أنتجت «البوابة» عددًا كبيرًا من الملفات والتقارير وورقات تقدير الموقف والمتابعات لملف جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، وكان من بين أهم الملفات في هذا الصدد، ملف «عبدالرحيم على والملفات السرية للإخوان»، وتناول الكاتب الصحفي عبدالرحيم على في هذا الملف الذي نشر على مدى 12 حلقة، وصدر في كتاب يحمل نفس الاسم، كيف انزلق الإخوان على مدى أكثر من ثمانين عاما في مستنقع الانتهازية منذ البدايات وعلى يد الشيخ حسن البنا، وإلى تاريخهم اليوم، حتى بدا وكأن الانتهازية نهج لهم مألوف، وكأنهم في سلسلة من التحالفات التي دائما ما تنتهي بالغدر بالحليف.
٨٠عاما من الانزلاق فى مستنقع الانتهازية.. واستغلال الشريعة والديمقراطية للوصول إلى السلطة
يكشف «على» بجلاء شديد مشروع «دولة الإخوان» ومخاطره على حاضر ومستقبل الوطن «مصر» كما يكشف مأزق الجماعة، أو بالأحرى تراجيديا صعودها نحو الهاوية.
وترجع أهمية هذا الملف الكتاب بأنه يكشف تعامل هذه الجماعة في وطنها الأم مصر، فما بالنا بجماعة الإخوان في أي دولة أخرى.
الإخوان خصوم الديمقراطية
حينما نبحث في ملف الإخوان والديمقراطية، فإننا بلا شك نصطدم بحقائق كانت غائبة عن أعين الكثيرين قبل عام ٢٠١١، حيث حاول الإخوان الربط بين الديمقراطية ومبدأ الشورى من أجل تبرير انخراطهم في السياسة ولهذا أخذوا بالديمقراطية مجبرين، لأنهم يدركون أنها طريقهم الوحيد إلى السلطة وتحقيق أهدافهم، ويتبين هذا من مسيرة الإخوان تاريخيًا والتي تعكس استغلال الآليات والسبل كافة، بما فيها الدين نفسه، وتوظيفها من أجل تحقيق هدف الوصول إلى الحكم في مختلف الدول العربية والإسلامية.
وقد ناقش الكاتب الصحفي عبدالرحيم على رئيس مجلس إدارة «البوابة» في أكثر من دراسة وكتاب مفهوم الإخوان عن الديمقراطية حيث نشأت جماعة الإخوان المسلمين في البداية كحركة دينية، ولم يكن من ضمن أهدافها المشاركة في السياسة أو الحكم. فقد نصت المادة ٣ من الباب الثاني في القانون الأساسـي لإنشاء جمعية الإخوان الصادر عام ١٩٣٠ على عدم التعرض للسياسة أو الخلافات الحزبية والدينية، كما نصت ديباجة هذا القانون على: «إنشاء جمعية دينية أغراضها ومقاصدها نشـر الأحكام الشـرعية، والحض على التحلي بمكارم الأخلاق والعمل على المحافظة على كتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، وكذا العمل على عمارة ما يتهدم من بيوت العبادة (المساجد)».
لذلك لم تكن القضايا المتعلقة بالسلطة أو الوصول إليها آنذاك، خاصة الأحزاب أو الديمقراطية والانتخابات، موضع ترحيب من المؤسس حسن البنا أو جماعته.
تبرير الانخراط بالسياسة
ومن هنا أصبح موقف الإخوان من الأحزاب منذ البداية سلبيًا وفي مرحلة لاحقة رافضًا، لذا طالب البنا بإلغائها وحلها من منطلق أنها من الفتن أو مسبباتها.
فقد أرسل البنا عام ١٩٣٨ رسالة إلى الملك فاروق يطالبه فيها بحل الأحزاب السياسية بسبب فسادها والانقسام الذي أحدثته في المجتمع المصـري والدولة، وأعلن في السياق نفسه التحول من دعوة الكلام إلى الأعمال والنضال، وأن الجماعة ستختصم جميع الأحزاب والزعماء، سواء كانوا في الحكم أو خارجه ما لم يعمل هؤلاء على نصـرة الإسلام واستعادة حكمه ومجده، ولعل هذا يفسـر الموقف الرافض للأحزاب في البداية بحجة عدم وجود أصل لها في الدين أو التاريخ الإسلامي، أو أنها مستوردة أو تمثل ثقافة دخيلة من الغرب، ومن ثم فإن هدفها السلطة، وعادة ما تكون سببًا في الفرقة والفساد.
ولا ينفصل مفهوم الإخوان المسلمين ونظرتهم إلى الأحزاب عن نظرتهم إلى الديمقراطية التي تقوم على التعددية الحزبية والمحاسبة. فقد كانت الجماعة منذ نشأتها ترفض الديمقراطية كمفهوم غربي وعلى أقل تقدير تعزف عن الانخراط أو العمل في إطارها أو إطار المؤسسات المنبثقة عنها، من منطلقات شـرعية فقهية. ولم يكن الإخوان المسلمون، كغيرهم من الجماعات الدينية في هذا السياق، بعيدين عن الخلط أحيانًا بين الديمقراطية ومفاهيم إسلامية أساسية كالشورى، حيث كثيرًا ما كانت الأدبيات تُقارن الديمقراطية بالإسلام مع أنها ليست دينًا، بل وتقوم في فلسفتها على مبدأ تحييد الدين عن السياسة أو أبعد من ذلك، فصله كليًا عن الدولـة.
وفي النهاية، وبالمنطق والمبررات ذاتها، أعلن الإخوان المسلمون قبولهم الديمقراطية كآلية للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه لتحقيق أهدافهم.
وعليه أصبح موقف الإخوان المسلمين من موضوع الديمقراطية والأحزاب فضلًا عن المواقف من بعض القضايا الفقهية من أسباب خلاف الجماعة مع التيارات الدينية الأخرى، بل ومن أسباب الانشقاقات التي حدثت داخل الجماعة نفسها ونتجت منها تنظيمات مختلفة في الفكر، يتبنى بعضها العنف المبني على التكفير أساسًا لمنهجها وسعيها إلى التغيير.
قد طوّر الإخوان خطابهم في الديمقراطية لاحقًا، من خلال المشاركة في الانتخابات التشريعية؛ على صعيد الممارسة العملية، دون مراجعة أفكار شيوخهم ومفكريهم، وآرائهم، ودون مراجعة الفتاوى الفقهية التي تشكلت منهم عبر التاريخ، وما زالت تحكم العقل الإسلاموي حتى الآن؛ بمعنى أنّ المنهاج الفكري لقواعد الإخوان، بقي كما هو، ينهل من آراء حسن البنا المتناقضة والمبهمة؛ كموقفه الرافض للحزبية السياسية. أو من أفكار سيد قطب الذي لا يؤمن بالديمقراطية؛ لأنها تشارك الخالق في الحاكمية والتشريع! أما الشيخ والقيادي الإخواني الأردني، الدكتور محمد أبوفارس، فيقول عن الديمقراطية:
«كمسلم، لا أرى في الديمقراطية حلًّا، فالإسلام هو الحل، والديمقراطية تنتمي لنظام علماني غير إسلامي، أنّها حكم الشعب بواسطة الشعب، بالنسبة إليَّ: الحاكمية لله، وليست للشعب، لأنّ الله هو أساس السلطان».
فموقف شيوخ الإخوان هذا من الديمقراطية، يفضح انتهازيتهم وتدليسهم على الناس، ويثبت أنّ خطابهم السياسي، الذي يتضمن شعاراتٍ ديمقراطية، هو تقية سياسية، وقناع للوصول إلى السلطة، ومن ثمّ خنق الديمقراطية، وإلغاؤها، لتكون السيادة الفاشية إخوانية فقط، وقد بلغت هذه الانتهازية حدّ التحالف مع بعض القوى اليسارية والليبرالية، لأجل تشكيل جبهة تعطيهم غطاءً سياسيًا، يزيد نفوذهم داخل المجتمع والدولة، ثمّ يسارعون للانقلاب، في أول فرصة تلوح لهم، وهذا ما حدث بعد ثورة ٢٥ يناير مباشرة.
استطاعت جماعة الإخوان وبمساعدات خارجية من أنظمة إقليمية وعالمية، القفز على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، واستغلالها للاستيلاء على الحكم والسيطرة على مؤسسات الدولة المختلفة ووضع خطة لأخونتها، من أجل تحقيق أهداف ومآرب وأغراض الجماعة والترويج لفكرها المتطرف وأفكارها الإرهابية، وخططت الإخوان للاستحواذ على سلطات الدولة، ولجأت في سبيل ذلك إلى ارتكاب انتهاكات وتزوير وتهديد، واستغلت السلطة والنفوذ لأخونة المؤسسات وتحقيق مصالحها.
وفى عام حكم الجماعة «٢٠١٢-٢٠١٣» خططت الجماعة للسيطرة على السلطة التشريعية «مجلسى الشعب والشورى»، وفى سبيل ذلك ارتكبت أخطاء وانتهاكات دستورية وقانونية، ما بين إصدار قانون مخالف للدستور لتمكين أعضاء الجماعة من التسلل إلى مجلسى الشعب والشورى والحصول على الأغلبية النيابية من أجل إصدار تشريعات تحقق مصالح الجماعة وأهدافها على حساب الصالح العام للوطن.
مكتب الإرشاد بديلا لمؤسسات الدولة
كانت جماعة الإخوان المسلمين تحكم مصر من داخل المقر الرئيسى لمكتب الإرشاد، وشهد هذا المبنى طوال العام الذى حكمت فيه الجماعة مصر صدور أهم القرارات التي كان يخرج المعزول محمد مرسى للإعلان عنها باعتباره رئيس جمهورية مصر العربية، لكنه في الواقع كان ناطقا باسم مكتب الإرشاد والمرشد العام للجماعة الإرهابية وقتها محمد بديع.
وصار هذا المقر بديلا لقصر الرئاسة بالاتحادية ومجلس الشعب ومجلس الوزراء وكل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، يمنع أحدًا من الاقتراب منه، وكان مكتب الإرشاد يُدير الدولة المصرية كما يدير قطيع الإخوان تماما، وربما كان هذا سببا في السقوط المدوى والسريع للجماعة في الشارع المصرى، وذلك بعد أن رفض المصريون أن يُعاملوا معاملة القطيع من الراعى الجالس في مكتب الإرشاد.
لم يكن محمد مرسى رئيسا فعليا للبلاد، وكانت مؤسسة الرئاسة وقتها مجرد أداة في يد مكتب الإرشاد ومرشده العام للسيطرة على مفاصل الدولة، وحاولت الجماعة هدم تلك المؤسسات من داخلها بعدما فشلوا في تمكين عناصرها من المؤسسات وأخونتها بالكامل، وذلك عن طريق تنشيط كوادرها داخل المؤسسات.