تداول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، منذ قليل، صورا صادمة لقلعة رشيد، التي أنشأها السلطان المملوكي الأشرف قايتباي في القرن الخامس عشر الميلادي، حيث تغمرها المياه الجوفية، مما يهدد سلامتها وأساساتها.
وقد حاولنا التواصل مع الدكتور أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية إلا أن تليفونه كان مغلقا.
ومن جانبه، قال الدكتور محمود درويش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا، ومدير منطقة آثار رشيد الأسبق، لقد قمت بترميم هذه القلعة في عهدي عام 1985، وإنني حزين لما وصلت إليه الأوضاع بالنسبة لآثار دمياط في العموم وبالنسبة لقلعة رشيد خصوصا، مؤكدا أن ما يحدث جريمة مكتملة الأركان، وتعد دليل قاطع على الإهمال الذي يضرب الكثير من الآثار على مستوى مصر، نظرا لانشغال المسئولين عن الآثار بأمور أخرى.
وأضاف درويش: هذه القلعة تمثل علامة بارزة في التاريخ والعمارة العسكرية المصرية عبر العصور واكتشف بها حجر رشيد، وتم الكشف عن أساساتها وترميمها في عام 1985، أثناء ترميمها، وقد وصلت الآن إلى حالة مزرية من الخراب تؤكدها هذه الصور التي تفضح الجريمة المكتملة الأركان التي يرتكبها المسئولون عن الآثار في حق هذه القلعة وآثار مدينة رشيد مع سبق الإصرار والترصد ،أما المثقفين المتمسكين بوهم قائمة التراث العالمي فلا عزاء لهم.
وطالب درويش بضرورة تنفيذ مشروع قومي لإحياء مدينة رشيد عمرانيا وأثريا نظرا لقيمتها التاريخية الكبيرة، مؤكدا أن المواقع الأثرية برشيد تحتاج لمشروع ضخم لترميمها وإعادة توظيفها حيث يعاني بعضها من حالة سيئة.
وأوضح أن مدينة رشيد تحتفظ حتى الآن بالعديد من آثارها التي يرجع تاريخها إلى الحضارة المصرية القديمة، وليس إلى العصر العثماني كما يعتقد البعض، ويبلغ عددها حاليا ٢٢ منزلاً وحماما وطاحونة، بالإضافة إلى ٢٢ مسجدا وزاوية وثلاثة أضرحة، لافتا إلى أن المنازل الباقية برشيد تعد أكبر مجموعة منازل أثرية بمدينة واحدة في مصر، وقد ضمت هذه المنازل مميزات فريدة إلا أنها تأثرت بالظروف الطبيعية التي منها الحرارة الشديدة في فصل الصيف وهطول الأمطار بكثرة في فصل الشتاء، وذلك لقرب المدينة من البحر.
وطالبت نخبة من خبراء الآثار باستكمال أعمال اللجنة العليا لتطوير مدينة رشيد الأثرية التي تشكلت تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية أثناء فعاليات المؤتمر الدوري الرابع للشباب بالإسكندرية في يونيو ٢٠١٧، وذلك في إطار اهتمامه الشديد بالحفاظ على التاريخ والحضارة المصرية وصيانة الآثار.
وأكد الخبراء، أن اللجنة توقفت أعمالها في عام ٢٠١٨، على الرغم من صدور قرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بتشكيلها في عام ٢٠١٧، برئاسة وزير الآثار، مستهدفا إحياء وتطوير المدينة أثريا لما تملكه من معايير دولية تؤهلها للتسجيل في قائمة التراث العالمي لليونسكو خاصة أنها في قائمتها التمهيدية منذ نحو عام 18 عاما، إلى جانب تحويلها إلى مدينة سياحية عالمية تأخذ مكانتها التي تستحقها على خريطة السياحة الإقليمية والدولية.
وكشفت المهندسة دليلة الكرداني، عضو اللجنة، الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، عن أن اللجنة لم تنعقد منذ سنوات، وأنها لم تتلق دعوة لحضور اجتماعات خاصة بهذا الملف طوال الفترة الأخيرة.
وبدوره، أكد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان أن رشيد من المواقع التي تمتلك معايير دولية للتسجيل كتراث عالمي بمنظمة اليونسكو، لأنها مدينة أثرية متكاملة ذات طراز معماري متميز، تتنوع ما بين آثار دينية ومدنية وحربية ومنشآت خدمية، كما أنها تعد متحفا مفتوحا لمجموعة منازل مبنية بالطوب الأحمر وواجهات بالطوب المنجور الأسود والأحمر بطراز معماري وزخرفي فريد ومتميز.
وأضاف أنها تحتل المرتبة الثانية بعد محافظة القاهرة في الاحتفاظ بالآثار القائمة التي ترجع إلى العصر المملوكي والعثماني، وأيضا ثاني أكبر مجمع للآثار الإسلامية في مصر، حيث أنها من المدن القليلة التي لا تزال تحافظ على طابعها الإسلامي، والتراثي الفريد ويوجد بها حوالي 39 أثرا إسلاميا، يجعلها متحفا كبيرا مفتوحا للعمارة الإسلامية، فضلا عن تاريخها الوطني وتراثها المعماري الفريد المتميزان.
وتابع أن من أهم آثار رشيد قلعة قايتباي الذي عثر بها على حجر رشيد الشهير، ومساجد كان لها دور تاريخي في المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر مثل مسجد زغلول الذي أنشئ عام 985هـ، وطواحين غلال مثل طاحونة أبو شاهين، لافتا أن المدينة كانت مركزا مهما للتجارة الدولية والبحرية مع اسطنبول في العصر العثماني وأقرب الثغور المصرية إلى عاصمة الدولة العثمانية وشهدت امتزاجًا بين الفنون العثمانية والمصرية والمغربية.
وكان وزير الآثار قد قام في أغسطس ٢٠١٧ بتشكيل لجنة للإشراف والتنسيق والمتابعة لمشروعات التطوير المزمع تنفيذها برشيد، تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بتطوير مدينة رشيد الأثرية، وتحويلها إلى مدينة سياحية عالمية تأخذ مكانتها التي تستحقها على خريطة السياحة الإقليمية والدولية بناء على أهميتها التاريخية.
واتبع هذا القرار في الشهر التالي قرارا من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة العليا لتطوير رشيد برئاسة وزير الآثار وعضوية محافظ البحيرة ورئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وممثلي وزارات السياحة، والأوقاف، والإسكان، والبيئة، والثقافة، والتخطيط، والتنمية المحلية، وهيئة الرقابة الإدارية، والاستعانة بمن تراه من الخبراء والمتخصصين.
وعقدت تلك اللجنة الوزارية العليا برئاسة وزير الآثار اجتماعين فقط عقب قرار رئيس مجلس الوزراء، الأول كان في أكتوبر ٢٠١٧، والثاني في نوفمبر من نفس العام ، وتم خلالهما عرض رؤية وزارة الآثار من الجانب الهندسي لتطوير رشيد والقيمة التقديرية المبدئية للمشروعات وتصور لمسارات الزيارة السياحية وتقسيم المدينة إلى قطاعات إلى جانب عرض جميع وجهات النظر من الوزارات والجهات الأخرى، ومنها وزارة الأوقاف ومحافظة البحيرة وجهاز التنسيق الحضاري.
وفي أغسطس ٢٠١٨، أعلنت وزارة الآثار الانتهاء من وضع حرم لعدد 20 أثرا، من إجمالي 39 أثرا ، بالإضافة إلى تكليف أحد المصورين المتخصصين للتوثيق الفوتوغرافي للحالة الراهنة لكافة آثار المدينة التاريخية، وذلك في إطار إعداد ملف خاص عن مدينة رشيد التاريخية لتقديمه إلى منظمة اليونسكو من أجل وضعها على قائمة التراث العالمي حيث إنها على القائمة التمهيدية للمنظمة منذ عام ٢٠٠٣م.
وأصدرت اللجنة عدة توصيات يمكن أن تتعاون الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة في تنفيذها ومنها إنشاء هيئه إقليمية للتنشيط السياحي بمدينة رشيد، وضع رشيد ضمن البرامج السياحية الخاصة بالقاهرة والإسكندرية (السياحة الخارجية والداخلية)، وتجديد المرافق السياحية والعمل على تنميتها ووضع سيناريو سياحي، وبالتزامن حصر المباني التراثية بالمدينة، ووضع رؤية شاملة ومتكاملة بالتنسيق مع وزارة الآثار بما يتلائم مع وظيفتها في إعداد قوائم للمباني المستهدفة.
كما وجهت بتطوير كورنيش النيل من جنوب منطقة ابو مندور وحتى قلعة قايتباى شمالا (عزبة البرج)، نزع ملكية عدد ست منازل أمام منزل الأماصيلى (المشروع منذ عام 2011 وتوقف)، توفير أسواق بديلة للباعة المتواجدين بشارع دهليز الملك، إلى جانب سرعة الانتهاء وتفعيل مشرعات المرافق (شبكة الصرف الصحي، وشبكة التغذية، وشبكة الكهرباء الهوائية، والتليفونات، والغاز الطبيعي).
وطالبت اللجنة العليا بموافاة وزارة الآثار بنسخة من مشروع تطوير المدينة والمعد من قبل محافظة البحيرة، ووقف تراخيص الهدم والبناء والرجوع إلى وزارة الآثار في ذلك الأمر وإعادة النظر في التراخيص، وتفعيل ضوابط التراخيص التي تم دراستها من وزارة الآثار، كما أوصت بتوسيع الطريق القديم (مدخل رشيد القديم)، وسرعة الانتهاء من الطرق الداخلية بالمدينة والتي تخدم مسارات الزيارة، ومراجعة الأحيزة العمرانية والكردون الخاص بمدينة رشيد.