يعد قطاع التشييد والبناء العقاري من القطاعات الرئيسية المؤثرة في الاقتصاد المصري، نظرا لاعتماده على قطاعات أخرى للحصول على مدخلاته، فضلا عن أهميته بالنسبة لقطاعات الأنشطة المالية والتأمين، وقطاع التعدين والمحاجر، وقطاع الصناعة التحويلية، وأنشطة تجارة الجملة والتجزئة.
ونتيجة للمشروعات القومية التي تنفذها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، زادت مساهمة قطاع التشييد والبناء في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من ٦.٣٪ عام ٢٠١٨-٢٠١٩ إلى ٧.٥٪ عام ٢٠٢٠-٢٠٢١، ومن المتوقع أن ترتفع هذه المساهمة في النمو الاقتصادي لنحو ١٢.٢٪ عام ٢٠٢١-٢٠٢٢، ومن المستهدف أيضا زيادة ناتج هذا القطاع بنحو ٨٪ ليحقق ناتجا قدره ٢٨٠.٤ مليار جنيه بالأسعار الثابتة مقارنة بنحو ٢٥٩.٤ مليار جنيه خلال العام السابق.
بداية يقول الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية: «يعد قطاع التشييد من القطاعات المستوعبة للعمالة بمختلف فئاتها، نظرًا لتعدد وتنوع الأنشطة التي يقوم بها، فوفقًا للتوزيع النسبي للمشتغلين على مستوى الأنشطة الاقتصادية، استحوذت قطاعات التشييد والبناء على ١٣.٦٪ من إجمالي المشتغلين، مما يؤهله لأن يكون وبحق من محركات النمو والتنمية الاقتصادية».
وشهد هذا القطاع طفرة كبيرة وتزايدًا في نشاطه، خاصة في ظل الحزم التحفيزية التي أطلقتها الحكومة، ومع تداعيات جائحة «كوفيد-١٩» وتأثيراتها السلبية على كل القطاعات الاقتصادية سـواء على المستوى المحلى أو المستوى العالمى، فقد تأثر قطاع التشييد والبناء والاستثمار العقاري مع تعطـل سلاسـل التوريـد وزيـادة التكـاليف الماليـة، مما أسفر عن توقـف العديد من المشروعات القائمة والتخلي عن مشروعات مخططة، ومع التعافي التدريجي وتحسن أداء معظم القطاعات نجح قطاع التشييد والبناء، في تحقيق معدل للنمو يفوق متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي ٢٠٢٠-٢٠٢١، خاصة في ظل الحراك الذي يشهده هذا القطاع نتيجة اشتراك العديد من الشركات في تنفيذ مبادرة حياة كريمة التي تتبناها الدولة لتحسين مستوى المعيشة في القرى بالإضافة إلى المشروعات القومية الخاصة بالطرق والكباري.
وكشف «السيد»، عن العديد من التحديات التي يواجهها قطاع التشييد والاستثمار العقاري في المرحلة الراهنة، منها الموجة التضخمية العالمية؛ حيث انعكست أزمات سلاسل التوريد العالمية على الارتفاع المتواصل في أسعار الخامات ونقص الإمدادات، مما انصب بدوره على التضخم الجاري في أسعار مواد البناء كالحديد والأسمنت، وكذلك عناصر تكلفة التشطيبات كالنحاس «الكابلات» والألمونيوم والمواسير البلاستيك وغيرها.
وزاد تباين مسارات التعافي بين الدول من صعوبة اتخاذ القرارات والحسابات في ظل عدم وضوح الرؤية حول موعد انتهائها.
ومن التحديات أيضا، السياسات الحكومية المحلية؛ وضوابط تنظيم العلاقة بين الشركات والعملاء ومنها؛ اتجاه الحكومة المصرية لوقف البيع في مشروعات المطورين إلا بعد الانتهاء من بناء ٣٠٪ منها، وتحديد نسب التنفيذ وكيفية وتوقيت الإعلان عن المشروع ووجود حساب بنكي لكل مشروع يشمل الإيراد والمصروف، إضافة إلى طرح وزارة الإسكان وحدات سكنية لمحدودى ومتوسطى الدخل بشروط دفع ميسرة وخضوعها لمبادرة التمويل العقاري ٣٪ الأمر الذي أدى إلى تراجع الطلب على القطاع الخاص، بالإضافة إلى محدودية استفادة القطاع الخاص من مبادرة التمويل العقاري في إنعاش الطلب نظرا لصعوبة انطباق الشروط التي تتضمنها المبادرة ومنها على سبيل المثال أن المبادرة تغطي الوحدات كاملة التشطيب فقط وأغلب وحدات القطاع الخاص تحت الإنشاء ودون تشطيب.
وأضاف «السيد» لـ«البوابة نيوز»: «ومن التحديات أيضا (الفقاعة العقارية) وهي زيادة في أسعار العقارات إلى مستويات عالية غير مبررة، يعقبها انخفاض واضح وكبير في الأسعار، فعندما ترتفع أسعار العقارات ارتفاعًا متزايدًا لزيادة الطلب، تبدأ المضاربات ويزداد الطلب وعند مرحلة ما يقل الطلب أو يثبت في حين ما زال العرض في زيادة مستمرة، مما يتسبب في الانخفاض المفاجئ والحاد في الأسعار، وانفجار الفقاعة العقارية، مما يؤدي إلى سلسلة من التداعيات خاصة مع استخدام العقار كنوع من أنواع الضمانات لكثير من القروض الممنوحة بأشكالها المختلفة، سواء بشكل مباشر للأفراد أو بشكل غير مباشر، عن طريق التوريق وإصدار سندات مضمونة بالأوراق المالية وتحديدًا الشيكات الخاصة بتلك العقارات».
وقال: «هناك العديد من التقارير التي تشير إلى وجود مؤشرات مقلقة لحدوث فقاعة عقارية عالمية خاصة في أعقاب سياسات التحفيز المالي التي اتبعتها الدول لمواجهة جائحة كورونا، ففي تقرير وكالة (بلومبرج إيكونومكس)، عن أن أسعار العقارات المضطربة حول العالم تشير إلى فقاعة عقارية قادمة لم نشهدها منذ الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨، وكشفت التحليلات أنه بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن معدلات السعر تعتبر مرتفعة عما كانت مقارنة مع ما قبل الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٨، نظرا لمعدلات الفائدة القياسية المتدنية، وسياسات التحفيز المالي غير المسبوقة».
وفي تقرير شركة الاستشارات والاستثمارات العقارية «جيه إل إيكونوميك» حول أداء سوق العقارات العالمي، كشف تراجع حجم المعاملات العقارية العالمية بمعدل ١٣٪ خلال الربع الأول من عام ٢٠٢١ مقارنةً بالعام الماضي.
واستبعد فى الأجلين القصير والمتوسط تعرض الاقتصاد المصري لفقاعة عقارية لعدة مؤشرات منها، أنه وفقا للتجارب الدولية عادة ما تحدث الفقاعة العقارية في الدول التي يمثل أساس الاستثماري العقاري لديها هو البنوك والقروض، ورغم مما يشهده السوق العقاري المصري من مبادرات التمويل العقاري فإنها لازالت تمثل نسبة محدودة من تمويل العقارات، كما أن التمويل العقاري في مصر هو تمويل فردي وذاتي يقوم به الأفراد والشركات وليس البنوك، كما أن التناسب بين حجم الاستثمار العقاري وزيادة الطلب خاصة في المدن الجديدة، فوفقا للإحصائيات تحتاج مصر سنويًا لقرابة الـ٥٠٠ ألف وحدة سنوية للزيجات الجديدة فقط، كما أن هناك نموًا متزايدًا في الطلب نتيجة الزيادة السكانية بنحو ٢.٥٪ سنويا.
من جانبه كشف محمد قاعود عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لشباب الأعمال، عن أزمة اخري جديدة ستؤثر بشكل كبير على قطاع العقارات المصري وهي «تأثير العقارات على التغير المناخى» مؤكدًا أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، صرخة حاشدة لقطاع العقارات، ويمثل تحديا كبيرا يتطلب الاعتراف بالتزام العالم للحد من تأثيره على العالم الطبيعي، مشيرًا إلى أن قطاع العقارات مسئول عن ٣٨٪ من انبعاثات الكربون العالمية ويستهلك ما يقرب من ٤٠٪ من الطاقة العالمية، «وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة البيئي».
وأكد «قاعود»، أن قطاع العقارات يعد اللاعب الرئيسى في إستراتيجية تغيير المناخ عالميًا، فيما يتمتع الملاك والمطورين بفرصة كبيرة لإجراء تغييرات إيجابية جوهرية وطويلة الأجل من شأنها أن تفيد الأجيال الحالية والمستقبلية من مستخدمي المباني، مضيفًا أن التمويل سيضغط على العقارات للوصول إلى صافي الصفر من الإنبعاثات، فيما ستجبر اللوائح الجديدة الشركات المتداولة علنًا على التحول إلى البيئة الخضراء، في الوقت الذي يقدر الإنفاق للحوكمة البيئية بنحو ٨ تريليونات دولار من الإنفاق اللازم لتحويل المباني نحو الاستدامة الخضراء.
واوضح أن عناصر مواد البناء الرئيسية كـ«الخرسانة والصلب»، مصدر قلق للعقارات لأن كلا المادتين ملوثتين للغاية للإنتاج وهناك ضرورة ملحة لإيجاد طرق أفضل لتوليد هذه الموارد المهمة لتقليل العبء الذي تضعه على عالمنا، مضيفا: «في حالة الخرسانة، يمكننا استخدام بديل جديد للخرسانة منخفض الكربون لتحل محل الخرسانة التقليدية (التي تمثل ما يصل إلى ٨٪ من انبعاثات الكربون في العالم)، حيث يتم حاليًا تصنيع الخرسانة الجيوبوليمرية (منخفضة الكربون) من النفايات الناتجة عن التعدين والمحاجر والتعدين وتنقية المياه والحرق والصناعات الزراعية، ويتم إعادة تدويرها بنسبة ٩٦٪».
ونوه بأن الخرسانة المصنوعة من النفايات المعاد تدويرها هي حل ذكي لمشكلة الخرسانة الصعبة كما هي موجودة حاليًا، بالإضافة إلى أن تصنيع الصلب يمثل ٧٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وهو أمر مهم بالنظر إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف الطلب العالمي على الصلب ثلاثة أضعاف بحلول عام ٢٠٥٠، وفقًا لبعض التوقعات، مما يستلزم بديلًا مستدامًا، قائلًا إن التحدي الحقيقي هو التحول نحو «الحديد الأخضر»، والذي يستلزم دعم الحكومات نظرًا لأرتفاع سعره وتكلفته وصعوبة إنتاجة بصورة كبيرة.