قبل نحو شهرين، قال مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور "تيدروس أدهانوم جيبرييسوس" إن قارة أفريقيا حظيت بنسبة 2% فقط من جملة أكثر من 5.7 مليار جرعة لقاح تم إعطاؤها على مستوى العالم، في وقت تحث فيه المنظمة الدولية كل دولة على تطعيم ما لا يقل عن 40% من سكانها بحلول نهاية هذا العام، وأملها أن يتم تطعيم 70% من سكان العالم بحلول منتصف العام المقبل.
ومع تعرض الأنظمة الصحية للدول الأفريقية لضغوط هائلة بسبب الموجات الجديدة من جائحة كورونا (كوفيد-19)، أصبحت هناك حاجة مُلحة إلى تكثيف جهود التطعيم ضد الفيروس، وضمان الوصول المنصف إلى اللقاحات من أجل تعافي الاقتصاد وإنقاذ الأرواح في القارة السمراء.
ورغم أن الوضع خلال الأشهر الماضية كان قاتما بالنسبة لبعض الدول الأفريقية، حيث شهدت السنغال – على سبيل المثال ووفقا لبعض التقديرات- سبعة أضعاف عدد الجنازات المعتادة، فيما كان حفارو القبور في بلدان أفريقية أخرى يعملون ساعات إضافية أيضا.
وذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن الأوضاع تحسنت بعض الشيء مؤخرا ولكن ليس بالشكل المأمول، حيث تم تطعيم نحو 7% من الأفارقة فقط بشكل كامل ضد المرض. كما أنه في الأسابيع الأخيرة، زادت شحنات اللقاحات إلى أفريقيا بشكل كبير، حيث وصل حوالي 50 مليون جرعة في أكتوبر الماضي، أي ما يقرب من ضعف العدد الذي وصل في سبتمبر السابق عليه.
وفي حين أن دولة مثل أوغندا، التي أعطت 6 ملايين جرعة حتى الآن، من المتوقع أن تكون قد تلقت 21 مليون جرعة بنهاية هذا العام، وهو ما يكفي لتلقيح كل شخص بالغ تقريبا، إلا أن تحقيق تطلعات منظمة الصحة العالمية بتطعيم جميع البلدان 70% من إجمالي سكانها بحلول منتصف عام 2022، ربما لن يكون قابلا للتحقيق في الكثير من مناطق أفريقيا جنوب الصحراء.
وأرجعت المجلة البريطانية السبب في ذلك إلى أن قطاعات كبيرة من مواطني هذه الدول مترددين في الحصول على اللقاح أو يصعب الوصول إليهم. ورغم أن بناء مناعة القطيع ضد فيروس كورونا هو هدف يستحق العمل من أجله، إلا أن بعض الدول – مثل أوغندا- ترى عدم جدوى تطعيم الكثير من الشباب الأفارقة النحيفين، الذين لا يتعرضون لخطر الموت بسبب المرض، إلى جانب أن تطعيمهم يعني في الغالب تحويل الموارد عن الحملات الصحية الأكثر إلحاحا.
ويرى ألفريد دريوالي، الذي يدير برنامج اللقاحات في أوغندا، أن العاملين الصحيين في أفريقيا مثقلون بالفعل، ومن بين أولوياتهم تقديم التطعيمات التعويضية لأمراض مثل الحصبة والكزاز (التيتانوس)، حيث لم يحصل ملايين الأطفال على هذه التلقيحات بسبب عمليات الإغلاق المرتبطة بكورونا والتي حالت دون تمكنهم من السفر أو ربما خشية الإصابة بالفيروس في العيادات.
ويقول هانز لوكالي، مسؤول الصحة المحلي في منطقة موروت بأوغندا، (تقع على بعد 400 كيلومتر من العاصمة كمبالا)، إن حوالي 10% من الأطفال في العادة لا يعودون للحصول على باقي جرعات التطعيم، ومنذ تفشي الجائحة تضاعف هذا الرقم.
وأصبح هناك هاجس يلوح في الأفق حاليا، يتمثل في حدوث تنافس بين لقاحات (كوفيد-19) واللقاحات الخاصة بالأمراض الأخرى في قارة أفريقيا. ومما قد يزيد المشكلة تعقيدا هو طبيعة الحُقن المستخدمة للقاح كورونا والمصممة لمرة واحدة فقط، في حين أن التطعيمات غالبا ما يتم إعطاؤها من قبل عاملين غير مدربين جيدا والذين قد ينشرون العدوى عن غير قصد مثل فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق إعادة استخدام هذه الحُقن (الإبر).
وبالنظر إلى الأولويات لدى بعض مسؤولي الصحة الأفارقة، فقد وجدت دراسة في مالي، على سبيل المثال، أن حوالي 60% من الأشخاص أصيبوا بالفعل بكورونا بحلول شهر يناير الماضي، أصبح لديهم مستو معين من المناعة الطبيعية، وأن كورونا أصبحت بطبيعة الحال أقل فتكا. كما أنه عندما كان تفشي المرض في أسوأ حالاته في مالي، كان دخول المستشفيات بين المصابين بالفيروس نادرا، وذلك يعود إلى أن عددا أقل من الأشخاص في مالي يعانون من السمنة أو السكري، وهما حالتان تؤديان إلى تفاقم الإصابة بفيروس كورونا، فيما تشير بعض الدراسات إلى سبب آخر وهو أن مرض كوفيد أقل حدة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالملاريا في الماضي.
وسواء كان هدف الـ 70% مرغوبا أم لا، فإن العديد من الدول في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ستكافح من أجل الوصول إليه. ولكن تلوح مشكلة أخرى، حيث اعتبارا من أوائل نوفمبر الماضي، استخدم معظم هذه الدول أقل من نصف الجرعات التي تلقوها، نظرا إلى أن العديد من الجرعات التي تم التبرع بها من قبل الدول الغنية جاءت قبل وقت قصير من تاريخ انتهاء صلاحيتها.
ويقول الدكتور هانز لوكالي مسؤول الصحة المحلي في أوغندا: "إنهم يجلبون لقاحات ستنتهي صلاحيتها في غضون أسبوعين"، مشيرا إلى أنه لديه 2000 جرعة يجب استخدامها في الأسبوعين المقبلين، ما يتطلب حضور ما يقرب من 4% من البالغين في منطقته في وقت قصير.
وأوضح أن المشكلة هنا تتمثل في أن كل عبوة لقاح واردة تحتوي على 15 جرعة، وبمجرد فتحها يجب استخدامها في اليوم نفسه تجنبا لفسادها. لذا، في بعض الأماكن، يحث العاملون الصحيون الناس على جمع الأصدقاء والحضور كمجموعة.
ويضيف لوكالي أن الحل بالنسبة لهذه المشكلة هو توفير جرعات أحادية، مع التركيز على اللقاحات التي لا تتطلب جرعة ثانية مثل لقاح "جونسون آند جونسون" حيث إن الكثير من المواطنين يشتغلون في رعاية الماشية ويتنقلون بشكل دوري بحثا عن المراعي، ما يجعل مسألة حصولهم على الجرعة الثانية صعبا.
وربما تتمثل المشكلة الأصعب في إقناع الناس بالتطعيم، حيث تشير استطلاعات الرأي التي أجريت في 15 دولة أفريقية من جانب مؤسسة Afrobarometer، إلى أن 47% فقط ممن شملهم المسح يقولون إنه من المحتمل أن يتوجهوا للحصول على اللقاح، و39% يعتقدون أن التوجه بالصلاة "أكثر فاعلية" من اللقاح في الوقاية من (كوفيد -19)، فيما تنتشر شائعات على تطبيق واتسآب مفادها أن التطعيم يتسبب في العقم، وأن الدول الغربية ترسل هذه اللقاحات لقتل الأفارقة. وحتى في القرى التي لا يوجد بها إنترنت، يتم تناقل نفس الرسائل والشائعات عبر الراديو. ويمكن حل هذه المشكلة بتعزيز الوعي العام وإطلاق حملات توعية.
وتشير المجلة البريطانية إلى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في انخفاض ثقة البعض في حكومات بلدانهم، حيث قال أقل من نصف المشمولين في استطلاعات Afrobarometer إنهم يثقون في حكومتهم بشأن ضمان سلامة اللقاحات.
وبالرغم من أن الوضع حاليا في بعض الدول الأفريقية ربما تحسن بعض الشيء في توفير اللقاحات، إلا أنه يجب البحث عن أفضل السبل لدعم القارة وتلبية احتياجات مواطنيها؛ تجنبا لوضع كارثي حال ظهور موجة جديدة أكثر خطورة من الفيروس.