ما لبث العالم وأن توصل إلى لقاحات تمكنه فى الحد الأدنى من التعايش مع فيروس كورونا وتحجيم الخسائر الاقتصادية التى تكبدها جراء عمليات الإغلاق؛ حتى فوجئ بسلالة الـ "أوميكرون" الغامضة والتى ربما قد تحتاج إلى لقاح جديد سيستغرق إنتاجه عامًا على الأقل ليعود معه شبح الإغلاق مرة أخرى يهدد الاقتصاد العالمى فى ظل أزمات أخرى تتعلق بارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم ناهيك عن التأثيرات السلبية للتغير المناخي.
قرار منع رحلات الطيران إلى جنوب افريقيا وغيرها من بعض الدول الأفريقية والذى اتخذته غالبية دول العالم ومن بينها مصر تؤشر أننا بصدد مواجهة جديدة مع كورونا وسلالاتها، غير أن العالم -وبسبب التعقيدات الاقتصادية والسياسية التى يعايشها- ليس مستعدًا لانتهاج نفس سياسيات الإغلاق التى اتبعها خلال العامين الماضيين، وبات علينا جميعًا حكومات وشعوب وأفراد البحث عن سبيل يحقق نوعًا من التوازن على نحو يحول دون تحول الاميكرون إلى وباء عالمى، وفى نفس الوقت يحجم من الآثار السلبية على بنية الاقتصاد العالمى.
مصر كانت من الدول التى استطاعت تجاوز التداعيات السلبية لوباء كورونا بحيث تمكنت من تحقيق نمو اقتصادى ملفت مقارنة بالدول المحيطة والمجاورة وفق تقارير عدة صدرت عن مؤسسات اقتصادية ومالية دولية؛ ولابد أن تجربة العامين الماضيين قد وفرت للحكومة المصرية خبرة للتعامل مع السلالة الجديدة التى نجهل عنها الكثير حتى الآن.
ولأن كورونا بنسخها ما قبل الـ "أوميكرون" مازالت تعد وباءًا عالميًا، ولأن السلالة الجديدة زادت من تعقيد الموقف، فجميعنا مطالبون بالاستمرار فى الالتزام بالإجراءات الاحترازية الصارمة، واتخاذ كافة الإجراءات التى من شأنها تحجيم انتشار العدوى فى أماكن التجمعات العامة سيما وأن جميع لقاحات كورونا بنسخها التقليدية لا تمنع الإصابة وإنما تعمل فقط على التقليل من آثارها الصحية الخطيرة وتساعد جسم الإنسان على المقاومة بكفاءة أعلى.
قد يبدو هذا الحديث روتينيًا ومكررًا غير أن ما نشر حتى الآن عن خطورة سلالة الـ "أوميكرون" والغموض الذى مازال يكتنفها مع تخلى الكثيرين عن إجراءات السلامة بدفعنا إلى المطالبة مجددًا بالتطبيق الصارم لكافة الإجراءات الاحترازية وفى القلب منها ارتداء الكمامة بذات الصرامة التى بدت فى قرارات الحكومة بوجوب حصول المواطنين كافة على اللقاح حتى يتمكنوا من الاستمرار فى وظائفهم ودخول الهيئات والجهات الحكومية لقضاء مصالحهم وحتى يتمكن الطلاب من دخول جامعاتهم.
إذا تحولت السلالة الجديدة -لا قدر الله- إلى وباء سريع الانتشار، وإذا كانت الأمصال المتاحة حتى الآن غير قادرة على مواجهتها، فإن الإغلاق سيكون أمرًا حتميًا وهو ما لا يطيقه المصريون كأفراد تمامًا كما لا يتحمله الاقتصاد الوطنى فى ظل التحديات القائمة فعليًا.
من الأمور التى ينطبق عليها المثل الشائع "شر البلية ما يضحك" أن يأتيك صوت الإذاعة الداخلية لمحطات مترو الأنفاق محذرًا من عدم ارتداء الكمامة ومنذرًا بغرامة مالية تتراوح بين 50 إلى 4000 جنيه ثم تجد موظفى الأمن على بوابات المترو وقد تخلو عن كماماتهم تمامًا ولا يطالبون الركاب بارتدائها قبل دخول المحطة والنتيجة مئات البشر يقفون داخل عربات المترو المزدحمة شبه ملتصقين وزفير كل راكب شهيق للآخر الذى يواجهه دون مسافة تذكر.
عربات مترو الأنفاق أكبر شاهد على سقوط القانون من حسابات غالبيتنا، فلا إدارة المترو شددت على موظفيها بمنع دخول أى شخص لا يرتدى الكمامة أو تحصيل الغرامة المقررة فى القانون من أى شخص ينزعها عن وجهه داخل المحطة أو العربات؛ ولا الركاب حريصون على الامتثال لنداءات الإذاعة الداخلية ولو من باب الحرص على صحتهم بل حياتهم.
الشيشة التى لم تغب يومًا عن بعض مقاهى الأحياء الشعبية وكافيهات الأحياء الراقية عادت للظهور دون حياء فى منطقة وسط البلد حيث أعيش أى تستطيع عزيزى القارئ أن تعتبر كاتب هذه السطور شاهد عيان.
لا أعتقد أن هناك متسع لمناقشة سبب هذه الحالة من عدم الاكتراث، والبحث عن تفسيراتها الاجتماعية والثقافية، المهم الآن أن ندرك الوقت قبل أن يدركنا فكل هؤلاء الذين يرتادون المواصلات العامة دون كمامة ويدخنون الشيشة سيكونون أو من يطلق الصيحات الغاضبة إذا اضطرت الحكومة للعودة إلى نهج الإغلاق وفرض حظر التجوال لفترات معينة كما حدث عند بداية ظهور وباء كورونا.
كل المطلوب تطبيق القانون، فلابأس أن يحرم أصحاب المقاهى من أرباح المعسل الآن، وأن يشكو مواطن "غلبان" غير ملتزم بالكمامة من دفع غرامة الـ 50 جنيه أو أكثر، فتلك ضريبة أقل بكثير من الذى سيدفعها هذا المواطن ومعه وطن كامل جراء عودة سياسية الإغلاق.
هناك من الإجراءات الأخرى التى تحقق فوائد اقتصادية هائلة وقد نحتاجها حتى دون أن نكون تحت وطأة سيف كورونا وتوابعها خفض أعداد الموظفين داخل الهيئات والمصالح الحكومية وحتى الشركات العامة والخاصة، ففى ظل التكنولوجيا الحديثة هناك العديد من الوظائف التى تتم عبر الانترنت ولا يتعامل فيها الموظف مع الجمهور وبقاء هذا الموظف فى المنزل على أن يقوم بنفس مهام وظيفته وفى ذات أوقات وساعات العمل المحددة يخفف من الازدحام فى الشوارع ناهيك عن المكاتب فى مقار العمل وهو أيضًا يقلل من استهلاك وقود السيارات ويوفر فى ميزانية الموظف كلفة الانتقال إلى عمله عبر المواصلات العامة.
وبإمكان الحكومة أو الشركة التى ستتخذ هذا الإجراء أن توقع جزاءات مضاعفة على الموظف الذى يهمل فى أداء عمله بينما هو فى منزله وأن تضع آليات رقابة أكثر صرامة بحيث تكون هناك ضمانة للانضباط والقيام بالمهام بالكفاءة المطلوبة وبالمواعيد المقررة.
بعيدًا عما طرحته من أفكار، نحن بالفعل بحاجة إلى نهج يمكننا من التعايش مع هذا الوباء اللعين حتى ننتصر عليه وإلا هزمنا بتدمير اقتصادنا وحصد المزيد من أرواحنا ناهيك عن تدمير حياتنا الاجتماعية والقضاء على سلامة الصحة النفسية لمن كتبت له النجاة من الإصابة.
آراء حرة
على هامش الـ «أوميكرون»!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق