يظهر عميق الاحترام للمرأة ودورها فى التنمية.. ويؤكد دائما أن الإماراتيات شريكات فى بناء الوطن
كان أول الفاطنين لأطماع «الإخوان» وقال: أطماع هذا التنظيم الإرهابى لن تتوقف لحظة تجاه مصر تحديدًا
أدرك المؤامرات والمخططات الهادفة لتقسيم المنطقة..مساعداته لشعوب الدول العربية نابعة من عمق الشخصية المصقلة بالعلوم العسكرية والاستراتيجية
يتبنى رؤية ثلاثية تعتمد على محاور عدة من الماضى الملهم والحاضر القوى والمستقبل الواعد
يقولون «عصر الزعامات انتهى»، أقف كثيرًا عند هذه المقولة، لتثبت لى الأيام، عدم صدقها، فمع ظلمة الأحداث أحيانًا، يأبى الزمان إلا أن يشع بنوره بين الحين والآخر، لنجد شخصيات تبدد مخاوفنا، وتبعث فينا ـ نحن العرب ـ الأمل من جديد، تلك الزعامات لا تتكرر كثيرًا، ربما يجود بها الزمان كل ربع أو نصف قرن.
واحد من هذه الشخصيات المهمة فى وطننا، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبو ظبى، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ابن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «الأب المؤسس» وأول رئيس لدولة الإمارات، وشقيق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.
والشيخ محمد ليس فقط قائدًا إماراتيًا يعمل ليل نهار فى محاولة لأن تتبوأ بلاده مكانة مميزة وبارزة على ساحة العالم المتقدم، ولكنه أثبت وما زال يثبت كل يوم اهتمامه الكبير والعميق بقضايا المنطقة والعالم، لمست ذلك بنفسى فى العديد من اللقاءات التى جمعتنى به على مدى السنوات الماضية.
فما زلت أذكر كلماته فى أول لقاء جمعنى به وجها لوجه فى عام 2007، كانت المرة الأولى التي يقام فيها مؤتمر لقادة أجهزة مكافحة الإرهاب، خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت مدينة أبوظبى هى الوجهة المختارة.
استقبلنا صاحب سمو الشيخ كعادته فى الترحيب بضيوفه، وفى الجولة التي أخذنا فيها لمشاهدة عرض للقوات الخاصة الإماراتية، بادرنى سموه بسؤال أدركت بعده أنه دعابة، قال لي: «ألن تكف عن دعمك لتنظيم الإخوان طوال الوقت؟» والحقيقة أننى ذُهلت للحظة وتشتت انتباهي، قلت فى نفسي ربما اختلط على سمو الشيخ الاسم، وظللت صامتا لبرهة.. حتى بادرنى وهو يضحك: «انت صدقت أنا أعرفك جيدًا لكننى أمزح معك»، منذ ذلك الحين استطاع الشيخ محمد، بهذه الكلمات البسيطة، أن يذيب المسافات فيما بيننا، اكتشفت بعدها أنها قدرة خاصة لديه يدخل بها القلوب من أوسع أبوابها.
فى المساء دعانى للقائه على العشاء، وتطرق الحديث إلى مصر وأطماع تنظيم «الإخوان» فى حكمها، وإذا بي أسمع منه تلك الجملة التى ما زالت ترن فى أذنى منذ ذلك الحين: «أطماع هذا التنظيم الإرهابى لن تتوقف لحظة تجاه مصر تحديدا، سيحاولون المرة تلو الأخرى، لكننى اعلم ان المصريين لن يسمحوا لهم بذلك ونحن معكم نقف لهم بالمرصاد، وسنبذل قصارى جهدنا لمنعهم، لأن مصر فى عقيدتنا هى عمود الخيمة بالنسبة للأمة العربية إذا سقطت، سقطت المنطقة بالكامل».
هكذا كان ولا يزال يرى سمو الشيخ محمد بن زايد، مصر.. لن أتحدث بالطبع عن حبه للمصريين فمَن ذهب إلى الإمارات يدرك حب هذا الشعب الفياض للشعب المصري وتقديره لهم باعتبارهم الأساتذة والمدرسين والمهندسين والأطباء الذين ساهموا فى نهضة منطقة الخليج بالكامل.. ليس هذا فقط، ولكنهم الشعب الذى يشبه الدماء التى تسري في شرايين الأمة العربية، فإذا توقف سريان هذه الدماء ماتت الأمة.
أذكر عقب انتصار الشعب المصرى العظيم فى 30 يونيو وظهور المساندة الإماراتية الكبيرة والواسعة لثورة المصريين، شكلنا وفدا شعبيا ضم نخبة من الوطنيين المصريين لمقابلة سمو الشيخ محمد، وتقديم الشكر له على ما قام به شخصيا، وهو ما لم يُكتب بعد، وما قامت به الإمارات لصالح مصر والمصريين فى نضالهم المشروع للتخلص من حكم تلك الجماعة الإرهابية.. ذهبنا نشكره، فوجدناه هو الذي يشكرنا فردا فردا لما قام به كل واحد فينا دفاعا عن الأمة العربية.. هكذا قال لنا: أنتم لم تدافعوا عن بلادكم فقط أنتم دافعتم عن الأمة جمعاء، وردد نفس الجملة التى سبق أن رددها على مسامعى مرارا.. إن مصر "عمود الخيمة" إذا سقطت، لا قدر الله، سقط الوطن العربى كله.
لن أستطيع، بالطبع، في هذه المساحة الوجيزة التى احاول فيها الاحتفاء، على طريقتى الخاصة، بالعيد الخمسين لتأسيس دولة الإمارات، أن أعدد ما فعله سمو الشيخ محمد بن زايد لمصر والمصريين، كما للإنسانية جمعاء، وعلاقة الصداقة المتينة التى تربطه بالرئيس عبدالفتاح السيسي، وحديثه العذب عنه كقائد فذ وزعيم تاريخى جاء فى الوقت المناسب لينقذ مصر من براثن المجهول.
عدو «الإخوان»
عُرف الشيخ محمد بعدائه الشديد لتنظيم الإخوان الإرهابى فبعد أحداث ما سمي بـ«الربيع العربي» وصعود جماعات الإسلام السياسى، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، للحكم فى مصر وتونس وليبيا.. إلخ، وفى أوج قوتهم وبينما تخاذلت بعض النظم والشخصيات وتواءموا معهم، وقفت دولة الإمارات وسمو الشيخ محمد بن زايد موقفًا مشرفًا تجاه تلك الجماعات من خلال إدراكهم لنواياهم ومخططاتهم الخبيثة، كونهم أدوات الاستعمار الجديدة، وجزءًا من مخطط هدم النظم العربية للاستيلاء على ثرواتها، وهدم جيوشها، التى تمثل صمام الأمان للمنطقة.
فلقد كان الشيخ محمد شديد الرفض للتعامل مع مكتب الإرشاد وممثلهم خيرت الشاطر وأعضاء مكتب الإرشاد، إدراكًا منه بأن مصر التى يعرفها ويعشقها تم اختطافها بأيدى هؤلاء. وشهدت العلاقات بين الإمارات ومصر فتورًا شديدًا، فى تلك الفترة، حتى تخلصت مصر من أزمتها واستعادت روحها المفقودة.
إن إدراك سمو الشيخ محمد بن زايد لتلك المؤامرة، والوقوف بشدة أمام المخططات الهادفة لتقسيم المنطقة، ومساعدة شعوب الدول العربية، نابع بالأساس من عمق الشخصية التى أصقلت بالعلوم العسكرية والاستراتيجية، فقد تخرَّج صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد فى أكاديمية ساند هيرست الملكية العسكرية عام ١٩٧٩.
عاشق مصر الأول
غريبة هى العلاقة الروحية، والامتزاج بين مكونات الشخصية المصرية والإماراتية، علاقة حب وود قلما نجدها بين شعوب العالم والمنطقة.
فإستراتيجية الإمارات تجاه مصر تنعكس في كلمات سمو الشيخ محمد بن زايد التي تعبر عن نفسها في أكثر من مناسبة: «العلاقات مع مصر تاريخية واستراتيجية وتحظى بدعم ومتابعة من قبل رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وفق النهج الذي أسسه الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في الوقوف بجانب الأشقاء فى مصر في مختلف الأوقات وجميع الظروف».
إن رؤية القيادة في دولة الإمارات نحو مصر الشقيقة تتركز في الوقوف خلف الشعب المصري لتحقيق طموحاته وتطلعاته الوطنية ومواصلة بناء مستقبل وطنه وتحقيق الاستقرار والتنمية في كل ربوع أرض الكنانة.
إن دولة الإمارات ماضية في دعم مصر خلال المرحلة المقبلة، لترسيخ ركائز الاستقرار وتعزيز مقومات النمو والتطور لمواجهة مختلف التحديات، بما يكفل تحقيق الطموحات والتطلعات التي يصبو إليها الشعب المصرى».
مهندس التنمية الشاملة
أدرك سمو الشيخ محمد مبكرًا أولويات بلاده التي تتركز على التعليم والصحة والابتكار والتنوع الاقتصادى والأمن. معتمدًا على التنمية البشرية والاستثمار فى المواطن الإماراتى باعتباره الثروة الحقيقية للوطن، متجنبًا كل معايير الفساد والمحسوبية، معتمدًا على الكفاءة والقدرة كمعيار وحيد للتقييم، استنادًا لرؤية وطنية تعلى من الصالح العام وتقدم مصالح الوطن، انعكس ذلك بالطبع في سلوك المواطنين، عندما أدركوا عظم قدر ورقى من يقوم على أمرهم، فبعض أبناء وبنات الإمارات ممن رفضوا الاستفادة من القانون الذي يعفيهم من الخدمة الوطنية، بحكم أن كلًا منهم هو الابن الوحيد لعائلته، بادروا بالتقدم للخدمة الوطنية، وهو ما يؤكد وفاء أبناء الوطن، وعدم تأثرهم سلبًا بحياة الرفاهية، فقد كان دافعًا للتقدم وخدمة الوطن.
ويرى الشيخ محمد بن زايد أن الركيزة الأساسية للإمارات هى الوحدة، التى هى مصدر بقاء الوطن وقوته، وأساس تماسك المجتمع الإماراتى وثروته الحقيقية.
ماضٍ ملهم.. حاضر قوى.. ومستقبل واعد
يتبنى سمو الشيخ محمد رؤية ثلاثية تعتمد على محاور عدة من الماضى الملهم، والحاضر القوى، والمستقبل الواعد. فهو يعمد إلى ربط الماضى مع الحاضر والمستقبل بصورة واقعية إلى حد كبير، ولم يكتف الشيخ محمد بن زايد بذلك الربط، وإنما عرج إلى المستقبل، مجيبا على السؤال الاهم: ماذا سيكون وضع الإمارات بعد نهاية عصر النفط، وقلة موارد الطاقة، التى هى عماد الاقتصاد حاليًا؟!
وأشار إلى أن رهان المستقبل ليس نفطًا، بل شباب يتلقى أفضل تعليم، كاشفا عن بدء الإمارات لمشاريع الطاقة النووية النظيفة.
ويظهر ولى عهد أبوظبى عميق الاحترام للمرأة ودورها فى التنمية، ويؤكد دائما أن الإماراتيات شريكات فى بناء الوطن، كاشفًا عن أنهن يشكلن ٨٣٪ من إجمالى العاملات فى مصنع هياكل الطائرات الإماراتى، والذي ينتج مكونات حيوية لطائرات بوينج وإيرباص.
مجلس محمد بن زايد
يعتبر الشيخ محمد الثقافة والفكر أحد الروافد المهمة للتنمية لذلك يمثل مجلس محمد بن زايد قيمة إضافية للتنمية الفكرية فى الإمارات، وهو مجلس سنوى، يستضيف نخبة من العلماء ورجال الدين والمفكرين والمثقفين والخبراء والمبدعين، من مختلف بلدان العالم، لطرح آرائهم وتجاربهم النظرية والعلمية والتطبيقية، حول مختلف المواضيع العامة والقضايا الحيوية ذات الصلة بتطورات العصر، ومتطلباته واستشراف آفاق المستقبل فى رحاب مجلس عامر أضحى ملتقى فكريًا لمختلف وجهات النظر، وتبنى الحوار وتبادل الرأي لغة للحضارة وسمو الهدف، وقد أسعدني الحظ، وكنت ضيفًا على هذا المجلس عام 2008 حيث قدمت محاضرة تحت عنوان «الإخوان فى ثمانين عامًا».
ويعد مجلس محمد بن زايد تجربة فريدة من نوعها في الاستفادة من دور مراكز الفكر والمتخصصين والباحثين والمفكرين في تحقيق التنمية، ويأتى إيمانًا وترسيخًا للمفاهيم الراقية فى تبادل الآراء والأفكار من أجل إثراء النقاش وإغناء المعرفة وصولًا لتحقيق فهم أعمق وإيجاد حلول أفضل تجاه شتى القضايا التى تمس مستقبل المجتمعات وحياة الإنسان.
الأبحاث والتعليم
«لا بد أن نركز في تعليمنا على مدى الـ25 عامًا المقبلة، وإعطاء الأولوية للاهتمام بالموارد البشرية وتعليمها وصحتها»..هذه المقولة تعكس ملخص رؤية سمو الشيخ محمد للتعليم، فتعتبر التربية والتعليم من أولوياته الأساسية سواءً التعليم العام أو الخاص من المرحلة التأسيسية إلى المرحلة الثانوية أو التعليم العالى، حيث يشغل سموه منصب رئيس مجلس أبوظبى للتعليم الذي تأسس عام 2005.
ويقوم مجلس أبوظبى للتعليم، منذ تأسيسه، بالإشراف على قطاع التعليم في الإمارة وتطويره مستعينًا بإجراء الدراسات، وتفعيل مشاركة الطلاب وأولياء الأمور في عمليات التقييم والتواصل مع المؤسسات التعليمية الدولية من أجل تبادل المبادرات المبتكرة الرامية إلى تطوير القطاع التعليمى. كما يرأس سموه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي يشرف على نشر دراسات وتحليلات أكاديمية مهمة تتعلق بمواضيع تهم دولة الإمارات والمنطقة.
حماية البيئة
اهتم الشيخ محمد مبكرًا بحماية البيئة وأولى اهتمامًا خاصة بحماية الصقور والحبارى البرية، والمها العربية وإثراء الطبيعة فى دولة الإمارات والعالم، وهو ما ينعكس من خلال تأسيس ورئاسة سموه لصندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية، ورئاسته الفخرية لهيئة البيئة في أبوظبى، ويحمله شغفه بتربية الصقور إلى تركيزه على حمايتها والمحافظة عليها إلى جانب حماية الأنواع الأخرى المهددة بالانقراض إضافة إلى النباتات.
وقد عُرف عن سموه اهتمامه الكبير بحيوانات شبه الجزيرة العربية وخاصة المها العربية والحبارى، وأدت جهود سموه في مجال المحافظة على الطبيعة إلى تبنى مشاريع الطاقة البديلة لا سيما مدينة «مصدر» في أبوظبى وهى مبادرة لإنشاء مدينة خالية من النفايات والانبعاثات الكربونية والتي ستمكّن أبوظبى من تبوُّأ الصدارة العالمية فى مجالات أبحاث وتطوير الطاقة المتجددة والتقنيات المستدامة.
كلمة أخيرة
أريد أن أؤكد أن أزمة البلدان العربية تتمثل في ندرة العقول، رغم كثرتها، إننا بحاجة شديدة وملحة إلى أكثر من عقل مثل عقل سمو الشيخ محمد بن زايد، عقل البناء والتنمية والتخطيط الإستراتيجي، عقل يخاطب الداخل والإقليم والعالم، ويوازن بين المصالح الوطنية والواجبات العربية. بارك الله خطاك وحفظك.. وحفظ دولة الإمارات العربية المتحدة حكومة وشعبا وكل عام وإمارات «زايد الخير» فى تقدم ورفعة بمناسبة العيد الخمسين لتأسيس الدولة.