واصلت جماعة بوكو حرام الإرهابية هجماتها خلال شهر نوفمبر الماضي بصورة متزايدة، في محاولة منها لإثبات وجودها وتأثيرها ولإعادة ترتيب صفوفها بشن هجمات نوعية مختارة بدقة لتأدية دورها، وذلك بعدما توقع عدد من الباحثين والمراقبين ضعف الحركة وتخلخل وجودها عقب مقتل زعيمها أبو بكر شيكاو في مايو الماضي على إثر خلاف مع "ولاية غرب أفريقيا" المنشقة عن الجماعة.
وشهد شهر نوفمبر تحديدا هجمات لجماعة بوكو حرام عملت على توسيع نفوذها، واستعادة أخطر عناصرها المعتقلين، واختطاف الفتيات لتزويجهن من عناصرها المقاتلين، والوقوف أمام عمليات الجيش النيجيري ومواجهة عملياته العسكرية التي تستهدفهم بشكل دائم، إلى جانب العملية العسكرية «بوني ما» والتي أطلقتها القوة الرباعية الأفريقية والتي تضم قوات من «نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون» بهدف القضاء على الوجود الإرهابي.
فى منتصف نوفمبر، سيطرت الجماعة، وفق تصريحات مسئولين من نيجيريا، على ٦ مجتمعات جديدة فى منطقة شيرورو ومنطقة رافى بولاية النيجر، ما ساعدهم على توسيع نفوذهم، بالإضافة لضم عدد كبير من سكان تلك المناطق إلى عناصرها المسلحة، كما انضمت عصابات إجرامية محلية للجماعة بسهولة.
وتعد تحركات الجماعة فى ولاية النيجر، وسط وغرب نيجيريا، تطورا ملفتًا ومُقلقا للمراقبين خاصة أن بوكو حرام ركزت عملياتها منذ سنوات فى شمال شرق نيجيريا، وهو انتشار يخل بأمن البلاد.
وبعد ٦ أيام، نفذ مقاتلو الجماعة هجومًا على مناطق حدودية مع تشاد، وتحديدا على قرية بولكا وقرية دومبا لخطف فتيات بهدف تزويجهن من المقاتلين، حيث تتراوح أعمارهن ما بين ١٦ إلى ١٧ عاما.
وفى نهاية الشهر، الثلاثاء الماضي، استطاعت الجماعة شن هجومًا كبيرا على سجن يضم عددا من عناصرها، ما أسفر عن مقتل ١١ شخصًا وتهريب ٢٦٢ مسجونًا، من أحد سجون ولاية بلاتو، بينما لم تتمكن السلطات النيجيرية إلا من اعتقال ١٠ من الهاربين.
مواجهة أمنية
ويقود الجيش النيجيرى المواجهة الأمنية ضد مقاتلى الجماعة، ففى الحادى عشر من الشهر ذاته أطلق الجيش عملية عسكرية استمرت حتى الخامس والعشرين من نوفمبر، تم فيها القضاء على ٩٠ مسلحًا من تنظيم «ولاية غرب أفريقيا» فرع بوكو حرام المنتمى لتنظيم داعش الإرهابي، إلى جانب اعتقال ٢٠ عنصرا والإفراج عن ٧ رهائن اختطفهم التنظيم، كما ألقى قرابة الألف شخص أسلحتهم وسلموا أنفسهم للسلطات.
بينما شنت القوة الأفريقية الرباعية عملية عسكرية للقضاء على الإرهاب، ولمنع تسلل عناصر بوكو حرام إلى مناطق مجاورة، وأسفرت العملية عن قتل ١٣ عنصرا خلال عملية تمشيط فى محيط مدينة ديفا الكبيرة فى جنوب شرق النيجر قرب الحدود مع نيجيريا.
وتؤكد الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة فى الشئون الأفريقية، والمنسق العام لمركز «فاروس» للدراسات الاستراتيجية، أن زيادة الهجمات الإرهابية فى القارة الأفريقية ترتبط بضعف الدول التى تعانى من تنظيمات متطرفة على أراضيها، إلى جانب هزيمة داعش فى معاقله بسوريا والعراق ما جعله يعزز من تواجده فى أفريقيا.
وشرحت «نرمين» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة» أن سبب انتشار الجماعات المسلحة فى أفريقيا يعود إلى عاملين مهمين: الأول الطبيعة الجغرافية المتمثلة فى الصحارى والجبال وهى جغرافيا مفضلة لدى داعش والقاعدة والتنظيمات المتطرفة مثل بوكو حرام التى كانت من أوائل التنظيمات التى أعلنت ولائها لداعش، أما العامل الثانى فيتمثل فى هشاشة الأنظمة الحاكمة فى كثير من الدول الأفريقية وضعفها، إلى جانب عدم امتلاكها لجيوش قوية قادرة على المواجهة الأمنية، بل إن الدول التى تمتلك جيوشًا قوية فى أفريقيا تكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة.
ولفتت الباحثة فى الشئون الأفريقية، إلى الخلخلة والفراغ الذى يحدث بسبب انسحاب أو التهديد بالانسحاب لبعض القوى الأجنبية من قواعدها ومراكزها فى القارة، كما تفعل فرنسا فى مالى التى كان تواجدها محكومًا بمواجهة النفوذ الروسى لدى حكومة مالي.
ضعف دور داعش
وقالت «نرمين»: إن ضعف دور داعش فى العراق وسوريا ساعد على تعاظم دورهم فى عدد من دول أفريقيا منها: وسط أفريقيا ودول غرب أفريقيا، فبعض الدول عملت على نقل عناصر داعش إلى ليبيا ومن هناك بات من السهل الهروب إلى العديد من المناطق الأفريقية، وقد لاحظ مراقبون زيادة الدور لهذه المجموعات الإرهابية فى آخر سنتين مع زيادة الهجمات والعمليات الإرهابية فى نيجريا وبروكينا فاسو وغيرهما.
وأشارت إلى أن بعض التنظيمات تحاول استغلال بعض ميزات التكتلات الأفريقية مثل حرية التنقل بين مجموعة دول فيسهل معها تنقل عناصر التنظيم مستغلة هذه الميزة.
وتحدثت الباحثة عن عدد من الجماعات المنتشرة فى القارة الأفريقية موضحة الانتماء التنظيمى لديها، فذكرت منها: الجبهة الديمقراطية فى أفريقيا الوسطى، حركة شباب المجاهدين فى الصومال، ووصفتها بأنها «أخطر حركة موجودة فى منطقة شرق أفريقيا، حيث شنت هجمات فى الصومال أو فى دول مجاورة لها، فقد ضربت كينا وأوغندا فى عام ٢٠١٠، وهى حركة تابعة للقاعدة، أعلنت ولائها فى ٢٠١٢ ومنها من أعلن ولاءه لداعش ما جعل بداخلها صراعات وانشقاق، وتظل فرص تمدد الجناح التابع لداعش قائمة وموجودة، كما تحدثت عن جماعة بوكو حرام والتى أعلنت ولاءها منذ وقت مبكر لتنظيم داعش بعد إعلانه قيام الدولة الإسلامية من الموصل.
وعلى جانب المواجهة الفكرية وبمساهمة مصرية، أوفد الأزهر الشريف بعثة إلى نيجيريا، مطلع الشهر، وعلى رأسها الدكتور نظير عياد الأمين العام لمجلس البحوث الإسلامية، حيث بحث الوفد فكرة إنشاء مركز لمكافحة الفكر المتطرف، وبحث أوجه التعاون فى مجالات الإفتاء وتدريب الأئمة والوعاظ، إلى جانب دعم التعاون العلمى وتطوير المناهج.
وزار الوفد عددا من المدن، والتقى بمديرى المعاهد الأزهرية لعقد جلسة نقاشية حول سبل مكافحة الفكر المتطرف، وذلك بالسفارة المصرية، كما زار الوفد المركز الثقافى المصري.
تحذيرات من الفوضى
وبدوره، لم يغفل مرصد الأزهر الهجمات الأخيرة، وفى تعليقه على حادث الهجوم على سجن بنيجيريا، يرى المرصد أن عملية اقتحام السجون وتهريب السجناء فى المناطق التى تشهد صراعات فى نيجيريا ليست الأولى من نوعها، ما يشير إلى أن تلك العمليات أصبحت وسيلة لدى بوكو حرام من أجل إعادة تنظيم صفوفها وعدم التخلى عن عناصرها، وإثبات تفوقها على القوات الحكومية، فضلًا عن استقطاب المزيد من العناصر.
كما يشير المرصد إلى أن عمليات تهريب السجناء يترتب عليها حدوث فوضى عارمة فى البلاد ومزيد من أعمال القتل والتدمير لا سيما فى الوقت الذى تسعى فيه الحكومات إلى تأهيل السجناء ليكونوا نواةً صالحة فى المجتمع، ويدعو المرصد إلى توخى الحذر من استمرار تلك العمليات الإرهابية مع أخذ جميع التدابير التى من شأنها الحد من أنشطة تلك الجماعات.
كما شدد المرصد على ضرورة وقف عمليات الخطف التى تقوم بها الجماعات والتصدى لها، حيث أبدى المرصد استياءه الشديد من هذه الانتهاكات الصارخة التى تنتهجها الجماعات المسلحة، وعلى رأسها جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، ضد المواطنين الأبرياء وضد الفتيات النيجيريات وحرمانهم أبسط حقوقهم بالعيش فى حياة آمنة يسودها السلام والأمان.