مفكرا بمعنى الكلمة لأنه كان يطرح المشكلة والحل فى نفس الوقت، وأن رحيلة خسارة كبيرة.
أبرز المعلومات عن الدكتور هــانى رسلان:
هانى رسلان مصرى من أصول سودانية
المؤسس والرئيس السابق لوحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية بمؤسسة الأهرام.
مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
رئيس تحرير مجلة «رؤى مصرية».
رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجى سابقا بجريدة الأهرام.
كاتب صحفى فى مختلف الصحف العربية والعالمية.
عانى من مرض الفشل الكلوى وكان يخضع بشكل مستمر لجلسات الغسيل.
أصيب مؤخرًا بفيروس كورونا حتى توفى متأثرًا بإصابته.