عرفت «البوابة» منذ أن ظهرت مدافعة عن الوطنية المصرية تحاول أن توثق تجارب جماعات العنف الديني وجرائمها ضد الوطن وضد حقوق الإنسان والحريات وقيم الإسلام العليا.
«البوابة» في رأي نتاج مدرسة فكرية نشأت على ضفاف عقد السبعينيات من القرن الماضي لتفسير وفهم التيَّار الديني الأصولي المتشدد، وتعزيز قيم الجماعة الوطنية؛ احتضنت تجارب رفعت السعيد والسيد ياسين، وقدمت جيلا من الشباب الصحفي، وتبنت تجارب التائبين والمراجعين في الجماعات الإسلامية.
ارتبطت «البوابة» ككيان باسم مؤسسها الدكتور عبد الرحيم على، وظل صاحب البصمة الأهم بين رجال المؤسسة الصحفية، برصيد خبراته وعلاقاته ومعرفته بالشأن العام وقضايا الإسلام السياسي بشكل خاص، ولم تطغ صفة رجل السياسية على صفته كباحث وصحفي، ولم يفعل ما فعله غيره حين صبغوا مؤسساتهم بصبغتهم ورؤيتهم الخاصة بل وأيديولوجيتهم الفكرية وأصبح هناك في مطبخهم الصحفي مقربون وبقية الجريدة.
لي تجربة مع عبدالرحيم على منذ زمن بعيد وتحديدًا في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي فقد صنع حوارا مع الشيخ طه السماوى الشهير بـ«عبدالله السماوى» فور خروجه من السجن على خلفية قضية حرائق نوادي الفيديو الشهيرة، يومها أحدث الحوار دويا كونه كان متعمقا ولم يكن مألوفا من صحفى في جريدة الأهالي اليسارية حين يحاور أمير جماعة السماوية، والتي أحدثت جماعته جدلا كبيرا في جماعات الإسلام السياسي حينها فقد كان السماوي أحد الشخصيات الملهمة فكريا لخالد محمد شوقي الإسلامبولي قاتل السادات.
نشط عبد الرحيم على في مجال الإسلام السياسي بعدها وكتب عن الإخوان وكتب عن بقية الجماعات وكان يحمل مدرسة فكرية في مواجهة مشروع الإسلام السياسي الذي يحمل من بين جنبيه مشروع هدم الدولة الوطنية وإقامة وهم أستاذية العالم.
اشتبك عبد الرحيم مع جماعات العنف ودخل السجون والمعتقلات وأجرى حوارا شهيرا آخر مع أكرم فوزي أحد المسجونين في سجن مزرعة طرة أيام توبة حسن الهلاوي وعبدالله بدر وأحمد راشد وأحمد الخولي وعبدالناصر درة، وفى اليوم الثاني صدر قرار وزارة الداخلية في عهد حسن الألفى بمراجعة قواعد السجون والمعتقلات من جديد على ضوء ما كشفه الحوار من تجنيد ودعوة وأرشفة وبيعة على الموت في السجون والمعتقلات.
ظهر عبدالرحيم على بعد مراجعات الجماعة الإسلامية في التليفزيون المصري وحذر من مراجعات الجماعة ومجلس شورتها، وأخرج كتابه الشهير «المقامرة الكبرى: مبادرة وقف العنف بين رهان الحكومة والجماعة الإسلامية»، وبعد سلسة من المقالات الصحفية والأحاديث التليفزيونية اجتمع ـ سرا ـ مع قيادات الجماعات الإسلامية وناظرهم في كثير من مصطلحاتهم الفكرية والشرعية مثل أهل الذمة والمواطنة، الاستعطاف ومفهوم المراجعة، شرعية الجماعة وشرعية الأمة المسلمة، من عليه الإجماع الخلافة أم الدولة القطرية الوطنية والمواطنة.
تقدم عبدالرحيم على منذ نهاية الثمانينيات بحوار مع السماوي ليخرج لنا بحوار شهير مع مختار نوح والذي تنبأ فيه بسقوط الإخوان، تعرض بعدها مختار لتحقيق في جماعة الإخوان من مهدي عاكف والتنظيم السري بالجماعة وحُكم يومها على مختار بالمروق فقد قال ما نصه: «نهاية جماعة الإخوان خلال عامين»، وحُكم على عبدالرحيم على بالكفر السياسي والردة الحضارية وأثر في العمق الفكري للجماعة.
دخل بعد هذه الخبرات بمشروع «البوابة» واحتفظت الجريدة برونقها وطابعها الخاص وشخصيتها الفريدة بين الصحف المصرية وقدمت فيها بصدق وبدون أي مواراة أفكاري، بل وغطيت جنازة د. عمر عبدالرحمن وخرجنا يومها بعنوان «فإنه اليوم يسأل» مصداقا لحديث: «اسألوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل.. صراع الإرهابيين على جثة الشيخ»، وانفردنا بتفاصيل الساعات الأخيرة لمقتل أبوالعلي عبدربه في سوريا قاتل فرج فودة، والذي أفرج عنه بعد مراجعات الجماعة الإسلامية، وفي صفحة «جدد إسلامك» كانت لنا أيام ناقشت من خلالها قضية خطبة الجمعة وقضية مصارف الزكاة والأوقاف وقضية الطلاق الشفوي، وقدمنا معالم الحق في دفاعنا ضد التكفير والتفجير، وصفحة «افت يا مفتى»، وتناولت في تحقيق صحفى استقصائي مراجعات سجون الإخوان ومنهم شخصيات أفرج عنهم مثل عماد عبدالحافظ، وأمير مجموعات القاعدة في سجن الزقازيق العمومي أحمد الأنصار بعد أن تسللت إلى سجن الزقازيق وأخرجت يومها نصا مكتوبا منه، ولا أنسي أبدا حلقات «نداهة الخلافة» مهاجرون لغير وجه الوطن وهي دراسة نفسية فكرية لعشر شخصيات جهادية تحولوا إلى العنف والتطرف، كما أشرفت على كثير من المشروعات الفكرية والبحثية للإسلام السياسي.
هاجمني خلال ذلك الوقت شخصيات من قادة وقوى الإسلام السياسي وقالوا إن الجريدة تطبخ في أمن الدولة ومستشاريها قيادات النشاط الديني بجهاز الأمن الوطني، وكأنهم لم يروا منع الجريدة مرات ومرات من الصدور.
رحلة الإسلام السياسي في عقل ووجدان عبدالرحيم على لم تنقطع، ورحلة عطاء السبع سنوات لم تنضب، وإن كانت تحتاج إلى تطوير وهذه سنة الحياة؟!.
يبقي أن أقول شيئا في رحلة عطاء رجال «البوابة» إنهم يتحملون أعباء كثيرة في ظل ظروف معيشية صعبة وظروف بالغة الدقة في تاريخ الصحافة المصرية، فمن يختار العيش في قسم الإسلام السياسي ووحداته المختلفة لا بد وأن يرتدي قميص واقٍ للرصاص، ويتحمل أن يعيش بين المطرقة والسندان وهو ما اختاره رجال «البوابة» وعبدالرحيم على.
الأمس لا يموت أبدًا: وما نحتاجه قراءة متأنية كيف يستمر الإسلام السياسي رغم إخفاقاته!
وهذه هي رحلة الصحفي في جريدة «البوابة» دمتم يا رجال الكتيبة وكل عام وأنتم إلى الله والوطن أقرب.